الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/02/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : أحكام المساجد
فمِن قوله عليه السلام: (قولوا له ... ) يدلّ على أنّ المراد هو النِّشْدَة ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال ، كما أنه يدل على خصوص الأوَّل ، أي الإنشاد ، حديث المناهي (قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يُنشد الشّعر ، أو تُنشد الضَّالة في المسجد)[1] ، فإنّ (تنشد) ظاهر في الإنشاد الذي هو بمعنى التعريف ، لا النّشدان الذي هو بمعنى طلبها .
ولكنّ حديث المناهي ضعيف جدّاً بجهالة الحسين بن زيد ، وشعيب بن واقد ، كما أنّ إسناد الصّدوق رحمه الله إلى شُعيب فيه حمزة بن محمّد العلوي ، وهو مهمل ، وعبد العزيز بن محمد عيسى الأبهري ، وهو مجهول .
والخلاصة إلى هنا : أنّه لم يثبت كراهة الإنشاد ، ولا النِّشْدَة .
وذكر بعضهم دليلاً لعدم كراهة الإنشاد ، وهو أنّ الإنشاد من أعظم العبادات ، والأَولى به الجامع ، وأعظمها المساجد .
وفيه : أنّ المساجد ليست لمطلق ما يحصل به الثواب ، وإلّا فكثير من الأمور المكروه فعلها في المساجد ، حتّى البيع والشراء ، إذا كانا لتحصيل المؤنة الواجبة ، أو المندوبة ، قد تقترن بما يقتضي استحبابها .
أقول : وممّا يُؤكِّد عدم الكراهة صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلامالمرويّة في كتابه ، كما في الوسائل (قال : سألتُه عن الصّلاة ، أيصلح أن تُنشَد في المسجد ؟ قال : لا بأس)[2] .
قوله : (وترك إخراج الحصى منها ، فيعاد إليها ، أو إلى غيرها ، وقيل : يحرم إخراجه)[3]
هناك تسالم بين الأعلام على كراهة إقامة الحدود في المساجد ، وعن الشّيخ رحمه الله في الخلاف في باب القضاء (دعوى الإجماع عليها منا ، ومن جميع الفقهاء ، إلَّا أبا حنيفة ... ) .
ويؤيِّده : مرسلة عليّ بن أسباط ، ومرسلة الفقيه المتقدِّمتان[4] .
ويؤيِّده أيضاً مخافة خروج الحدث والخبث ، ونحوهما في المسجد ، فلا إشكال حينئذٍ في الكراهة .
نعم ، لا يحرم ذلك للأصل ، إلّا إذا استلزم الحدّ تلويث المسجد بالنجاسة ، كما في القتل والقطع ، ونحوهما ؛ وأمَّا مع عدم التلوث فلا يحرم للأصل .
وقدِ استدلّ المصنف رحمه الله في الذكرى على عدم الحرمة مع عدم التلوث (بذكر الأصحاب جواز القصاص في المساجد للمصلحة ، مع فرش ما يمنع من التلويث ... )[5] ، ولا بأس به ، والله العالم .
قوله : (وإقامة الحدود)
قال العلَّامة المجلسيّ رحمه الله في البحار : (والمشهور بين الأصحاب ٪ كراهة رفع الصوت في المسجد مطلقاً ، وإن كان في القرآن ، للأخبار المطلقة ، واستثنى في هذا الخبر ذكر الله تعالى ، وكذا فَعَله ابن الجنيد رحمه الله ؛ ولعلَّه المراد في سائر الأخبار ، لحُسْن رفع الصّوت بالأذان والتكبير ، والخطب والمواعظ فيها ، وإن كان الأحوط عدم رفع الصوت في ما لم يتوقف الانتفاع به عليه ، ومعه يقتصر على ما تتأدّى به الضّرورة ... )[6] .
قدِ استُدلّ للكراهة بعدّة رواياتٍ :
منها : مرسلة عليّ بن أسباط ، ومرسلة الفقيه المتقدّمتان[7] ، وهما ضعيفتان بالإرسال .
ومنها : وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر ¢ كما في المجالس والأخبار ، وقد تقدّمت[8] ، وعرفت أنّها ضعيفة .
ومنها : المضمر المرفوع في عِلل الشّرائع (قال : رَفْع الصّوت في المساجد يُكره)[9] ، وهو ضعيف بالرفع والإضمار .
والخلاصة : أنّ المستند ضعيف .
قوله : (ورفع الصوت)
ذهب جماعة كثيرة من الأعلام إلى حرمة إخراج الحصى من المساجد ، وإن فعل أعادها إليها ، منهم المحقّق رحمه الله في النافع ، والعلّامة رحمه الله في الإرشاد ، والمصنّف رحمه الله في اللمعة والنفليّة ، والشهيد الثاني رحمه الله في حاشية الإرشاد ، وكذا غيرهم .
وعن جماعة أخرى القول بالكراهة ، منهم المصنِّف رحمه الله هنا وفي الذكرى ، وفي البيان ، والمحقّق رحمه الله في المعتبر ، والعلّامة رحمه الله في جملة من كتبه ، وغيرهم أيضاً .
أمَّا مَنْ ذهب إلى الحرمة فقدِ استدل له بعدَّة أخبار :
منها : رواية وهب بن هب عن جعفر عن أبيه (قال : إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فَلْيردّها مكانها ، أو في مسجد آخر ، فإنّها تسبح)[10] .
وجه الاستدلال : هو أنّه لو لم يحرم الإخراج لم يجب الردّ ، كما هو مقتضى الأمر به .
وفيه أوَّلاً : أنّها ضعيفة بوهب بن وهب .
وثانياً : باشتمالها على التعليل بالتسبيح ، المناسب لكراهة الإخراج ، المقتضي عدم تسبيحها مطلقاً ، أو في المكان الشريف .
وفيه : إشارة إلى قوله تعالى : ﴿ وإنْ من شيء إلا يسبح بحمده ﴾[11] ، وكأنّ المراد بهذا الكلام التنبيه على أنّكم لا تقولوا : إنّها جماد لا يضّر إخراجها ، بل هي من المسبّحين الذّاكرين لله - عزّوجل - .
وأيضاً قوله عليه السلام (إذا أخرج) فيه إيماء إلى جواز الإخراج ، وإن كان مرجوحاً ، كما أنّ الأمر بالردّ إلى مسجدٍ آخر فيه إيماء إلى عدم دخول الحصى الممزجة في الوقف ، وإلّا لوجب الردّ إلى نفس المسجد الذي أخرج منه الحصى .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا ينبغي لأحدٍ أن يأخذ من تربة حول الكعبة ، وإن أخذ من ذلك شيئاً ردّه)[12] ، والمراد بـ (تربة حول الكعبة) بحسب الظاهر ما حولها من أرض المسجد .
وفيه : أنّ كلمة (لا ينبغي) ظاهرة في الكراهة .
وعليه ، فلا يصلح الأمر بالردّ لصرف كلمة (لا ينبغي) عن ظهورها في الكراهة .
ومنها : صحيحة معاوية بن عمار (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: إنّي أخذتُ سكّاً من سكّ المقام ، وتراباً من تراب البيت ، وسبع حصات ، فقال : بئس ما صنعت ، أمّا التراب والحصى فردَّه )[13] ، والرّواية صحيحة بطريق الصّدوق رحمه الله ، وإن كانت ضعيفة بطريق الكليني بسهل بن زياد ، والمفضّل بن صلاح .
ولكن الذي يَرِد على الصحيحة هو التفصيل بين السكّ الذي هو المسمار ، وبين تراب البيت والحصات ، فلعلّ منشأه خصوصيّة البين ، وإلّا فالسكّ أَوْلى بالردّ لو كان الملحوظ فيما أمر بردّه جهة المسجديّة .
ثمّ لو سلّم ظهورها في الحرمة إلّا أنّها تحمل على الكراهة جمعاً بينها وبين صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة .
ومنها : معتبرة زيد الشحّام (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: أخرج من المسجد حصاة ، قال : فردَّها ، أو اطّرحها في مسجد)[14] ، وهي معتبر بطريق الكليني رحمه الله ، وضعيف بطريق الصّدوق رحمه الله ، لأنّ في طريقه إلى زيد الشحّام المفضّل بن صالح .