< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/11/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكان المصلَّي

وحاصله : امتناع اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد شخصي ، لاستحالة التكليف هنا ، إذ لا يعقل تصور تحقق طلب الفعل ، وطلب تركه ، في وقت واحد من مكلَّف واحد ، إذ الحركات الصلاتيّة وأكوانها تصرّف في ملك الآخر بغير إذنه ، وهو مبغوض عند الله ، ومحرّم شرعاً ، ومبغوض لديه ، فلا يكون مقرِّباً إليه تعالى حتّى يصبح وقوعه عبادة .

إن قلت : إنّ الأمر متعلّق بطبيعة الصّلاة ، وهي من حيث هي محبوبة لله تعالى ، والفرد الخارجي مقدمة لإيجاد الطبيعة ، ووجوب المقدّمة توصّلي يجوز اجتماعه مع الحرام .

قلت : هذا الكلام باطل ، إذ ليس لطبيعة الصّلاة وجود مغاير لوجود الفرد حتّى يختلف حكمهما من حيث الوجوب والحرمة ، ضرورة أنّ الفرد مصداق للطبيعة فتُحمل الطبيعة عليها حَمْل مُوَاطاة ، ومناطه الاتحاد في الوجود ، فالحركات الخاصّة كما أنّها إيجاد للفرد كذلك بعينها إيجاد للطبيعة ، وهي بعينها محرّمة لكونها مصداقاً للغصب ، هذا ما ذكره جماعة كثيرة من الأعلام .

وأشكل عليهم جملة من متأخّري المتأخّرين ، منهم صاحب الحدائق رحمه الله بأنّه لا بأس باجتماع الأمر والنهي في واحد شخصي إذا اختلفت جهتاهما .

قال رحمه الله في الحدائق : (وأمّا ما ذكره في المدارك من التعليل فالظاهر أيضاً أنّه عليل لا يبرد الغليل ، فإنّ للقائل أن يقول : إنّ ما ذكره - من أنّ اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحدٍ مُحَال ، وهو الذي بنى عليه الاستدلال - إن أُرِيد به مع اتِّحاد جهتي الأمر والنهي فهو مسلَّم ، ولكنّ الأمر هنا ليس كذلك ، لِمَا عرفت في مسألة اللباس ، وإن أُرِيد ولو مع اختلافهما فهو ممنوع - إلى أن قال : - فإنّ الحركات والسَّكنات التي هي عبارة عن القيام والقعود والرّكوع والسُّجود مأمور بها من حيث كونها أجزاء من الصّلاة ، وواجبات فيها ، ومنهيّ عنها من حيث كونها تصرّفاً في مال الغير ، فتصحّ الصّلاة ، وإن كانت كذلك - إلى أن قال : - وبذلك يظهر أنَّ ادِّعاءَ كونِ اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد مُحَالاً ليس على إطلاقه ، بل إنّما هو معِ اتِّحاد جهتي الأمر والنهي ... )[1] .

وفيه : من الغرابة ما لا يخفى ، فإنّه لو كان لفعلٍ واحدٍ شخصيٍّ جهاتٍ مختلفة ، وعناوين متعدِّدة يتبع الحكم الفعلي جهته القاهرة المؤثِّرة في حُسْن الفعل ، وقبحه ، من حيث صدوره من المكلَّف ، فإنّه بهذه الحيثيّة ليس له إلّا جهة واحدة ، فإنّ كانت مفسدته هي الغالبة فيقبح ، وإن كانت مصلحته هي الغالبة فيحسُن ، وإن تكافأتا فيُباح .

والإنصاف : أنّ ما ذكره الأعلام من البطلان في صورة اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحد شخصيّ في غاية الصحّة والمتانة ، إلّا أنّ الكلام أنّ اجتماعهما في الخارج هل هو انضمامي ، أم اتّحادي ، فالقول بالبطلان مبني على القول بالاتّحاد بينهما خارجاً .

وعليه ، فلا بدّ من بحث هذه المسألة صغرويّاً ، وقد بحثناها بالتفصيل في علم الأصول .

وحاصلها : أنّ الحكم باتّحاد عنوان الغصب والصّلاة وعدم اتّحادهما خارجاً يتوقّف على ملاحظة منشأ انتزاعهما ، فلو تبيَّن أنّ جزءاً من أجزاء الصّلاة كان منشأً لانتزاع عنوان الغصب فيتّحدان حينئذٍ ، وإلّا فلا .

وعليه ، فلا بدّ من بيان أجزاء الصّلاة بالتفصيل حتّى نرى أنّها منشأ لانتزاع عنوان الغصب أم لا .

أقول : أمّا النية ، والتي هي أوّل جُزء شرعي من الصّلاة فهي من مقولة الكيف النفساني ، ومن الواضح أنّها ليست تصرُّفاً في مال الآخر عرفاً ، لتكون منشأً لانتزاع عنوان الغصب في الخارج ، ومن المعلوم أنّ الغصب لا يصدق على الأمور النفسانيّة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo