الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
36/11/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : مكان المصلَّي
نعم ، إذا فرضنا أنّ الصّلاة لم تكن مشتملة على الرّكوع والسجود كما إذا كان المكلف عاجزاً عنهما ، وكانت وظيفته الصلاة مع الإيماء والإشارة بدلا عنهما ، فال إشكال حينئذٍ في صحة الصلاة.
والخلاصة إلى هنا : أنّه بناءً على كون الهوي والنهوض مقدّمةً للصّلاة ، وليسا من أجزائها ، كما هو الصحيح ، فلا بدّ من القول بجواز الاجتماع ، إلّا أنّه يبقى عندنا السّجود على الأرض الذي هو من أجزاء الصّلاة حتماً ، فهل هو متّحد مع الغصب ، أم لا ؟
نقول : إنِ اكتفينا بالمماسّة للأرض في السّجود الذي لا يعدّ تصرّفاً عرفاً ، وبالتالي لم نعتبرِ الاعتماد على الأرض ، فيكون السّجود حينئذٍ من مقولة الوضع ، فلا يجتمع مع الغصب ، فنذهب إلى الجواز ، وإن اعتبرنا فيه الاعتماد على الأرض ، كما هو الصحيح الذي هو تصرّف عرفاً ، فيجتمع مع الغصب ، فنذهب إلى الامتناع.
والخلاصة : أنّ البطلان منحصر في السّجود على الأرض ، فلو كانت الصّلاة فاقدةً له - كما لو كانت إيماءً ، أو كان السّجود فقط على الأرض المباحة ، كما لو كان واقفاً في آخر الأرض المغصوبة ، وسجد على المباح ، فتصحّ حينئذٍ ، والله العالم.
قوله : (ولو للمنفعة ، كادِّعاء الوصيّة بها ، أو الاستئجار كذباً ، وكإخراج روشن ، أو ساباط في الممنوع منه)[1]
المعروف بين الأعلام أنّه لا فرق في بطلان الصّلاة في المكان المغصوب بين مغصوب العين والمنفعة ولو بدعوى الاستيجار ، أو الوصيّة بها ، أو الوقف ، كذباً ، بل الغصب التصرّف في الأعيان التي تعلّق بها حقّ كحقّ الرّهن ، وحقّ غرماء الميّت ، وحقّ الميّت الميّت إذا أوصى بثُلُثه ، ولم يفرز بعد وحقّ السّبق ، كمن سبق إلى مكان من المسّجد ، أو غيره ، فغصبه منه غاصب.
أقول : أمّا بالنسبة لحقّ الرّهن فالمعروف بين الأعلام عدم جواز التصرّف في العين المرهونة بدون إذن المرتهن.
ويستدلّ لهم بأمرين :
الأوّل : الإجماع.
والثاني : النبوي : (الراهن ، والمرتهن ، ممنوعان من التصرّف)[2] .
أمَّا الدليل الأوّل : فالإنصاف أنّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام ، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه ، ولكنّ التسالم دليل لبّي يُقتصر فيه على القدر المتيقّن ، وهو ما كان منافياً لحقّ الرّهانة ، كما لو وقف العين المرهونة ، فإن وقفها ينافي كونها وثيقة ، إذ يمتنع استيفاء الدّين من العين الموقوفة بعد تعذّر بيعها ، ,كذلك لو كانت العين المرهونة ممّا تُؤكل ، فإنّ أكلها من قبل الراهن ينافي حقّ الرّهانة.
وأمّا إذا لم يكن التصرّف فيها منافياً لحقه ، كما إذا لَبِس العين المرهونة ، أوِ افترشها ، وصلّى عليها ، فلا مانع حينئذٍ من ذلك ، لأنّ التسالم دليل لبّي ، لا إطلاق له يشمل التصرّفات غير المنافية.
وأمّا الدليل الثاني : فإنّ النبوي بالإرسال ، وبغير ذلك أيضاً.
نعم ، يجوز للمرتهن الامتناع من تسليم العين ، والتصرّف فيها ، لأنّها متعلق حقه ، إلّا أنّه لو أخذها الراهن من دون اطلاعه باختلاس ، ونحوه ، فتصرفه صحيح حينئذٍ.
وقد دلّ على ذلك صريحاً : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجلٍ رهن جاريته قوما أيحلّ له أن يطأها ؟ قال : فقال : إنّ الذي ارتهنوها يحولون بينه وبينها ، قلت : أرأيتَ إن قدر عليها خالياً ؟ قال : نعم ، لا أرى به بأساً)[3] .
وعليه ، فإذا جاز الوطء الذي هو من أهم التصرّفات جاز غيره من سائر التصرّفات غير المنافية للأولويّة القطعيّة.
والخلاصة : أنّه لا مانع للراهن من الصّلاة في العين المرهونة ، كما له الإذن لغيره في الصّلاة فيها ، هذا بالنسبة لحقّ الرهن.
وأمّا حقّ غرماء الميت : فهو مبني على القول بانتقال التركة بأجمعها إلى الورثة ، غايته أنّه متعلّق لحقّ الغريم.
ولكن على هذا القول لا مانع من التصرّف بمثل الصّلاة ، ونحوها غير المزاحمة لحقّ الغريم ، بل هو كحقّ الرهانة الذي قد عرفت عدم التنافي بينه وبين مثل هذه التصرفات.
نعم ، بناء على القول الصحيح من أنّ المال المقابل للدين باقٍ على ملك الميت ، كما يقتضيه ظاهر قوله تعالى : ﴿ من بعد وصيّة يوصي بها ، أو دين ﴾[4] ، وما دلّ من النصوص على الترتيب بين الكفن والدين والوصيّة والميراث ، كما في موثّقة السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : أوّل شيء يبدأُ به من المال الكفن ، ثمّ الدّين ، ثمّ الوصيّة ، ثمّ الميراث )[5] ، فإنّه على هذا القول الصحيح ، والذي اختاره جماعة كثيرة من الأعلام ، تحصل الشّركة بين الميت والوارث في التركة بنسبة الدّين من النصف أو الثلث ، ونحوهما.