الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/01/15
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : مكانُ المصلِّي
وأما القول : (بأنّها مرويّة عن الفقيه ... ) .
ففيه : أنّ الفقيه من ألقاب الحجّة أيضاً - عجّل الله فرجه - كما صرَّح بذلك الأردبيلي في جامع الرّواة ، كما أنّه قد أُطلِق لقب الفقيه على العسكري عليه السلام أيضاً في بعض الموارد تأتي في محلّها .
أضف إلى ذلك : أنّه قد يكون المراد من الفقيه معناه الوصفي ، ولا إشكال في صحّة استعماله في غير الإمام الكاظم عليه السلام .
هذا ، وقد ذكر السّيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله : (أنّ في الرّواية قرينة لكون المراد من الفقيه هو الإمام الكاظم عليه السلام ، وهي قوله : (فأجاب وقرأت التوقيع ، ومنه نسخت) ، حيث إنّ استنساخ الحميري لا يستقيم لو كانت المكاتبة بينه وبين الصاحب عليه السلام ، وكان هو بنفسه صاحب التوقيع ، وإنّما يتّجه لو كان التوقيع صادراً من الكاظم عليه السلام إلى غيره ، فوصلت إليه ، فاستنسخ منه نسخةً ، وحيث لم يُعلم ذلك الغير ، ففي السّند سقط ، يلحقه بالمرسل ... )[1]
وفيه أوّلاً : أنّه لا مانع من استنساخ الحميري لو كانت المكاتبة بينه وبين صاحب الزمان - عجل الله تعالى فرجه الشريف - وذلك حفاظاً على الجواب عن مسألته ، خوفاً من ضياع مكاتبة الحجّة عليه السلام ، أو تلفها ، ونحو ذلك .
وثانياً - مع قطع النظر عن ذلك - : فإنّ القرينة إنّما تتمّ بناءً على عود ضمير التكلّم في قوله : قرأت ، ومنه نسخت) إلى الحِميري نفسه ، أمَّا لو عاد إلى الرّاوي عنه ، وهو محمّد بن أحمد ، أو والده ، فلا موقع للقرينة حينئذٍ .
ويؤيِّد كون المراد بالفقيه هو الحجّة عليه السلام : هو التصريح بصاحب الأمر في رواية الاحتجاج[2] ، وهي وإن كانت ضعيفة بالإرسال إلَّا أنَّها تصلح للتأييد .
والخلاصة إلى هنا : أنّ الرّواية صحيحة .
وأمّا الكلام من ناحية الدّلالة : فقد استُشكل في دلالتها على التحريم ، فإنّ قوله عليه السلام : (ولا يجوز أن يصلّي بين يديه) وإن كان ظاهراً في التحريم إلَّا أنّه يُحمل على الكراهة ، لأنَّ التعليل - وهو قوله : لأنّ الإمام لا يُتقدّم) - ظاهر في كون عدم التقدّم أدبيّاً لا إلزاميّاً ، إذ لا يحرم التقدّم على الإمام عليه السلام في زمن الحياة في المكان الذي هو غير منافٍ للاحترام الواجب ، فضلاً عمَّا بعد الموت .
ولا فرق فيما ذكرناه من كونه أدبيّاً ، سواء كان التقدّم على المعصوم عليه السلام في غير الصّلاة ، أو فيها ، لأنّ الظّاهر من التعليل مطلق التقدّم ، لا في خصوص الصّلاة ، لعدم القرينة عليه .
نعم ، لو أُريد بالإمام في قوله : (لأنّ الإمام لا يُتقدّم) هو إمام الجماعة - بأنّ يكون المقصود بقوله عليه السلام يجعله الإمام أنه ينزّله منزلة الإمام الذي يأتمّ به في الصّلاة - اتّجه حينئذٍ بقاء النهي في قوله عليه السلام : (ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ) على ظاهره من الحرمة ، إذ لا يجوز التقدّم على إمام الجماعة في الصّلاة ، إلّا أنّ إرادة هذا المعنى من قوله عليه السلام : (يجعله الإمام) خلاف ما يتبادر منه ، بل غير صحيح ، لأنّه إن أُريد بتنزيله منزلة الإمام أن يفرض نفسه مؤتمّاً به في صلاته ، فهذا المعنى على تقدير شرعيّته غير معتبر في صحّة صلاة من صلّى خلف القبر بلا إشكال .
وإن أُريد به مجرد وجوب التأخّر عنه ، ولو من غير قصد التبعية والإيتمام ، فهو حينئذٍ بمنزلة التأكيد لقوله (وأمَّا الصلاة فإنّها خلفه) ، ولا يناسبه تعليل المنع عن التقدّم ، بأنّ المأموم لا يتقدّم على من يأتمّ به .
وممَّا يدلّ على عدم دلالته على التحريم أيضاً إعراض جميع المتقدّمين عن هذه الرّواية ، إذ هم بين رادٍّ للرواية من أصلها وبين حامل لها على الكراهة ، إذ هناك تسالم بين المتقدّمين على عدم الحرمة من الرّواية .
ثمّ إنّه قد استشكل جماعة من الأعلام على الدّلالة أيضاً بأنّ الرّواية مضطربة اللفظ ، لأنّها مرويّة في التهذيب هكذا : (ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ، لأنّ الإمام لا يُتقدّم ، ويصلّي عن يمينه وشماله)[3] ، ومرويّة في الاحتجاج هكذا : (ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ، ولا عن يمينه ، ولا عن شماله ، لأنّ الإمام لا يتقدّم ، ولا يتساوى) .
وفيه : أنّ روايةَ الاحتجاجِ مرسلة لا تصلح للمعارضة .
أضف إلى ذلك : أنّه يُحتمل تعدّد الروايتين ، لا أنّها رواية واحدة مضطربة المتن .
والذي يهوِّن الخطب : أنّ رواية الاحتجاج ضعيفة بالإرسال ، ولا يهمنا التعرّض لكونها رواية واحدة ، أو روايتين .
ومن جملة الرّوايات التي استدلّ بها للحرمة رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث طويل - (قال أتاه رجل فقال له : يا بن رسول الله ! هل يُزار والدك ؟ قال : نعم ، ويصلّي عنده ، وقال : يصلي خلفه ، ولا يتقدّم عليه)[4] ، فإنّ قوله عليه السلام : (ولا يُتقدم عليه) وإن كان ظاهراً في الحرمة إلّا أن الرّواية ضعيفة بعبد الله بن عبد الرحمان الأصم ، فقد ضعفه النجاشي رحمه الله .
والخلاصة إلى هنا : أنّه لا يحرم التقدّم في الصّلاة على قبر المعصوم عليه السلام ، إلّا إذا لزم الهتك ، كما أنّه لم يثبت كراهة التقدّم .
الجهة الثانية : في حكم الصّلاة مساوياً ، ومحاذياً له ، فالمعروف هو الجواز ، بل لا شبهة بذلك بناءً على عدم الحرمة في التقدم الذي هو أقوى شبهة منه من وجوه .
وأمّا بناءً على حرمة التقدّم فقد يستدلّ للمنع عن المحاذاة برواية الاحتجاج المتقدّمة (لا يجوز أن يصلّي بين يديه ، ولا عن يمينه ، ولا عن يساره ، لأنّ الإمام لا يُتقدّم عليه ، ولا يساوي )[5] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .
والإنصاف : هو الجواز حتّى على القول بحرمة التقدّم .
ويدلّ على الجواز عدّة من الرّوايات :
منها : صحيحة الحميري المتقدّمة (ويصلّي عن يمينه ويساره) .
وأمّا قوله فيها : (أمّا الصّلاة فإنّها خلفه) حيث قد يُقال : إنّ حصر الجواز بالصّلاة خلفه يدلّ على المنع من التقدّم والمحاذاة .
ففيه : أنّ الحصر إضافي في مقابل التقدّم ، بقرينة أنّه اقتصر في الصحيحة على نفي الجواز في خصوص التقدّم ، حيث قال : (ولا يجوز أن يصلّي بين يديه) ، وبقرينة الاقتصار في التعليل على الإمام لا يتقدّم .
ومنها : رواية جعفر بن ناجية عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : صلّ عند رأس قبر الحسين عليه السلام)[6] .