< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكانُ المصلِّي

احتمل المصنّف قدس سره في الذكرى توقّفها على إذن أهل الذمّة ، تبعاً لفرض الواقف ، وعملاً بالقرينة .

وفيه : أنّه مدفوع بإطلاق النصوص ، مع عدم ثبوت جريان ملكهم عليها ، وأصالة عدم احترامها ، مع أنّه لو ثبتت مراعاة غرض الواقف اتّجه المنع مطلقاً ، إلّا أنْ يُعلم إناطة ذلك برأي الناظر فيتّجه اعتبار إذنه خاصّة .

ولقد أجاد بعض الأعلام حيث قال : (بل لو علم اشتراطهم عند الوقف عدم صلاة المسلمين فيها كان شرطهم فاسداً باطلاً ، وكذا الكلام في مساجد المخالفين ، وصلاة الشّيعة فيها)[1] .

قوله : (وفي المصوّرة آكد)[2]

قد عرفت كراهة الصّلاة في البِيَع والكنائس مع عدم الرشّ إذا لم تكن مصوّرة ، وأمّا إذا كانت مصوّرة فيُكره قطعاً من حيث الصُوَر أيضاً .

قوله : (وبيوت المجوس)

المعروف بين الأعلام كراهة الصّلاة في بيت المجوس ، وفي الجواهر : (على المشهور بين الأصحاب ، بل في جامع المقاصد : نسبته إليهم في أثناء كلامه ، كما أنّ فيه نسبة تعليل ذلك بأنّها لا تنفكّ عن النجاسة إليهم ...)[3] .

أقول : قد يُناقش في هذا التعليل بأنّ مقتضاه عدم الاختصاص بالمجوس ، بل وعدمها على فراش المصلّي ، وهو مخالف لظاهر عبارات الأعلام .

ومن هنا ربّما توقّف بعضهم في الكراهة ، كما لعلّه ظاهر كاشف اللثام ، حيث قال : (إنّما ظفرت بأخبارٍ ، سُئل الصّادق عليه السلام عن الصّلاة فيها ، فقال : رُشّ وصلّ ، وهي لا تقضي بالكراهة ، بل باستحباب الرشّ ... )[4] .

والإنصاف : هو الكراهة بدون الرشّ وارتفاعها معه ، وقد ورد الأمر بالرشّ في صحيحتَيْن :

الأُولى : صحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألتُه عن الصّلاة في البِيَع والكنائس وبيوت المجوس ، فقال : رُشّ ، وصلِّ )[5] ، ومثلها حسنته[6] .

الثانية : صحيحة أبي بصير (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصَّلاة في بيوتِ المجوسِ ، فقال : رُشَّ ، وصلِّ)[7] .

أقول : قد عرفت سابقاً - عند الكلام عن كراهة الصّلاة في البِيَع والكنائس بدون الرشّ - أنّ المتبادِر إلى الذّهن من الأمر بالرشّ هو شرطيّة صحّة الصّلاة به ، فيكون قوله عليه السلام : (رُشّ وصلِّ) ، بمنزلة ما لو قِيل في جوابه : إنْ رششتَ فلا بأس بصلاتك ، ومقتضاه بطلان الصّلاة عند ترك الرشِّ ، وحيث عُلِم من الخارج أنّ الصّلاة لا تبطل بدونه وجب حمله على إرادة ما يُشبه الفساد ، وليس إلّا المكروه .

والحاصل : أنّه مع الرشّ تكون الصّلاة في بيت المجوس كباقي الأماكن ، ومع عدمه ينقص ما أُعِدّ لطبيعة الصّلاة من الثواب ، وهذا هو المراد من الكراهة في العبادة ، والله العالم .

قوله : (وإلى نجاسة ظاهرة)

كالعذرة ، لصحيحة الفضل بن يسار (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : أقوم في الصّلاة ، فأرى قدامي في القبلة العذرة ، قال : تنحَّ عنها ما استطعت ، ولا تصلّ على الجوادّ)[8] ، وهي وإن كانت ضعيفة بسهل بن زياد بطريق الكليني والشّيخ ، إلّا أنّها صحيحة بطريق البرقي في المحاسن .

قوله : (وعلى الجادّة ، لا الظّواهر)

المعروف بين الأعلام كراهة الصّلاة في جوادّ الطريق ، وفي المدارك : (والحكم بكراهة الصّلاة فيها مذهب الأكثر)[9] ، وفي الجواهر : (على المشهور بين الأصحاب ، بل عن الغُنية ، والمنتهى ، وظاهر التذكرة : الإجماع عليه ... ) ، وجوادّ الطُرق : هي العظمى منها ، وهي التي يكثر سلوكها ، ونقل عن ظاهر الصّدوق والّشيخ المفيد (قدس سرهما) : التحريم .

وقدِ استُدلّ للقول بالكراهة بعدّةٍ من الأخبار :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصّلاة في السّفر ، فقال : لا تصلّ على الجادّة ، واعتزلْ على جانبيها) [10] .

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديثٍ - (قال : سألتُه عن الصّلاة في ظهر الطريق ، فقال : لا بأس أن تصلّي في الظّواهر التي بين الجوادّ ، فأمّا على الجوادّ فلا تصلّ فيها)[11] .

ومنها : صحيحة الفضيل بين يسار المتقدّمة عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - (قال : لا تصلّ على الجوادّ)[12] .

والمراد بالظّواهر التي نفى البأس عن الصّلاة فيها : هي الأراضي المرتفعة عن الطريق حسّاً ، أو جهةً ، التي لا تندرج تحت اسم الطريق ، وإن كانت بينه ، ولكن يصحّ إطلاقها على نفس الجوادّ أيضاً ، باعتبار ظهورها ووضوحها ، كما في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديثٍ - (قال : لا بأس أن تصلّي بين الظّواهر ، وهو الجوادّ جوادّ الطرق ، ويُكره أن تصلّي في الجوادّ)[13] ، كما أنّه يصحّ إطلاق ظهر الطريق على ما ليس بخارج عنه .

ويُستفاد ذلك من روايتَيْن :

الأُولى : رواية معلّى بن خُنيس (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصّلاة على ظهر الطّريق ، فقال : لا ، اجتنبوا الطّريق)[14] ، ولكنّها ضعيفة بالمعلّى بن خُنيس .

وأمّا أبو عثمان الوارد في السّند فهو المعلّى بن عثمان الكوفي ، وهو ثقة .

الثانية : موثّقة الحسن بن الجهم عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (قال : كلّ طريقٍ يُوطأ فلا تصلِّ عليه ، قال : قلت له : إنّه قد رُوي عن جدِّك أنّ الصّلاة في الظّواهر لا بأس بها ، قال : ذاك ربّما سايرني عليه الرّجل ، قال : قلت : فإن ضاق الرّجل على متاعه ؟ قال : فإنْ ضاق فليصلّ)[15] .

ويُستفاد من هاتَيْن الروايتَيْن أيضاً أنّ الكراهة تشمل مطلق الطريق ، ولا تختصّ بالجوادّ منها.

وممّا يدلّ أيضاً على كراهة الصّلاة في مطلق الطريق رواية محمّد بن الفضيل (قال : قال الرّضا عليه السلام : كلّ طريق يُوطأ ، ويتطرّق ، كانت فيه جادّة ، أم لم تكن ، لا ينبغي الصّلاة فيه ، قلت : فأين أصلي ؟ قال : يمنةً ويسرةً)[16] ، ولكنّها ضعيفة ، لاشتراك محمّد بن الفُضيل بين الأزدي الضعيف ، والنهدي الثقة.

هذا ، وقد ورد النهي عن الصّلاة في مسانّ الطريق ، كما في مرسلة عبد الله بن الفضل ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : عشرة مواضع لا يصلَّى فيها ، منها مسانّ الطُّرُق)[17] ، وهي ضعيفة بالإرسال.

ولعلّ المراد من مسانّ الطُّرق هي الجوادّ منها ، كما أنّه لعلّ المراد من قارعة الطريق هي الجوادّ منها ، في مرفوعة الخصال عن النبي (صلى الله عليه وآله) : (قال : ثلاثة لا يتقبّل الله لهم بحفظ : رجل نزل في بيتٍ خربٍ ، ورجل صلَّى على قارعةِ الطريقِ ، ورجل أرسل راحلتَه ، ولم يستوثق منها)[18] ، وهي ضعيفة بالرفع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo