< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : في السجود ومواضعه

 

ويرد على تعليله في التذكرة بأنّه يصدق عرفاً أنّه سجد على المأكول ، كما تقدّم ، وأمّا ما علّله في المنتهى فقد أشكل عليه المصنّف رحمه الله في الذكرى ، حيث قال : ( ويشكل بجريان العادة بأكلها غير منخولة ، وخصوصاً الحنطة ، وخصوصاً الصدر الأوّل ... )[1] .

أضف إلى ذلك : أنّ النخل لا يأتي على جميع الأجزاء القشريّة ، لأنّ الأجزاء الصغيرة تنزل مع الدقيق فتُؤكل ، وكونها تابعة للدقيق في الأكل لا يمنع من كونها مأكولةً ، لصدق الأكل في الجملة .

هذا ، وحُكي أنّ أوَّل من نخل الدقيق معاوية .

ثمّ إنّ الظّاهر صدق المأكول على الثمرة قبل استكمالها وتعارف أكلها .

وقد يؤيِّده : تعليق الحكم على الثّمرة في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال : لا بأس بالصّلاة على البوريا والخصفة ، وكلّ نبات إلّا الثمرة)[2] ، والرّواية صحيحة لابن ابراهيم الخزّاز الوارد في السّند ، وإن ورد في كتب الرّجال بعناوين ثلاثة : إبراهيم بن زياد ، وإبراهيم بن عيسى ، وإبراهيم بن عثمان ، إلَّا أنَّ الإنصاف : أنّهم رجل واحد ، وهو أبو أيوب الخزَّاز الثقة .

نعم ، رواها الشّيخ الصدوق رحمه الله في الفقيه بإسناده عن محمّد بن مسلم إلّا أنّك عرفت أنّ إسناد الصّدوق رحمه الله إلى ابن مسلم ضعيف ، لوجود عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه ، وهما غير مذكورين في الرجال .

وفي حسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام حيث ورد في ذّيْلها : (ولا على شيءٍ من ثمار الأرض ... )[3] ، ولكن لا يبعد دعوى انصراف هاتين الروايتين إلى ما كان صالحاً للأكل ولو بالقوَّة القريبة ، كما أنَّهما منصرفتان عمَّا ليس بمأكول أصلاً كثمرة الشَّوك ، ونحوه من النباتات ، جزماً .

لمَّا تقدَّم من التسالم والنصوص الكثيرة على عدم جواز السَّجود إلَّا على الأرض ، أو ما أنبتت ، إلَّا ما أكل أو لبس .

وعليه ، فلا يجوز السُّجود على المعادن التي لا يصدق عليه الأرض ، ولا ما أنبتته مثل الذهب والفضّة ، ونحوهما .

وأمَّا ما لم يخرج عن حقيقة الأرض ، وسمِّي معدناً ، كالعقيق والفيروزج ، وغيرهما من الأحجار الكريمة ، فإنَّه يجوز السُّجود عليها ، كما يصحّ التيمّم بها .

واحتمال مانعيّة نفس المعدنيّة ، وإن لم تخرجه عن اسم الأرض ، في غير محلِّه ، لأنّ الحكم بصحّة السُّجود يترتّب على صدق اسم الأرض عليه ، وإن صدق عليه أيضاً اسم المعدنيّة ، إذ ليس في شيءٍ من الأدلّة المعتدّ بها تعليق الحكم على المعدن ، بل ليس عدم السجود عليه إلّا لأنّه ليس بأرض .

ومن هنا لا يهمّنا تحقيق معنى المعدن وإن عرّفه بعضهم بأنّه كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها ممَّا له قيمة .

وبالجملة ، فالملاك في جواز السّجود على الشيء هو ما صدق عليه اسم الأرض ، أو ما أنبتت ، إلا ما أكل ، أو لبس .

ومن هنا وقع الخلاف في جواز السُّجود على الجصّ والنَّورة والخزف والآجر ، ونحوهما . وقد تقدَّم الكلام في باب التيمّم بالتفصيل في جميع هذه الأمور ، وقلنا : إنّ الأقوى جواز التيمّم بها ، وكذا يصحّ السُّجود عليها ، لأنَّ المقامين من وادٍ واحد ، وهو عدم خروج هذه الأمور عن اسم الأرض .

وذكرنا الأدلة هناك فراجع ، ولسنا بحاجة للإعادة ، وذكرنا أيضا هناك عدم صحة التيمم بالرماد ، لأنه لا يصدق عليه اسم الأرض ، إذ بالاستحالة ، وتبدل صورته النوعية لا يمكن بقاء اسم الأرض عليه ،ولهذه العلة لا يصح السجود عليه .

وأمَّا الفحم فهو وإن لم يستحِل إلى حقيقةٍ أخرى ، إذ الذَّات باقية ، وليس هو كالرماد ، إلّا أنّه مع ذلك لا يصحّ السُّجود عليه ، لأنّه فعلاً لا يتّصف بصفة الحطبيّة ، ولا يعدّ من النبات لتغيّر وصفه المقوِّم ، لعدِّه من النبات في نظر العرف .

وأمَّا الزُّجاج فلا يصحّ السُّجود عليه لخروجه عن مفهوم الأرض عرفاً ، سواء كان في الأصل متمحِّضاً من أجزاء الأرض ، كالحجارة أو الحصى ، أو ممتزجاً مع غيرها ، مما ليس بأرض من ملح ، ونحوه .

ويدلُّ على عدم جواز السُّجود عليه أيضاً رواية محمَّد بن الحسين (أنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه السلام يسأله عن الصَّلاة على الزُّجاج ، قال : فلمَّا نفذ كتابي إليه فكرت ، وقلت : هو ممَّا أنبتت الأرض ، وما كان لي أن أسال عنه ، قال : فكتبَ إليَّ لا تصلّ على الزُّجاج وإن حدّثتك نفسك أنّه ممَّا أنبتت الأرض ، ولكنّه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان)[4] ، ورواه عليّ بن عيسى في كشف الغمَّة نقلاً من كتاب الدَّلائل لعبد الله بن جعفر الحِمْيري في دلائل عليّ بن محمّد العسكري عليه السلام قال : (وكتبَ إليه محمَّد بن الحسن بن مصعب يسأله) ، وذكر مثله ، إلَّا أنَّه قال : (فإنَّه من الرمل والملح سبخ) .

ورواه الصَّدوق رحمه الله في العِلل عن أبيه عن محمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد عن السَّياري مثله ، وأغلب الأعلام عبّر عن الرّواية بالصّحيحة .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo