< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/03/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام المساجد

قوله : (وتملكها وإن زالت آثارها)
لا يجوز تملّكها وإن زالت آثار المسجديّة بالكليّة، لأنّ العرصة لا تخرج عن الوقف، وما كانت عليه من المسجديّة بزوال العِمارة، وخراب البناء، بل أحكام المسجدية ثابتة لها، وإن كانت كذلك بلا إشكال .
وبعبارة أخرى : لا تزول المسجديّة بزوال الآثار، لأنّ قِوام المسجديّة في الحقيقة إنّما هو بأرض المسجد، لا بالآثار، وأيضاً لا يجوز فِعْل ما ينافي مسجديّته، فإنّ هذا أيضاً كزوال الآثار .

قوله : (وجعلها في طريق، أو ملك)
المعروف بين الأعلام أنّه يحرم أن يُؤخذ منها في الطريق، والأملاك، فضلاً عن أن تُؤخذ جميعها، بمعنى جعل بعضها طريقاً، أو ملكاً، بحيث تنمحي عنه آثار المسجديّة .
ونسبه الشّهيد الثاني رحمه الله في الروض إلى الأصحاب، وفي الجواهر : (بل هو كأنّه من القطعيات إن لم يكن من الضروريات، إذ هو تخريب لها، وتبديل لوضعها، ومنافٍ لمقتضى تأبيدها للعبادة المخصوصة ... ) .
قال الله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ...) .
وعليه، فيجب إعادتها إلى ما كنت عليه، بل لا يختص الوجوب بالمغيِّر، بل يعمّه، وغيره، كما شرح به في المدارك .
نعم، لا يبعد وجوب المؤونة لو احتيج إليها من المغيِّر، فيجبر عليها، وتُؤخذ من ماله قهراً، كغيره من مؤن ردّ المغصوب، لأنّه حسب الفرض غاصب .
وقدِ اتّضح لك مما ذكرنا أنّه لا يجوز بيع عرصة المسجد على حال من الأحوال، لظهور الأدلّة من الكتاب والسنة، والسيرة، في أنّ المسجديّة من الأمور الأبديّة التي لا يجوز تغييرها إلى غيرها، أو نقلها بأحد النواقل بحال من الأحوال .
نعم، غير المسجد من الأوقاف العامّة يمكن دعوى جواز تغيير هيئاتها إذا قضت به المصلحة، بل يجوز بيعها في بعض الأحوال، هذا كلّه إذا جعل المسجد أو بعضه طريقا أو ملكاً، بحيث تنمحي صورة المسجدية .
وأمّا جعلها طريقاً مع بقاء المسجديّة فقد تقدم حكمه في المكروهات ـ أو مستحبات الترك .
قوله : (وكذا البِيَع والكنائس)
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (ويحرم أيضاً اتّخاذها - أي : البيع والكنائس - في ملك، أو طريق، لِمَا فيه من تغيير الوقف المأمور بإقراره ... ).
أقول : لا إشكال في ذلك، فإنّ اتّخاذها في ملك، أو طريق، منافٍ لاحترام ما في أيديهم حال الذمّة، وإقرارهم عليها، على حسب ما يقتضيه عقد الذمّة .
وكونها خارجة عن ملكهم بوقفهم إياها لا يقتضي جواز لك، فإنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها .
وتوهّم بطلان وقف الكنائس والبيع .
مدفوع : بظهور النصوص في صحّة وقفها إذا صدرت من أهلها .
وقد عرفت أنّه لا يشترط قصد القربة في صحة الوقف، بل لو قلنا به فهو غير منافٍ لذلك، لتأتّيه من اليهود والنصارى، الذين هم أهلها .
قوله : (وتبنى مساجد لو اندرس أهلها، أو كانوا أهل حرب)
قد عرفت أنّ أهلها إن كانوا أهل ذمّة ولم يندرسوا، فلا يجوز التعرض لها، لأنّ ذلك منافٍ ما في أيديهم حال الذمّة، وإقرارهم عليها، فإنّ إطلاق ما دلّ على احترام ما في أيديهم حال الذمّة، شامل لأوقافهم التي منها البِيَع والكنائس، ولا دليل على تقييده بأموالهم وأنفسهم، ونحوهما .
ولا ينافي ذلك جواز صلاتنا معهم فيها للنصوص، أو لاشتراكنا معهم في الحقّ بمجرد وقفها معبّداً قهراً عليهم .
وأمَّا إن كانت البيع والكنائس في أرض الحرب، أو في بلاد الإسلام واندرس أهلها جاز استعمالها في المساجد خاصّة، كما ذهب إليه المشهور لرواية العيص (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عنِ البيعِ والكنائس، هل يصلحُ نقضها لبناء المساجد، فقال : نعم)[1]، ولكنّها ضعيفة، لأنّ محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني رحمه الله هو البندقي المجهول الحال، وليس هو ابن بزيع الثقة .
نعم، هناك رواية أخرى صحيحة للعيص بن القاسم (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن البِيَع والكنائس يصلّي فيها، قال : نعم، وسألتُه هل يصلح بعضها مسجداً، فقال : نعم )[2]، بناءً على أنّ المراد المسجد المعهود، لا ما يسجد عليه .
وقد يستدلّ أيضاً بأنّ جعلها مسجداً هو إحسان محض، وحفظ لوقفيّتها على الجهة التي تعلّق بها غرض الواقف، وهي كونها موقوفة للعبادة .
ثمّ إنّ ظاهر النصّ وفتاوى بعض الأعلام جواز نقضها لبناء المساجد مطلقاً، أي : وإن لم يحتج إلّا النقض .
ولكنّ المعروف بينهم أنّ النقض منحصر بما لا بدّ منه في إرادة تغييرها مسجداً كالمحراب، ونحوه، لا أنّ المراد نقضها مطلقاً، بحيث تستعمل آلاتها في مساجد أخر، وذلك لانصراف النصّ إلى ما قلناه، إذ هي - بعدما عرفت من صحّة الوقف - محترمة على حسب الجهة الموضوعة عليها، أي العبادة، فيشملها ما دلّ على حرمة التخريب .
ومن هنا تعرف أنّ المراد من عبارة المصنّف رحمه الله وغيره من الأعلام، من أنّها تُبنى مساجد، أي تجعل نفسها مساجداً بدون تغيير في هيكليّتها، إلّا ما لا بدّ منه كالمحراب، ونحوه .
وقد ظهر ممّا تقدّم أنّه لا يجوز استعمالها، ولا استعمال شيء من آلاتها في غير المساجد، ولا في مسجد آخر، مع احتياجها إليه، كما هو الشأن في أحكام سائر المساجد، وغيرها من الأوقاف العامة .
وممّا ينبغي أن يُعلم أنّه بعد اتّخاذها مسجداً للمسلمين يجري عليها أحكام المساجد من وجوب النجاسة عن كلّ موضع علم بنجاسته مع الإمكان، وحرمة لبث الجنب والحائض، وغير ذلك من أحكام المساجد .
ثمّ إنّ المراد باندراسهم هلاكهم، بحيث لم يبقَ منهم أحد في بلاد الإسلام، أو انقطاع ذمّتهم من بلاده، فلا يكفي في إباحة تغييرنا لها هلاكهم في بلاد خاصة من بلاد المسلمين .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo