< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/02/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام المساجد
نعم، الإشكال من جهة الدَّلالة، إذ لم يثبت أنّ المراد بالصّلاة في الآية مواضعها التي هي المساجد، قال المحقّق الهمداني ¬ في مصباح الفقيه : ©فعمدة ما يصحّ الاستناد إليه لإثبات كراهته - فيما عدى المسجدين - هي الشّهرة، من باب المسامحة على إشكال ... ® .
أقول : لا يخفى أنّ الشّهرة الفتوائيّة ليست بحجّة حتّى يصلح الاستناد إليها .
والإنصاف : هو عدم الكراهة، إلّا في المسجدين، وذلك لصحيحة زرارة ©قال : قلتُ لأبي جعفر ’ : ما تقول في النوم في المساجد ؟ فقال : لا بأس به، إلَّا في المسجدين، مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) والمسجد الحرام، قال : وكان يأخذ بيدي في بعض الليل فيتنحّى ناحيةً، ثمّ يجلسُ فيتحدّث في المسجد الحرام، فربّما نامَ هو، ونمتُ، فقلت له : في ذلك، فقال : إنّما يُكره أن ينام في المسجد الحرام الذي كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأمّا النوم في هذا الموضع فليس به بأس®[1]، وهي واضحة في عدم الكراهة في غير المسجدين، والكراهة فيهما .
نعم، يظهر من الذَّيل عدم تأكّد الكراهة في الزيادة المستحدثة .
هذا، ويظهر من بعض الرّوايات أنّ كراهته في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) أشدّ، كما في رواية علي بن جعفر عن أخيه ’ ©قال : سألته عن النوم في المسجد الحرام، قال : لا بأس، وسألتُه عن النوم في مسجد الرَّسول، قال : لا يصلح®[2]، ولكنّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن، فإنّه مهمل .
ثمّ مع قطع النظر عن ضعف السّند فإنّ مقتضى الجمع بينها وبين صحيحة زرارة المتقدّمة التي أثبت كراهة النوم في مسجد الحرام : هو حمل نفي البأس في رواية عليّ بن جعفر ¬ على خفّة الكراهة .
وممَّا يشهد لكون الكراهة في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) أشدّ، رواية محمّد بن حمران عن أبي عبد الله ’ - في حديثٍ - ©قال : وروى أصحابنا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : لا ينام في مسجدي أحد ... ®[3]، وهي ضعيفة أيضاً بجهالة محمّد بن حمران .
ويظهر من هذه الرّواية حرمة النوم في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، ولكن مع غضّ النّظر عن ضعفها سنداً، فإن هناك تسالماً بين الأعلام على عدم الحرمة ؛ مضافاً إلى الأخبار الدّالة على الجواز .
هذا، وقد يُستفاد من بعض الأخبار عدم الكراهة في المسجدين في مثل نوم المساكين، ونحوهم، ممَّن لا مأوى لهم :
منها : صحيحة معاوية بن وهب ©قال : سألتُ أبا عبد الله ’ عن النوم في المسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)، قال : نعم، فأين ينام الناس ؟! ®[4].
ومنها : رواية أبي البُختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه ’ ©أنّ المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ... ®[5]، ولكنّها ضعيفة بأبي البختري .
ومنها : رواية إسماعيل بن عبد الخالق ©قال : سألتُ أبا عبد الله ’ عن النوم في المسجد الحرام، فقال : هل للنّاس بُدّ أن يناموا في المسجد الحرام ؟! لا بأس به، قلتُ : الريح تخرج من الإنسان ! قال : لا بأس®[6]، وهي ضعيفة أيضاً بعدم وثاقة محمّد بن خالد الطيالسي .
ومن هذه الرّوايات يتضح لك استثناء المصنّف ¬ هنا، وفي الذكرى، النوم لضرورة من الكراهة، والله العالم .
قوله : (وترك رطانة الأعاجم)
هذا ما ذكره المصنّف ¬ في الذكرى، حيث قال فيها : ©وترك التكلّم بالعجمية، لرواية السّكوني عن الصّادق ’ بإسناده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه نهى عن رطانة الأعاجم في المساجد® .
وأغلب الأعلام ذكروا أنّه يُكره رطانة الأعاجم، واستدلّوا بروايتين :
الأُولى : معتبرة السّكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه ’ ©قال : نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن رطانة الأعاجم في المساجد®[7].
والثانية : رواية مسمع أبي سيّار عن أبي عبد الله ’، وهي مثلها[8]، ولكنّها ضعيفة بسهل بن زياد، وبمحمّد بن الحسن بن شمون، وبعبد الله بن عبد الرحمان الأصمّ المسمعي .
قال في القاموس : ©الرطانة - ويكسر - : الكلام بالأعجمية، ورطن له، وراطنه : كلَّمه بها، وتراطنوا تكلّموا بها® .
قوله : (وعمل الصنائع)
قال المصنِّف ¬ في الذكرى : ©وترك عمل الصنائع مطلقاً، قاله الأصحاب، وعليه نبَّه حديث بري النبل : إنّما بُني لغير ذلك، وقول النبي (صلى الله عليه وآله) : إنّما نصبتْ المساجد للقرآن ... ® .
أقول : لم أعثر على روايةٍ بخصوص استحباب ترك عمل الصنايع، أو كراهة ذلك .
ومن هنا نسبه المصنّف في الذكرى إلى الأصحاب .
نعم، قد يُشير إليه ما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما • ©قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن سلِّ السَّيف في المسجد، وعن بري النبل في المسجد، قال : إنّما بُني لغير ذلك®[9]، حيث يُستفاد من هذا التعليل، ومن قوله (صلى الله عليه وآله) في صحيحة جعفر بن إبراهيم المتقدّمة ©إنّما نصبت المساجد للقرآن®[10] : هو كراهة عمل جميع الصّناعات .
قوله : (وترك أحاديث الدنيا)
قدِ استُدلّ لذلك بما رواه ورَّام بن أبي فارس في كتابه ©قال : قال ’ : يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد، فيقعدون حلقاً، ذكرهم الدنيا، وحبّ الدنيا، لا تجالسوهم، فليس لله فيهم حاجة ®[11]، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .
قوله : (ورمي الحصى خذفاً)
كما ذكره جماعة من الأعلام منهم المصنّف ¬ في الذكرى، وعن جماعة أخرى : أنّ الرمي مكروه، لا أنّ تركه مستحب .
وقد استدلّ للكراهة بمعتبرة السكوني عن جعفر عن آبائه ’ ©أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بصر رجلا يخذف بحصاه في المسجد، فقال : ما زالت تلعن حتى وقعت، ثمّ قال : الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط، ثمّ تلا ’ : وتأتون في ناديكم المنكر، قال : هو الخذف®[12].
وقد يستدلّ أيضاً بمعتبرة زياد بن المنذر عن أبي جعفر ’ - في حديث الخذف بالحصى - ©ومضغ الكِندَر في المجالس، وعلى ظهر الطّريق، من عمل قوم لوط®[13]، والاستدلال هنا بالإطلاق، إذ لم يذكر خصوص المسجد .
ثم إنّ الرواية معتبرة، لأنّ مالك بن عطية المذكور في السّند هو الأحمسي البجلي الثقة .
نعم، هي بطريق الصّدوق ¬ ضعيفة لوجود محمّد بن سنان في الطريق .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب18 من أبواب أحكام المساجد ح2 .
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب18 من أبواب أحكام المساجد ح6 .
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب18 من أبواب أحكام المساجد ح3 .
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب18 من أبواب أحكام المساجد ح1 .
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب18 من أبواب أحكام المساجد ح5 .
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب18 من أبواب أحكام المساجد ح4 .
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب16 من أبواب أحكام المساجد ح2 .
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب16 من أبواب أحكام المساجد ح1 .
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب17 من أبواب أحكام المساجد ح1 .
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب14 من أبواب أحكام المساجد ح1 .
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب14 من أبواب أحكام المساجد ح4 .
[12] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب36 من أبواب أحكام المساجد ح1 .
[13] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب36 من أبواب أحكام المساجد ح2 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo