< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/12/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكان المصلَّي

إن قلت : لم لا تفصّل بين ما لو كان مأذوناً في الصّلاة في آخر الوقت ، أو في البقاء إلى آخر الوقت المستلزم للرخصة في إيقاع صلاته في ملكه ، بحيث يكون أمره بالخروج رجوعاً إذنه السابق ، وبين ما إذا لم يكن كذلك ، فيحرم البقاء بعد أمره بالخروج في الثاني ، دون الأوّل ، وذلك لأنّ رجوعه عن إذنه عند ضيق الوقت ضرر على المأذون حيث يفوته مصلحة الصّلاة الاختيارية فتنفيه أدلّة نفي الضرر والحرج الحاكمتان على قاعدة سلطنة النّاس على أموالهم في مثل المقام الذي نشأ الضرر من فعل المالك ، وإذنه بالبقاء .

قلت : هذا التفصيل في غير محلّه ، لعدم صدق اسم الضرر عليه عرفاً ، فضلاً عن أنْ يُستفاد حكمه من إطلاق الأدلّة ، ويرجّح ، على ما يقتضيه قاعدة السّلطنة ، والله العالم .

 

قوله : (ولو كان في أثنائها ، فثالث الأوجه : الصَّلاة خارجاً ، ورابعها : الإتمام لو أذن في الصّلاة ، بخلاف الكون)[1]

لو أمره بالخروج بعد التلبّس بالصّلاة ، فهناك أربعة وجوه ، بل أقوال :

الأوَّل : ما ذهب إليه المصنِّف & في الذكرى ، والبيان من وجوب إتمامها مستقرّاً ، وعدم الالتفات إلى نهيه ، وإن كان في سعة الوقت .

قال & في الذكرى : الإذن في القرار عن الصّلاة لم يصلّ ، فإنّ نهي في الأثناء فالإتمام قوي ، للاستصحاب ، ولأنّ الصّلاة على ما افتتحت عليه ... [2]

وفي حاشية المدارك : في شمول النهي - يعني نهي المالك - لهذه الصورة تأمُّل ، لأنّ المفروض أنّ المالك رخّصه ، وأذِن له بقدر الصّلاة ،ويعلم قدر الصّلاة ، ويعلم أنّه يجب عليه إتمام الصّلاة ، ويحرم قطعها ، على أنّه لعلّه في هذا القدر يدخل في أمر لا يمكن شرعاً قطعه ، كما لو كان مشغولاً بجُماع ، أو غيره ، ممّا لا يتيسّر له القطع ، لأنّ ربما يقتله ، أو يضرّه ضرراً عظيماً ، أو غير عظيم ، إذ لا ضرر ، ولا ضرار ، فيمكن أن تكون الصّلاة أيضاً من قبيل الأمور المذكورة ... [3] .

القول الثاني : ما ذهب إليه جماعة كثيرة ، منهم المحقّق الكركي & في جامع المقاصد ، والشهيد & في الروض والمسالك ، والأردبيلي في مجمع البرهان ، وصاحب المدارك ، بل أغلب الأعلام ، من وجوب القطع في السّعة ، والصّلاة خارج المغصوب ، والتشاغل بها خارجا في الصيف ، عملاً بما دلّ على حرمة التصرّف في مالم الغير بغير إذنه .

القول الثالث : أنّه يصلي في حال الخروج ، ولو في سعة الوقت ، قال صاحب الجواهر & : وهذا القول أضعف الأقوال ، بل لم أعرفه لغير الفاضل في الإرشاد ، كما أنّي لم أعرف له وجهاً ، سوى تخيّل أنّه جمع بين امتثال النهي عن الإبطال والتصرّف في مال الغير ، وهو كما ترى فيه تغيير هيئة الصّلاة من غير ضرورة للاتّساع فهو في الحقيقة إسقاط لحق الله ، لا جمع بينه وبين حق الآدمي ... [4]

القول الرابع : الفرق بين الإذن بالصّلاة ، والإذن بالكون المطلق ، فيتمّ في الأوّل مستقرّاً ، وهو مختار العلّامة & في أكثر كتبه ، وأمّا الثاني فاحتمل الأوجه الثلاثة في القواعد والتذكرة ، وفي النهاية احتمل الأوجه الثلاثة في صورة سعة الوقت ، واستقرب بطلان الصّلاة في صورة الضيق.[5]

أقول : بما أنّ المسألة خالية من النصوص الخاصّة فلا بدّ من الرجوع إلى القواعد ، ومن خلالها يتضح الحال .

وهناك ثلاثة قواعد يبتني عليها الأقوال المتقدّمة :

الأولى : حرمة التصرّف في مال غيره بدون إذنه ، ورضاه .

الثانية : حرمة قطع الصّلاة الواجبة .

الثالثة : وجوب الاستقرار في الصّلاة والرّكوع والسّجود ، وهذه القواعد الثلاث لا يمكن اجتماعها هنا .

والإنصاف : أنّ ما دلّ على حرمة التصرّف في مال غيره بدون إذنه مقدّم هنا ، وذلك لأنّ حرمة قطع الصّلاة الواجبة دليلها الإجماع ، فعلى فرض القبول به فهو دليل لبّي ، يُقتصر فيه على القدر المتيقّن ، وهو غير ما نحن فيه .

بل لو سلّمنا أنّ دليلها لفظي ، أي يحرم قطعها مطلقاً ، ويجب المضي فيها إلّا أنّ وجوب المضي فيها مشروط عقلاً بتمكّنه من ذلك ، وهو موقوف على أن لا يكون بقاؤه في هذا المكان بعد رجوع المالك عن إذنه حراماً ، وقد دلّ الدليل على حرمته ، فإطلاق هذا الدليل حاكم على إطلاق ما دلّ على حرمة قطع الصّلاة ، ووجوب المضي فيها ، لأنّ هذا الإطلاق مقيّد بإباحة مكان المصلّي ، وقد دلّ ذلك الدليل بإطلاقه على انتفاء الإباحة عند عدم رضا المالك بتصرّفه ، فلا معارضة بينهما .

وأيضا ما دلّ على حرمة التصرّف في مال غيره بدون إذنه مقدّم على ما دلّ على وجوب الصّلاة مع الاستقرار والرّكوع والسّجود ، وذلك لأنّ القدرة المأخوذة في دليل حرمة التصرّف قدرة عقليّة ، بخلاف القدرة المأخوذة في دليل الأجزاء والشرائط ، فإنّها شرعيّة بدليل وجود البدل لها .

وعليه ، فدليل حرمة التصرّف رافع لموضوع دليل الأجزاء والشرائط معجّز عنها شرعاً ، فإذا ثبت تقدم دليل حرمة التصرّف على حرمة قطع الصّلاة ، وعلى وجوب الاستقرار في الصّلاة والرّكوع والسّجود فيها ، فتكون النتيجة هو قطع الصّلاة في السّعة ، والإتيان بها خارج الدار المغصوبة .

وأمّا في حال ضيق الوقت فيصلّي حال الخروج مومياً للرّكوع والسّجود مراعياً أقرب الطرق .

وأمّا ما ذكره المصنّف & في الذكرى دليلاً لإتمام الصّلاة مستقرّاً من الاستصحاب ، فهو على تقدير تماميته هنا فلا يعارض الدليل ، لأنّه أصل عملي ، وكذا الدليل الآخر ، وهو أنّ الصّلاة على ما افتتحت عليه ، فإنّ مورد موضوع هذه القاعدة هي ما لو افتتح الصّلاة على أنّها فريضة ، وسهى ، وظنّها أنّها نافلة ، أو افتتحها على أنّها نافلة ، فسهى ، وظّن أنّها فريضة ، فهي حينئذٍ على ما افتتحت عليه ، ولا ربط لهذه القاعدة بمسألتنا .

وأمّا قياس المقام على الإذن في الرهن ، والدفن ، حيث لا يجوز الرّجوع فيهما عن الإذن - بمعنى أنّه لو رجع لا يترتب أثر عليه - ففيه : أنّ الرّهن يوجب حقاً للمرتهن في العين ثابتاً بإذن المالك فالرجوع لمّا لم يكن موجباً لزوال الحقّ ، إذ لا دليل عليه لم يؤثّر الرجوع أثراً ، وثبوت حقّ الصّلاة للمأذون في الصّلاة ، غير ظاهر .

وفي الدفن قام الدليل على حرمة نبش من دفن بوجه مشروع حال الدفن ، ولمّا لم يكن الرّجوع عن الإذن رافعاً لذلك الموضوع ، لامتناع انقلاب ما وقع عمّا وقع عليه ، لم يؤثّر الرجوع في جواز النبش .

والخلاصة إلى هنا : أنّ القول الثاني من الأقوال المتقدّمة هو المتعيّن ، والله العالم .

 

قوله : (وتبطل الطّهارة في المكان المغصوب ، خلافاً للمعتبر)

ذهب جماعة من الأعلام منهم المحقّق & في المعتبر ، والعلّامة & في المنتهى ، والسّيد السّند & في المدارك ، والشيخ البهائي & في الحبل المتين ، إلى صحّة الطّهارة من الوضوء والغسل في المكان المغصوب باعتبار أنّ الغصب - وهو الكون في الأرض المغصوبة - من مقولة الأين ، وليس جزءاً من الطّهارة ، ولا شرطاً فيها ، فلا يؤثِّر تعلّق النهي به في فسادها .

وبالمقابل ذهب جماعة أخرى من الأعلام إلى البطلان منهم صاحب نهاية الأحكام


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo