< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/03/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام المساجد

قوله : (ولا يجوز اتخاذها في الأماكن المغصوبة، وفي الطريق)
المعروف بين الأعلام عدم جواز اتّخاذ المساجد في الطّريق، ولا في المواضع المغصوبة، إذ الأوّل ملك للمسلمين المستطرقين، والثاني ملك آحادهم .
نعم، لو رجعت الطريق إلى الإباحة، بأن بطل استطراق الناس أمكن حيازتها لها، وإحياؤها بجعلها مسجداً، وكذا لو كانت الطريق زائدةً على المقدار الشرعي أمكن أيضاً جعل الزائد لذلك، والله العالم .
قوله : (ولا الدفن فيها)
المعروف بين الأعلام عدم جواز الدّفن في المساجد، بل ظاهرهم التسالم عليه، بحيث لم يخالف فيه، منهم المصنف رح هنا، وف يالذكرى، وعلله المصنف رحمه الله فيها بأن فيها شغلاً للمسجد بما لم يوضع له .
وعلَّله بعضهم من جهة عدم انفكاك الميت بعد دفنه عن تنجيس القبر، مع عدم الفرق بين الظاهر والباطن، بالنسبة لحرمة التنجيس .
وفيه أوَّلاً : أنه يمكن وضعه على شيء يمنع عن تلويثه المسجد، بل يكفي الشك .
وثانياً : أنه لم يثبت أن المدار في الحرمة على التلويث، بل ظاهر الجميع المنع مطلقا .
وثالثاً : أنَّه لم يثبت حرمة تنجيس باطن المسجد، إذ العمدة في حرمة تنجيس المسجد هو الإجماع، وهو دليل لبّي يُقتصر فيه على القدر المتيقّن، وهو ظاهر المسجد .
وقال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (ودفن فاطمة عليها السلام في الرّوضة إن صح فهو من خصوصياتها بما تقدّم من نصّ النبي (صلى الله عليه وآله) وقد روى البنزنطي، قال : سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن قبر فاطمة عليها السَّلام، فقال : دفنت في بيتها، فلمَّا زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد)[1]، انتهى كلام المصنِّف رحمه الله في الذكرى، والرّواية صحيحة .
وقد علّل المنع في المحكي عن نهاية الأحكام بأنّ فيه تضييعاً على المصلّين، وفي المنتهى : (بأنّها جُعلت للعبادة )، ويظهر من هذه التعليلات أنّ المنع عندهم من المسلّمات .
والإنصاف : أنّ التسالم هو الدليل على المنع، وإلّا لأمكن المناقشة بأنّه إنّما تتمّ المنافاة والتضييق لو حرمت الصّلاة على القبر، أو عنده، بل وكان مع ذلك مزاحماً للمصلّين، وبأنّ دفن فاطمة عليها السلام لم يثبت كونه لخصوصيةٍ، والأصل الاشتراك .
وربما يظهر من سبر الأخبار المتفرّقة من دفن كثيرٍ من الأنبياء السّابقين في المساجد :
منها : رواية جابر بن يزيد الجُعفي عن أبي جعفر عليه السلام (قال : صلَّى في مسجد الخيف سبعمائة نبي، وإن ما بين الركن والمقام لمشحون من قبور الأنبياء، وإن آدم لفي حرم الله)[2]، ولكنّها ضعيفة بالمفضّل بن صالح الأسدي النحّاس، أبي جميلة .
ولكنّ الأقوى : المنع، لِمَا عرفت من التسالم .
ويؤيِّده : أنّ الدفن في المساجد يقتضي التعطيل عن الاستعداد للانتفاع بالمسجد لو فرض حدوث حاجة في تغييره مثلاً لحرمة النبش .
ويؤيِّده أيضاً : أنّ الدفن فيها فيه تنفير للمتردّدين إليها، وامتناع صلاتهم، أو كراهتها، التي هي نوع ضرر أيضاً في مثل الأماكن المتّخذة لمضاعفة ثوابِ العبادة .
وأمَّا دفن فاطمة عليها السّلام فلم يثبت أنّه في المسجد، بل ظاهر صحيح البنزنطي عدمه، كما عرفت .
ودفن الأنبياء ﭺ السّابقين لم يثبت تعبّدنا به في شرعنا، بل ولم يثبت كونه سابقاً على المسجديّة المعتبرة .
بقي شيء في المقام، وهو أنّه لوِ اشترط حين الوقف دفن نفسه، أو مَنْ ينتمي به في المسجد، لصحّ ذلك، إذ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها .
قوله : (ولا تمكين المشرك من دخولها)
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (لا يجوز لأحد من المشركين الدخول في المساجد على الإطلاق، ولا عِبرة بإذن المسلم، لأنّ المانع نجاسته للآية ؛ فإن قلت : لا تلويث هنا، قلت : معرض له غالباً، وجاز اختصاص هذا الغليظ بالكافر، وقول النبي : من دخل المسجد فهو آمن[3] بالآية، وكذا ربط تمامه في المسجد إن صحّ) .
أشار بقوله : (وقول النبي (صلى الله عليه وآله) ... ) إلى الرّواية المرويّة بطرق العامّة، وليست مرويةً من طرقنا .
وعلى كلِّ حال، فهي ضعيفة جدّاً .
وفي الجعفريات بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لتمنعن من مساجدكم يهودكم، ونصاراكم، وصبيانكم، أو ليمسخنّكم الله قردةً، أو خنازير ركعاً، أو سجداً)[4].
وقد عرفت أنّ كاب الجعفريات المعروف بالأشعثيات ضعيف بجهالة موسى بن إسماعيل، وكذا والده إسماعيل .
ورواه السّيد الراوندي في نوادره، وفيه (ليمنعن أحدكم مساجدكم)[5]، وهذا أيضاً ضعيف بالإرسال، ورواه في دعائم الإسلام عن عليّ عليه السلام (أنّه قال : ليمنعنّ مساجدكم ... )[6]، وهي ضعيفة بالإرسال أيضاً .
أقول : إنّ المعروف بين الأعلام وإن كان هو المنع من دخول النصارى واليهود، ومطلق الكافر من دخول المساجد، إلّا أنّه لا دليل عليه، إلّا الآية الشريفة (إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ... ) .
ويسري الحكم إلى سائر المساجد، بدعوى : عدم القول بالفصل .
وفيه : أنّ الحكم وإن كان ثابتاً للمسجد الحرام إلّا أنّ عدم القول بالفصل في غير محلّه، لاحتمال الخصوصيّة لمسجد الحرام، أو يمتاز عن غيره من المساجد بكثير من الأحكام .
وأمَّا القول : بأنّ علة عدم دخولهم المسجد الحرام هي النجاسة لقوله تعالى : (إنّما المشركون نجس ) حيث فرّع النهي عن دخولهم المسجد على نجاستهم، وإذا كانت العلة هي النجاسة فيطّرد الحكم حينئذٍ إلى جميع المساجد .
ففيه : أنّه لم يظهر أنّ العلّة منحصرة بالنجاسة، ولعلّها مركبة من عدم أمور، لعدم إحاطتنا بالملاكات .
ومن هنا، جاز دخول المستحاضة المساجد، وكذا يجوز إدخال قارورة فيها عين النجاسة إلى المسجد إذا حصل الأمن من تلويثها المسجد .
والإنصاف : أنّه لا دليل على منعهم من دخول المساجد إلّا إذا لزم الهتك والتوهين .
مضافاً لما عرفت في مبحث الطهارة من أنّ الأقوى طهارة الكتابي، والله العالم .
بقي في المقام أمران لم يتعرض لهما المصنّف رحمه الله، وهما من الأهمية بمكان :
الأوَّل : هل يجوز نقض المسجد، أي هدمه للتوسعة إذا كان بحاجة إليها ؟ وهل يجوز هدمه لتغيير هيئته بدون توسعةٍ إذا كان فيه مصلحة، كما لو كان تغيير هيئته يوجب كثرة المتردّدين إليه ؟
أقول : اعلم أنّه لا إشكال في جواز نقضه إذا أشرف على الانهدام، بل قد يجب إذا خيف من انهدامه على أحد من المتردّدين، وتستحبّ إعادته للعموم .
وأمّا النقض للتوسعة مع الحاجة إليها، فيجوز أيضاً، لأنّه إحسان محض (وما على المحسنين من سبيل ) .
وقدِ استُدلّ لجواز التوسعة أيضاً بحسنة عبد الله بن سنان المتقدّمة الواردة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتوسعته مرتين[7].
ولكنّ قال المصنّف رحمه الله في الذكرى : (ولو أُريد توسعة المسجد ففي جواز النقض وجهان، من عموم المنع، ومن أنَّ فيه إحداث مسجد، ولاستقرار قول الصحابة على توسعة مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد إنكارهم، ولم يبلغنا إنكار علي عليه السلام ذلك، وقد أوسع السّلف المسجد الحرام، ولم يبلغنا إنكار علماء ذلك العصر، نعم الأقرب أن لا تنقض إلّا بعد الظنّ الغالب بوجود العمارة، ولو أخّر النقض إلى إتمامها كان أولى، إلّا مع الاحتياج إلى الآلات ... ) .
أقول : لا دليل على عدم النقض إلّا بعد الظنّ الغالب بوجود العمارة، بل يجوز مطلقاً .
وأمَّا قوله رحمه الله : بأنَّ عليّاً عليه السلام لم ينكِر توسعة مسجد الرّسول (صلى الله عليه وآله) .
ففيه : أنّه ثبت إنكار أمير المؤمنين عليه السلام ذلك إلّا أنّ إنكاره راجع إلى غصب البيوت التي أدخلت في المسجد، ففي حسنة سليم بن قيس الهلالي (قال : خطبُ أمير المؤمنين عليه السلام، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ صلّى على النبي (صلى الله عليه وآله) - إلى أن قال : - قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، متعمّدين الخلافة، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها إلى ما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتفرّق عني جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي الذي عرفوا فضلي، وفرض إمامتي من كتاب الله عزوجل، وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام، فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام، ورددت صاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما كان، وأمضيت قطائع قطعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأقوام لم تمضَ لهم، ولم تنفذ، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد - إلى أن قال : - ورددت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ما كان عليه - إلى أن قال : - إذ اً لتفرقوا عني، والله لقد أمرت النّاس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعةً، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الإسلام ! غُيِّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصّلاة في شهر رمضان تطوعاً، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ... )[8].


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب18 من أبواب المزار وما يناسبه ح3 .
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب50 من أبواب أحكام المساجد ح2 .
[3] الكامل لابن الأثير :ج2 / ص66، في فتح مكة .
[4] مستدرك الوسائل، المحدث النوري، باب18 من أبواب المساجد ح1 .
[5] المستدرك باب18 من أبواب المساجد ح1 .
[6] المستدرك باب18 من أبواب المساجد ح1 .
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب9 من أبواب أحكام المسجد ح1 .
[8] روضة الكافي : ص58، ح28 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo