الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/03/11
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : في السجود ومواضعه
ولكنَّ الإنصاف : أنَّها ضعيفة بالإرسال بطريق الكليني رحمه الله ، لأنَّ الكاتب هو بعض أصحابنا ، وهو مجهول .
نعم ، لو أنّ محمّد بن الحسين رحمه الله شهد بالكتابة لصحَّت الرَّواية ، ولا يضرَّ جهالة الكاتب ، إلَّا أنَّه لم يشهد لأنَّ الضمير في (قال) : يعود إلى الكاتب ، لا إلى محمَّد بن الحسين رحمه الله .
نعم ، في نسخة التهذيب هكذا : (قال : فكتب إليه) ، ويكون الضمير في (قال) راجعاً إلى محمّد بن الحسين رحمه الله ، فيكون شاهداً على صحّة الكتابة ، إلّا أنّ نسخة التهذيب غير ثابتة ، فيدور الأمر بين نسخة الكليني ونسخة التهذيب ، فلا يصحّ الاعتماد على الرَّواية حينئذٍ ، لا سيَّما أنَّ كتاب الكافي أضبط بكثير من التهذيب .
نعم ، في رواية كشف الغمَّة يكون الكاتب معلوماً ، وهو محمَّد بن الحسن بن مصعب ، إلَّا أنَّها ضعيفة من جهتَيْن :
الأُولى : أنَّ طريق عليّ بن عيسى صاحب كشف الغُمَّة إلى كتاب الدَّلائل ضعيف .
الثانية : جهالة محمَّد بن الحسن بن مصعب ، كما أنَّها ضعيفة بطريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في العِلل بجهالة السَّياري ، هذا بالنسبة لسند الرِّواية .
وأمَّا بالنسبة لدلالتها فالمراد بكونهما - الملح والرمل - ممسوخين حال صيرورتهما زجاجاً ، أي غير باقيين على حقيقتهما ، لا أنَّهما من حيث هما ممسوخات ، كما يُوهمه ظاهر العبارة ، إذ لا إشكال في كون الرَّمل أرضاً يصحُّ السُّجود عليه .
ومن هنا التزم بعض الأعلام بكراهة السُّجود على الرَّمل أخذاً بظاهر العبارة .
ولكنَّ هذا الظاهر وإن كان يقتضي الحرمة خصوصاً بعد وقوعه تعليلاً للنهي عن السّجود على الزّجاج ، ولكنّه لا بدّ من حمله على الكراهة بعد العلم بدخوله في مسمَّى الأرض ، وشهادة النصّ والتسالم على جواز السُّجود عليه بالخصوص .
مضافاً إلى العمومات الدَّالة عليه ، ولا ينافيه إبقاء النهي عن السُّجود على الزُّجاج على ظاهره من الحرمة بعد كونه مركباً منه ومن الجُزء الآخر الذي لا يجوز السُّجود عليه ، بلا شبهة ، وهو الملح .
وجه عدم المنافاة : أنه لا مانع من التفكيك في الرّواية الواحدة ، كما تقدَّم نظيرها في كثير من المناسبات .
ولكنَّ الذي يهوِّن الخطب : أنّ الرِّواية ضعيفة السَّند ، والله العالم .
وأمَّا القير : فهو مثله مثل الذهب والفضة ، ونحوهما ، في خروجه عن مسمَّى الأرض ، وفي الجواهر : (ولا خلاف أجده بين الأصحاب قديماً وحديثاً في عدم جواز السُّجود على القير ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ... )[1] .
ويدلّ عليه - مضافاً لِمَا ذكرنا - بعض الرِّوايات :
منها : حسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال : قلتُ له : أسجدُ على الزّفت - يعني القير - فقال : لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصُّوف ، ولا على شيءٍ من الحيوان ، ولا على الطعام ، ولا على شيء من ثمار الأرض ، ولا على شيء من الرياش)[2] .
ومنها : رواية محمَّد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرِّضا عليه السلام (قال : لا تسجد على القير ، ولا على القفر ، ولا على الصّاروج)[3] ، ولكنَّها ضعيفة بعليّ بن إسماعيل السِّندي ، فإنَّه غير موثَّق .
نعم ، وثقه نصر بن الصُّباح ، إلّا أنّه لا يعتمد على توثيقاته ، لأنّه نفسه غير موثَّق ، والقفر شيء يشبه الزّفت ، ورائحته كرائحة القير ، والصاروج : النورة ، وأخلاطها .
وهناك بعض الرّوايات دلّت على جواز السّجود عليه :
منها ثلاث صِحاح لمعاوية بن عمار :
الأُولى : (قال : سأل المعلَّى بن خُنيس أبا عبد الله عليه السلام - وأنا عنده - عن السُّجود على القفر ، وعلى القير ، فقال : لا بأس به)[4] .
نعم ، هي بطريق الصَّدوق رحمه الله ضعيفة ، لأنّه رواها بإسناده عن معلَّى بن خُنيس ، وإسناده إليه وإن كان صحيحاً إلَّا أنَّ معلَّى بن خُنيس ضعيف .
الثانية : (أنَّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصَّلاة على القارّ (فقال : لا بأس به)[5] .
الثالثة : (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصَّلاة في السّفينة - إلى أن قال : - يصلَّى على القير ، والقفر ، ويسجد عليه)[6] .
ومنها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : القير من نبات الأرض)[7] ، وطريق الشّيخ الصّدوق رحمه الله إلى منصور بن حازم وإن كان فيه محمّد بن علي ماجيلويه ، وهو لم يوثّق بالخصوص ، إلّا أنّه من المعاريف ، وذلك كاشف عن وثاقته .
والمراد أنّه بمنزلة النبات من حيث جواز السّجود عليه ، وإلّا فهو حتماً ليس من النبات .
ومنها : رواية إبراهيم بن ميمون (أنّه قال لأبي عبد الله عليه السلام - في حديث - : تسجد ( فاسجد ) على ما في السّفينة ، وعلى القير ، قال : لا بأس)[8] ، ولكنّها ضعيفة لأنّ إبراهيم بن ميمون غير موثّق .
نعم ، قال في حقه ابن حجر المخالف : (أنَّه كوفي صدوق) ، ولكنّ كلام ابن حجر غير معتبر .
وأمّا إسناد الشّيخ رحمه الله إلى إبراهيم بن ميمون وإن كان غير معتبر ، حيث لم يذكر طريقه إليه في المشيخة ، إلَّا أنّ طريق الشّيخ الصَّدوق رحمه الله صحيح .
ثمّ إنّه اختُلف في كيفية الجمع بين هذه الأخبار ، فذهب المشهور ، ومنهم الشيخ رحمه الله في كتاب الأخبار ، والمحقِّق رحمه الله في المعتبر ، إلى حمل أخبار المجوّزة على الضّرورة ، وفي المدارك : (ولو قيل : بالجواز ، وحَمْل النهي على الكراهة أمكن ، إن لم ينعقد إجماع على خلافه)[9] .
أقول : إن لم يكن بين الروايات تعارض ، فالأقرب حمل روايات المجوّزة على الضّرورة ، للتسالم بين الأعلام على عدم جواز السّجود عليه .
ويؤيِّده : إعراض الأصحاب عنها ، وإن كان بينها تعارض ، كما هو الظاهر ، فَلْتحمل روايات المجوّزة على التقيّة ، لاتِّفاق العامَّة على القول بالجواز .
ثمّ إنّ الزّفت هو القير ، كما في حسنة زرارة المتقدّمة ، وإنّما الفرق بينهما في الميعان وعدمه ، فالمايع يعبّر عنه بالزّفت ، والجامد بالقير ، والله العالم .