< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/01/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : مكانُ المصلِّي
أقول : هذه الرواية أيضاً ضعيفة بجهالة كلٍّ من عبد الملك القمِّي وأخيه، ولوجود ابن سنان في السّند المردّد بين عبد الله الثقة، ومحمّد الضعيف، والله العالم .
قوله : (وفي الطين)
المراد بالطين هنا : الوحل الذي هو طين وماء ممتزجان، وإلّا فالطّين اليابس لا مانع من الصّلاة عليه .
ويدلّ على الكراهة : ما في مرسلة عبد الله بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام (عشرة مواضع لا يصلّي فيها : الطّين، والماء، والحمام ... )[1]، ولكنّها ضعيفة بالإرسال، هذا إذا لم يستلزم منع شيء من واجبات الصّلاة، كالاستقرار في السّجود ونحوه، وإلّا حرّم، كما يدلّ عليه موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن حدِّ الطِّينِ الذي لا يُسْجدُ عليه، ما هو ؟ فقال : إذا غرقتْ الجبهةُ، ولم تثبتْ على الأرضِ ... )[2].
نعم، لو اضطرّ إلى الصّلاة فيه أومأ، كما ذكره جماعة من الأعلام .
ويدلّ عليه : موثّقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه الرّجل يصيبه المطر، وهو في موضعٍ لا يقدرُ على أنْ يسجُدَ فيه من الطّين، ولا يجد موضعاً جافّاً، قال : يفسخ الصّلاة، فإذا ركع فَلْيركع كما يركع إذا صلّى، فإذا رفع رأسه من الركوع، فليؤمّ بالسّجود إيماء، وهو قائم، يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصّلاة، ويتشهد، وهو قائم، ويسلّم)[3].
بقي شيء في المقام، وهو أنّه هل يجب عليه الجلوس للسّجود، وتقريب الجبهة من الأرض بحسب الإمكان، كما ذهب إليه جماعة من الأعلام، منهم الشهيد الثاني، أم لا يجب، وإن أمكن، كما يستفاد ذلك من إطلاق الموثّقة، يأتي تحقيقه - إن شاء الله تعالى - في مبحث السّجود .
قوله : (والماء)
إذا لم يمنع شيئاً من واجبات الصّلاة، كما يدلّ عليه المرسلة المتقدّمة، ولكنّها ضعيفة كما عرفت، وأمّا إذا منع شيئاً منها فلا، إلّا في حال الاضطرار فيومِئ إيماءً .
كما يدلّ عليه : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله - في حديث - (قال: سألتُه عن الرّجل يخوضُ الماءَ، فتدركه الصّلاة، فقال : إن كان في حربٍ فإنَّه يجزيه الإيماءُ، وإن كان تاجراً، فَلْيقم، ولا يدخله حتّى يصلّي)[4].
وصحيحة إسماعيل بن جابر (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام وسألَه إنسانٌ عن الرّجلِ تدركُه الصّلاةُ، وهو في ماءٍ يخوضه، لا يقدر على الأرض، قال : إن كان في حربٍ، أو سبيلِ الله، فَلْيُؤم إيماءً، وإن كان في تجارةٍ فلم يكن ينبغي له أن يخوض الماءَ حتّى يصلّي، قال : قلت : كيف يصنع ؟ قال : يقضيها إذا خرج من الماء، وقد ضيّع)[5]، أي لو صلّى بدون الاضطرار وجب القضاء، لنقصان الصّلاة فيه بالإيماء، فلا تجزي اختياراً .
وأمّا الإيماء للرّكوع، كما يظهر من الرّوايتَيْن، فإنّما هو إذا لم يتمكّن من الرّكوع، وإلّا فلا بدّ منه، والله العالم .
قوله : (والحمّام)
المعروف بين الأعلام كراهة الصّلاة في الحمّام، وفي الجواهر : (على المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل في الخلاف والغُنية الإجماع عليه .... ).
ويدلّ عليه عدّة من الأخبار :
منها : مرسلة عبد الله بن الفضل عمَّن حدَّثه عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : عشرة مواضع لا يصلّي فيها : الطين، والماء، والحمام ... )[6]، ولكنّها ضعيفة بالإرسال، ونحوها مرسلة[7] ابن أبي عمير .
ومنها : مرسلة البرقي في المحاسن عن النوفلي بإسناده (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الأرضُ كلُّها مسجد إلّا الحمام، والقبر)[8]، وهي ضعيفة بالإرسال .
ومنها : رواية عُبَيد بن زرارة (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : الأرضُ كلُها مسجد إلَّا بئر غايط، أو مقبرة، أو حمام)[9]، ولكنّها ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن محمّد الجوهري، وجهالة سليمان مولى طربّال .
وعليه، فالرّوايات الدّالة على كراهة الصّلاة في الحمّام كلّها ضعيفة السّند، كما أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجّة، فلم تثبت الكراهة .
ولا حاجة لإتّعاب النّفس في كيفيّة الجمع بين هذه الرّوايات وبين رواية عمّار (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصّلاة في بيتِ الحمام، قال : إذا كان موضعاً نظيفاً فلا بأس)[10]، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عليّ بن خالد .
وصحيحة عليّ بن جعفر (أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الصّلاة في بيت الحمام، فقال : إذا كان الوضع نظيفاً فلا بأس، يعني المسلخ)[11].
وجه عدم الحاجة لإتعاب النفس في كيفية الجمع : هي أنّ الرّوايات الأُول كلّها ضعيفة غير حجّة في نفسها .
مضافاً : لضعف رواية عمّار في الطائفة الثانية .
قوله : (لا المسْلخ)
ذهب جماعة إلى كراهة الصّلاة في المسلخ، وعن جماعة أخرى من الأعلام عدمها، منهم المصنّف رحمه الله تعالى، والشيخ الصّدوق رحمه الله تعالى، حيث قال في الخِصال : (وأمّا الحمام فإنّه لا يُصلّى فيه على كلّ حال، وأمّا مَسْلخ الحمام فلا بأس بالصّلاة فيه، فإنّه ليس بحمّام)، وقال في الفقيه : (لا بأس بالصّلاة في مسلخ الحمام، وإنّما يُكره في الحمّام لأنّه مأوى الشياطين) .
وقد يؤيِّد كلام المصنّف رحمه الله تعالى بعدم الكراهة : صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة، حيث قال في ذيلها : (يعني المسلخ)، فيكون خارجاُ عن مسمَّى الحمّام، وهذا التفسير يحتمل كونه من عليّ بن جعفر رحمه الله تعالى، فيكون المراد من بيت الحمّام الذي نفي البأس عن الصلاة فيه هو المسلخ .
لا يُقال : إنّ تفسيره اجتهاد، كاجتهاد الصّدوق رحمه الله تعالى، فلا يكون حجةً على غيره .
فإنّه يُقال : باعتبار كونه معاصراً للمعصوم عليه السلام يكون أعرف بمراده من بيت الحمّام .
ويحتمل أيضاً : كونه من كلام الصّدوق رحمه الله تعالى لزعمه أنّه ليس بحمام، كما صرّح به في عبارته المحكيّة عن الخِصال، فلا يكون تفسيره حجّة .
ولا يهمّنا القول : إنّ تفسير علي بن جعفر وإن كان صلاحاً لصرف الصحيحة إلى المسلخ، إلّا أنّه لا يصلح لصرف رواية عمّار إليه، وذلك لضعف رواية عمّار سنداً، كما عرفت .
والذي يهوِّن الخطب : أنّ الكراهة لم تثبت في الحمّام حتّى يتفرّع عليها ثبوتها في المسلخ .



[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.15 من أبواب مكان المصلي ح6 .
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.15 من أبواب مكان المصلي ح9 .
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.15 من أبواب مكان المصلي ح4 .
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.15 من أبواب مكان المصلي ح8 .
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.15 من أبواب مكان المصلي ح1 .
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.15 من أبواب مكان المصلّي ح6 .
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.15 من أبواب مكان المصلّي ح7 .
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.1 من أبواب مكان المصلّي ح3 .
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.1 من أبواب مكان المصلّي ح4 .
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.34 من أبواب مكان المصلّي ح2.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.34 من أبواب مكان المصلّي ح1 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo