< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكانُ المصلِّي

 

ومنها : موثّقة عمّار السَّاباطي عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - (قال : لا يصلّي الرّجل وفي قبلته نار ، أو حديد قلت : ألَه أن يصلّي وبين يديه مجمرة شبه[1] ؟ قال : نعم ، فإنْ كانَ فيها نار فلا يصلّي حتّى ينحِّيها عن قِبلته ، وعن الرّجل يصلّي وبين يديه قِنديل ، معلّق فيه نار ، إلّا أنّه بحياله ؟ قال : إذا ارتفع كان أشرّ ، لا يصلي بحياله)[2] .

وحُكي عن أبي الصّلاح القول بالحرمة ، أخذاً بظاهر النهي في الروايتَيْن .

وفيه : أمّا الصحيحة فهي ظاهرة في الكراهة ، فإنَّ (لا يصلح) - كما عرفت في أكثر من مناسبةٍ - ظاهر في الكراهة .

وأمّا الموثّقة : فإنّها وإن كانت ظاهرة في الحرمة إلّا أنها محمولة على الكراهة ، لعدَّة قرائن ، منها عطف الحديد على النّار ، مع أنّه لم يفتِ أحد بحرمته ، كما تقدَّم .

ومنها : قوله في ذَيْلها : (إذا ارتفع كان أشرّ) فإنّه ظاهر في الشدّة والضعف اللذين هما من أوصاف الكراهة .

ومنها : الشّهرة العظيمة على الكراهة .

ومنها : مرفوعة عَمْرِو بن إبراهيم الهمداني عن الصّادق عليه السلام (قال : لا بأس أن يصلّي الرّجل والنّار والسّراج والصّورة بين يديه ، إنّ الذي يصلّي له أقرب إليه من الذي بين يديه)[3] ، ولكنّها ضعيفة بالرفع ، وبجهالة ثلاثة من الرّواة ، وهم الحسين بن عَمْرٍو ، وأبوه ، وعمرُو بن إبراهيم الهمداني .

ومنها : التوقيع المروي عن كتاب إكمال الدين عن أبي الحسين محمّد جعفر الأسدي ، فيما ورد عليه من محمّد بن عثمان العَمْري عن صاحب الزمان عليه السلام في جواب مسائله : (وأمَّا ما سألت عنه من أمر المصلّي والنّار والصّورة والسّراج بين يديه ، وأنّ النّاس قدِ اختلفوا في ذلك قبلك ، فإنّه جائز لِمَن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران )[4] .

ورواه الطبرسي & في الاحتجاج عن أبي الحسين محمّد بن جعفر ، زاد : ولا يجوز ذلك لِمَنْ كان من أولادِ عبدةِ الأوثانِ والنيرانِ[5] .

وهو وإن كان ضعيفاً في الاحتجاج بالإرسال ، إلّا أنّ السّند معتبر في إكمال الدين ، لأنّ الشّيخ الصّدوق & رواه عن أربعة من مشايخه ، محمّد بن أحمد السّناني ، وعلي بن أحمد بن محمّد الدقّاق ، والحسين بن إبراهيم المؤدّب ، وعليّ بن عبد الله الورّاق عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي ، ومشايخ الصّدوق & الأربعة وإن لم يرد فهيم توثيق بالخصوص ولكنّ الشّيخ الصّدوق & ترحّم عليهم كثيراً ، مع كون بعضهم كثير الرّواية ، وهذا وإن لم يوجب التوثيق لكنّ ضمّ بعضهم إلى البعض الآخر يوجب الاطمئنان بصِدق حكايتهم للحديث .

ثمّ إنّ هذه القرائن التي أوجبت الحمل على الكراهة وإن كان بعضها ضعيفاً إلّا أنّ المجموع يُورِث الاطمئنان ، والله العالم .

المراد ببيوت النيران : ما أعدت لإضرام النار فيها عادة ، كالفرن ، والمطابخ ، ونحوها ، والمشهور بين الأصحاب كراهة الصّلاة فيه ، بل في الذّكرى ، وجامع المقاصد : نسبته إلى الأصحاب ، بل عن الغُنية : (الإجماع عليه) ، وفي المدارك : (وإنّما كُرِهت الّصلاة في هذه الأماكن لأنّ في الصّلاة فيها تشبيهاً بعبادتها ، كذا ذكره العلامة في جملةٍ من كتبه ، وهو ضعيف جدّاً ، والأصحّ اختصاص الكراهة بمواضع عبادة النيران ، لأنّها ليستْ موضعَ رحمةٍ ، فلا تصلح لعبادة الله تعالى)[6] .

أقول : ليست الأحكام الشرعية مبنيةً على المناسباتِ الاعتبارية .

وعليه ، فما حكاه صاحب المدارك & عن العلّامة & في غير محلّه ، كما أنّ ما اختاره هو في غير محلّه أيضاً ، لأنّه مبني على وجهٍ اعتباريٍّ لا يصلح مدركاً للحكم الشّرعي .

وأمّا الشّهرة الفتوائيّة ، والإجماع المنقول بخبر الواحد : فهما غير حجّة أيضاً ، إلّا على القول بشمول التسامح في أدلةّ السنن والمكروهات لمثل ذلك .

وفيه : ما عرفت .

قال ابن إدريس & في السّرائر : (تُكره الصّلاة في وادي الشَّقِرة - بفتح الشين ، وكسر القاف - : واحد الشَّقر ، موضع بعينه مخصوص ، سواء كان فيه شقائق النعمان ، أم لم يكن ، وليس كلّ وادٍ يكون فيه شقائق النعمان تُكره فيه الصّلاة ، بل في الموضع المخصوص فحسب ، وهو بطريق مكة ، لأنّ أصحابنا قالوا : تُكره الصّلاة في طريق مكّة بأربعةِ مواضع ، من جملتها وادي الشقرة)[7] .

وقال العلَّامة & في المنتهى : (الشَّقِرة - بفتح الشين وكسر القاف - : واحد الشَّقر ، وهو شقائق النعمان ، وكلّ موضع فيه ذلك تُكره الصّلاة ، وقيل : وادي الشَّقِرة موضع مخصوص بطريق مكّة ، ذكره ابن إدريس ، والأقرب الأوّل ، لِمَا فيه من اشتغال القلب بالنظر إليه ، وقيل : هذه مواضع خَسْف ، فتُكره الصّلاة فيها لذلك)[8] .

ثمّ إنّه قدِ استُدل للقول بالكراهة بعدّة روايات :

منها : مرسلة الفقيه (قال : ورُوي أنّه لا يصلّي في البيداء ، ولا ذات الصّلاصل ، ولا وادي الشّقرة ، ولا وادي ضَجْنان )[9] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .

ومنها : مرسلة ابن فضّال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : لا يصلّي في وادي الشَّقِرة)[10] ، وهي ضعيفة أيضاً بالإرسال .

ومنها : رواية عمار الثانية (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا تصلي وادي الشقرة ، فإن فيه منازل الجن )[11] ، وهي ضعيفة أيضا بأبي جميلة .

وعليه ، فالروايات الواردة في المقام كلها ضعيفة السند .

ثم إنه مع قطع النظر عن ضعف السند قد يقال : إن النهي ظاهر في الحرمة ، فما الموجب للحمل على الكراهة ؟

قلت : التعليل الواقع في الرواية الأخيرة (فإن فيه منازل الجن )[12] فإنه يجعلها ظاهرة في إرادة الكراهة ، كما لا يخفى على المتتبع في أخبار الأئمة ﭺ المشتملة على هذا النحو من التعليلات .


[1] الشبه محركة النحاس الاصفر، وبكسر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo