< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/03/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : في السّجود ومواضعه

 

ومنها : صحيحة منصور بن حازم المتقدِّمة عن غير واحد من أصحابنا قال : قلت لأبي جعفر × : إنا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج ، أفنسجد عليه ، قال : لا ، ولكنِ اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً ، أو كتّاناً [1] .

ولا يضرّها الإرسال ، لِمَا عرفت من الاطمئنان بوجود الثقة في قوله : غير واحد من أصحابنا ، كما أنَّك عرفت أنّها ظاهرة في صورة الاضطرار ، لا الاختيار ، وقد تقدّم توضيحه ، وبناءً عليه فهي ظاهرة في تعيّن القطن ، أو الكتّان ، عند تعذّر ما يصحّ السّجود عليه .

ومثلها رواية عليّ بن جعفر المتقدّمة أيضاً عن أخيه × قال : سألته عن الرَّجل يؤذيه حرّ الأرض ، وهو في الصّلاة ، ولا يقدر على السّجود ، هل يصلح له أن يضع ثوبه إن كان قطناً ، أو كتّاناً ؟ قال : إذا كان مضطرّاً فَلْيفعل[2] ، ولكنّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن ، فإنّه مهمل .

وعليه ، فالرّوايات الواردة في السّجود على الثوب وإن كانت مطلقةً من حيث كون الثوب متّخذاً من القطن أو الكتّان ، أو غيرهما ، من الصّوف والشّعر ، ونحوهما ، إلّا أنّها مقيّدةً بصحيحة منصور بن حازم الظاهرة في تعيّن القطن أو الكتّان ، مع كون أغلب روايات السّجود على الثوب ضعيفة السّند .

ثمّ إنّه ذكرنا سابقاً بعض الرّوايات الدّالة على جواز السّجود على القِير والقفر ، وقلنا : إنّ الأقرب حَمْلها على التقيّة .

ولو حملت على الاضطرار فتكون مقدمةً في الرتبة على الثوب ، إذ الغالب في مواردها تمكّن المكلّف من أن يصلّي على شيءٍ من قطن أو كتّان ، فضلاً عن مطلق الثوب ، ومع ذلك أقرّ بها ، فيدلّ على تقدّمها على الثوب .

ولكنّك عرفت أنّ الأقرب حَمْلها على التقيّة .

وأصبحت النتيجة : أنّ المُبدَل الشرعي في حال الاضطرار هو السجود على القطن أو الكتّان ، ومع فَقْدهما فيجوز السّجود على كلّ شيء ، وأنّ الأبدال كلّها في عرض واحد ، سواء ظَهْر الكفّ ، أو ، القير ، أو المعادن من الذهب والفضة ، مع أنّ التعدّي إلى بقية المعادن من الذهب والفضة إنّما كان من نصوص القير .

ومن هنا يتضح عدم صحّة الترتيب الذي ذَكَره المصنّف & ، من أنّ الأوّل هو القطن والكتان ، فإنْ تعذّر فعلى المعدن أو القِير ، أو الصهروج ، فإنْ تعذّر فعلى كفّه .

وقال في البيان ولو منعه الحَرُّ سَجَد على ثوبه ، فإنّ تعذَّر فعلى كفِّه ، وفي ترجيح المعدن على النبات الملبوس نظر ، نعم هما أَوْلى من الثلج ، وهو أَوْلى من الكفّ .

وقال في الذكرى : ولو وجد ملبوساً من نبات الأرض فهو أَوْلى من الثلج ، لأنّ المانع هنا عرضي ، بخلاف الثلج ... [3]

الخُمْرة - بضم الخاء المعجمة ، وإسكان الميم - : سجادة صغيرة ، وحكى المصنّف & في الذكرى عن الفارابي : أنّها شيء منسوج من السعف ، أصغر من المصلَّى - ثمّ قال : - قال الهروي : هي سجادة بقدر ما يضع عليه الرّجل حرّ وجهِه في سجوده من حصير ، أو من خُوص ...[4]

وقال في كتاب مجمع البحرين : قد تكرّر في الحديث ذِكْر الخُمْرة والسّجود عليها ، وهي - بالضمِّ ج- سجادة صغيرة تُعمل من سعف النخل ، وتُزْمل بالخيوط ، وفي النهاية : هي مقدار ما يضع الرّجل عليه وجهه في سجوده ، ولا يكون الخُمْرة إلا بهذا المقدار ، ومنه كان أبي يصلي على الخُمْرة ، يضعها على الطنفسة ، الطنفسة - بتثليث الطاء والفاء - : بساط له خمل .

قال المصنّف & في الذكرى : لو عُمِلت الخُمْرة بخيوط من جنس ما يجوز السُّجود عليه ، فلا إشكال في جواز السُّجود عليها ، ولو عُملت بسيور فإن كانت مغطّاة ، بحيث تقع الجبهة على الخوص ، صح السّجود أيضاً ، ولو وقعت على السيور لم يجز ... ، السيور هي الجلد .

أقول : أمّا جواز السّجود على الخُمْرة فقد ورد ذلك في رواياتٍ كثيرة ، وأمّا التفصيل بين كونها معمولة بخيوط ، أو سيور ، فقد يُستفاد ذلك من رواية عليّ بن الرّيان قال كتَبَ بعض أصحابنا إليه ، بيد إبراهيم بن عقبة - يعني أبا جعفر × - عن الصّلاة على الخُمْرة المدنيّة ، فكتب : صلّ فيها ما كان معمولاً بخيوطه ، ولا تصلّ على ما كان معمولاً بسيورة[5] ، ورواها الشّيخ & بإسناده عن عليّ بن محمّد .

ولكنّها ضعيفة بطريق الكليني بسهل بن زياد ، وبطريق الشّيخ بجهالة عليّ بن محمد المشترك بين عدّة أشخاص أغلبهم مجهولو الحال ، وبجهالة الطريق إليه أيضاً .

وأمّا جهالة الكاتب وعدم وثاقة إبراهيم بن عُقبة فلا يضرّ ، لشهادة عليّ بن الريّان بالجواب ، حيث قال : فكتب ، فلولا ضعفها بما تقدّم لَمَا كانت جهالة الكاتب ، وعدم وثاقة إبراهيم بن عقبة ، مضرّةً .

قال صاحب الحدائق & : ولعلّ بناء الفرق في رواية عليّ بن ريان على أنْ يُعمل بالخيوط تكون الحنوط فيه مستورة بالسعف ، وأمّا ما يُعمل بالسّيور فإنّها تظهر بين السّعف ، أو تغطّى على السعف ، فلا يقع السّجود على السّعف بالكليّة ، فيكون النهي محمولاً على التحريم ، أو لا يحصل الجُزء الأكمل من السّجود فيكون النهي للكراهة ، وهو جيد .[6]

قال المصنّف & في الذكرى : لا يمنع حَمْل المصلّي شيئاً من جنس ما يُسْجد عليه من جواز السّجود عليه على الأصحّ لدخوله في العموم ، وأصالة الجواز ، فلو كانت القلنسوة نباتاً غير القطن والكتّان ، أو كان بين جبهته وبين العمامة ما يصحّ السجود عليه ، صحّ ، ومنع الشّيخ & من السّجود على ما هو حامل له كَكَوْر العمامة - بفتح الكاف - وطرف الرداء ، فإن قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحباً بالوفاق ، وإن جعل المانع نفس الحمل كمذهب بعض العامّة طُولِب بدليل المنع ، مع أنّه قد روى أبو بصير عن أبي جعفر × في خايف الرمضاء يسجد على بعض ثوبه فقال : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله[7] ، وروى أحمد بن عمر ، قال : سألتُ أبا الحسن × عن الرّجل يسجد على كُمِّ قميصه من أذى الحرّ والبرد ، أو على ردائه ، فقال : لا بأس به[8] ، وإنِ احتُجّ برواية الأصحاب عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن الصّادق × في السّجود على العمامة لا يجزيه حتّى تصلْ جبهته إلى الأرض[9] .

قلنا : لا دلالة فيه على كون المنع الحمل ، بل جاز لفقد كونه مما يُسجد عليه ، وكذا ما رواه طلحة بن زيد عن الصّادق × عن أبيه عن عليّ × أنّه كان لا يُسجد على الكمّ ، ولا على العمامة[10] انتهى كلام المصنِّف في الذكرى ، ولا غبار عليه .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo