الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/03/04
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : أحكام المساجد
وهذه الحسنة ظاهرة جدّاً في إنكار ذلك ، إلّا أنّه من حيث الغصب ، ويظهر منها أنّ الزيادة لو كانت من الأراضي المباحة ، فلا إشكال حينئذٍ .
وأمَّا نقض المسجد لا للتوسعة ، بل لتغيير هيئته ، فيما إذا كان فيه مصلحة ، كما إذا كان ذلك موجباً لكثرة المتردّدين إلى المسجد ، ونحو ذلك ، فلا بأس .
ثمّ إنّه لا مدخليّة لرضا الواقف هنا ، لأنّه بوقفه خرج عنه ، وصار أمره إلى الله تعالى ، يتصرّف به ولي الله على ما يراه ، والله العالم .
الأمر الثاني : المعروف بين الأعلام جواز استعمال آلة المسجد في غيره من المساجد ، وقيّده جماعة من الأعلام منهم الشّهيد الثاني & باستغنائه عنها ، أو تعذّر استعمالها فيه لاستيلاء الخراب عليه ، أو كون الآخر أحوج إليها منه لكثرة المصلين ، ونحو ذلك .
ثمَّ قال الشّهيد الثاني & : وأَولى بالجواز صرف وقفه ، ونذره ، على غيره بالشروط ، وليس كذلك المشهد ، فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر ، ولا مسجد ، ولا صرف مال المسجد إليه مطلقاً ...[1] .
أقول : قد استُدل لجواز استعمال آلة المسجد في مسجد آخر ببعض الأدلّة :
منها : أنّ المسجد لله ، وكلّ ما كان لله فهو لوليِّه ، كما في كثير من الأخبار الواردة في باب الخمس .
وعليه ، فله التصرّف فيه حينئذٍ على حسب المصلحة ، كباقي ما كان له .
وفيه : أن المراد بالولي هو الإمام ’ ، ولا كلام في أن للإمام ’ بالتصرّف ، كيف شاء ، فإنّه ’ أعرف بتكليفه ، وإنّما الكلام في جواز التصرف في آلاتها لسائر الناس .
ومنها : أنّ المساجد جميعها لله فهي في الحقيقة كمسجد واحدٍ ، فلا بأس حينئذٍ باصلاح بعضها ببعض للمصلحة ، ونحوها .
وفيه : أنّ المساجد موقوفة على الجهة ، وهي الصّلاة فيها ، لا أنّها موضوعة لله تعالى ، كي يُقال : إنّ مالكها واحد .
ومنها : أنّ الغرضَ من المساجد ، وما يجعل فيها ، إقامةُ شعائر الدين ، وفعلُ العبادات فيها ، وهو لا يختلف فيه المساجد .
وفيه : أنّ الغرض وإن كان كذلك إلّا أنّه لا يقتضي جوازَ التصرفِ فيها كيفما كان ، بل الوقوف على حسب ما يُوقفها أهلها ، وقد وُقِفت لمسجدٍ معيّن .
والإنصاف : أنّ هناك تسالماً بين الأعلام على جواز استعمالها في مسجد آخر إذا استغنى ذلك المسجد عن تلك الآلة ، أو تعذّر وضعها فيه ، ولو لاستيلاء الخراب عليها .
وذلك لأنّ ترك التصرّف فيها تضييع لها ، بل بحكم إتلافها ، وهذا بخلاف صرفها إلى مسجد آخر ، فإنّه حفظ لوقفيتها على الجهة التي تعلّق بها غرض الواقف .
ومن هنا يتضح لك أن ما ذكره الشّهيد الثاني & من كون أحوجيّة المسجد الآخر مجوّزاً لجواز استعمالها فيه ، في غير محلّه ، لعدم استغناء المسجد المعيّن الموقوفة له ، والوقوف على حسب ما يُوقفها أهلها .
وأمّا ما ذكره من الفرق بين المشاهد والمساجد في الحكم المذكور فلا يخلو من وجه ، إذ ورد في عدّة أخبار أنّ ما يُوصى للكعبة الشريفة ، أو يُهدى لها ، أو يُنذر لها ، يصرف في مصالحها ، ومع الاستغناء عنه يُصرف في معونة الحجاج .
وقد حكم الأصحاب أنّ حكم المشاهد كذلك ، فمع الاستغناء عمّا يوقف ، ويُنذر ، ويُهدى لها يُصرف في معونة الزّوار .
ولكنّ الإنصاف : أنّ الصرف في معونة الزّوار ، مع استغناء المشاهد عنها ، وإن كان أولى ، إلّا أنّه لا يتعيّن ، كما مر تحقيقه في بعض المناسبات .
ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين كون الآلات من قبيل الأحجار والأخشاب والأبواب ، وغير ذلك ممّا هو من أجزاء المسجد ، وبين كونها من قبيل الفرش والسرج ، ونحوها ، بعد فرض كونها موقوفة لمسجدٍ خاص ، أو مشتراة من مال مخصوص بهذا المسجد .
بقي شيء في المقام ، وهو أنّ التصرّفات المزبورة هل هي مختصّة بالحاكم الشرعي ، ثمّ بعدول المؤمنين ، أو أنّها جائزة بعد حصول الشرائط لكلّ أحد .
والإنصاف : أنّها مختصة بالحاكم الشرعي ، ولكن مع عدم وجود الناظر الخاص ، وإلّا فلا بدّ من استئذانه ، والله العالم .
قوله : (ويستحبّ للنساء الاختلاف إليها ، كالرّجال ، وإن كان البيت أفضل ، وخصوصاً لذوات الهيئات)[2]
قد عرفت سابقاً أفضلية صلاة الفريضة في المسجد بالنسبة للرّجال ، وأمّا النساء فمقتضى إطلاق أغلب الأخبار ، أو عمومها الواردة في الحثّ على الصّلاة في المسجد هو شمولها للنساء ، وكذا إطلاق فتاوى بعض الأعلام ، وأيضاً قاعدة الاشتراك في الأحكام تقتضي ذلك .
لكن يظهر من كلام صاحب الجواهر & أنّ كلمة الأعلام متفقة على كون صلاتها في البيت أفضل ، قال : لكن لا نعرف خلافاً بينهم ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه ، في أفضلية صلاتها في المنزل من صلاتها فيها ، رعاية للستر المطلوب منهن ، وحذراً عن الافتتان بهنّ ، والفتنة بسببهنّ لو خرجن إليها مجتمعة مع الرجال ، وعن توصّلهن إلى كثير من القبائح التي هي مظنتها ، باعتبار نقص عقولهن ، وغلبة شهواتهن ... .
أقول : قد يظهر من عبارة المصنّف & في اللمعة عدم استحباب إتيانها المساجد أصلاً ، حيث قال فيها : والأفضل المسجد - ثم قال : - ومسجد المرأة بيتها ... ، فهي ظاهرة في كون المرأة عكس الرّجل ، فالبيت بالنسبة إليها كالمسجد مطلقاً ، والمسجد بالنسبة إليها بيت .
هذا ، وحكم العلّامة & في التذكرة بكراهة إتيانهنّ المساجد .
أقول : يدلّ على أفضليّة الصّلاة في بيتها من الصّلاة في المسجد بعض الأخبار :
منها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله ’ قال : صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار[3] .
ومنها : مرسلة الفقيه قال : وقال الصّادق ’ : خير مساجد نسائكم البيوت[4] ، ومرسلته الأخرى قال : ورُوي أنّ خير مساجد النساء البيوت[5] ، ولكنّهما ضعيفتان بالإرسال .
ومنها : رواية يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله ’ : خير مساجد نسائكم البيوت[6] ، ولكنّها ضعيفة بيونس بن ظبيان .
ومنها : مرسلة الحسن بن الفضل الطبرسي & في مكارم الأخلاق قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجمع خمساً وعشرين درجة[7] ، وهي ضعيفة بالإرسال .
والإنصاف : هو استحباب إتيانهن المساجد ، إلّا أنّ الأفضل الصّلاة في بيوتهن جمعاً بين الأخبار ، إذ لا يمكن رفع اليد عن أصل استحباب إتيانهنّ المساجد بمقتضى الإطلاقات ، أو العمومات .
نعم ، قد تكون هناك جهة ترجّح حضورهنّ المساجد ، كما لو كنّ يتعلمنّ أحكامهنّ في المساجد ، بحيث لا يتيسّر ذلك في البيوت ، أو يكون فيه عُسْر ، ونحو ذلك ، والله العالم .
قوله : (ويستحبّ الوقف عليها ، وروى ابن بابويه منعه)
قال المصنّف & في الذكرى : يستحبّ الوقف على المساجد ، بل هو من أعظم المثوبات ، لتوقّف بقاء عمارتها غالباً عليه التي هي من أعظم مراد الشارع ...[8] .
أقول : ذهب المشهور إلى جواز الوقف على المساجد ، وقد روى الشّيخ & في التهذيب ، والشّيح الصّدوق & في كتاب العِلل ، وكذا في كتاب من لا يحضره الفقيه عن أبي الصحارى عن أبي عبد الله ’ قال : قلتُ : رجل اشترى داراً ، فبقيت عَرْصةً ، فبناها بيت غلّة ، أيُوقفه على المسجد ؟ قال : إنّ المجوس أوقفوا على بيت النار[9] ، ولكنّها ضعيفة بجهالة أبي الصحارى ، وبعدم وثاقة جعفر بن علي ، وأبيه .
ثمّ إنّه ما المراد من هذه الرواية ؟ هل المراد منها الجواز ، باعتبار أنّ المجوس وقفوا على بيت النار ، فأنتم أَولى بذلك على مساجدكم ؟ أو أنّ المراد المنع ، بمعنى أنّ هذا من فِعْل المجوس ، فليس لكم الاقتداء بهم ، والمتابعة لهم ؟
هذا ، وقد ذكر صاحب الوسائل & : أنّ بعض نسخ العِلل تضمنت لا بعد قوله : أيُوقفه على المسجد قال : لا ، إنّ المجوس ... ، وبناءً على هذه النسخة تفيد الرّواية المنع من الوقف على المساجد .
وعلى هذا المعنى بنى الشّيخ الصّدوق & في كتاب الصّلاة من كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه قال : سُئِل الصّادق ’ عن الوقوف على المساجد ، فقال : لا يجوز ، فإنّ المجوس وقفوا على بيوت النار [10] .
ذهب أكثر العلماء إلى أنّ هذه الرّواية غير الرّواية السّابقة ، وإن كانت ضعيفة بالإرسال ، قال المصنّف & في الذكرى : وروى ابن بابويه أنّ الصّادق ’ سُئِل عن الوقف ، وأجاب بعض الأصحاب بأنّ الرّواية مرسلة ، وبإمكان حملها على ما هو محرّم فيها ، كالزخرفة والتصوير[11] .
هذا ، وذهب صاحب الحدائق & إلى أنّها ليست روايةً ثانيةً ، بل هي نفس الرواية الأُولى ، إلّا أنّ الشّيخ الصّدوق & نقلها بالمعنى ، ثمّ قال : وهذا أحد المفاسد في نقل الخبر بالمعنى[12] .
أقول : سواء كانت روايةً مستقلةً ، أم لا ، لا يهمّنا كثيراً ، بعد كونهما ضعيفتين.
ومن هنا كان الإنصاف : هو استحباب الوقف عليها لِما ذكره المصنّف & في الذكرى ، ويشمله أيضاً ما دلّ على استحباب الوقف ، والصدقة الجارية ، بشكل عام ، والله العالم.