الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
36/11/16
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : مكان المصلَّي
قوله : (تجوز الصّلاة في المكان المباح أو المملوك إمّا عيناً أو منفعةً ، بعوض أو غير عوض)[1]
المكان عرفاً : هو موضع المصلّي الذي يستقرّ عليه حال تشاغله بأفعال الصّلاة من القيام والقعود والركوع والسجود ، وغيرها .
ولكنّ المراد به في المقام : ما يعمّ الفضاء الذي يشغله المصلّي ، وعرَّفه جماعة من الأعلام بتعاريف متعددة ؛ وأشكل بعضهم على هذا التعريف بإشكالات في غير محلّها .
والإنصاف : حيث إنَّ لفظ المكان لم يقع في لسانِ دليلٍ معتبر ، فلا يهمّنا حينئذٍ شرح مفهومه عرفاً ، أو لغةً ، أو اصطلاحاً ، إذ لا يترتّب على ذلك فائدة مهمّة ، لأنّ الأحكام اللاحقة له التي يقع البحث عنها في هذا المبحث كلّها معلّقة بحسب أدلّتها على موضوعات لا يتوقف معرفة شيء منها على صدق مفهوم المكان ، هذا كلّه من حيث إباحة المكان .
وأمّا من حيث طهارته فكذلك ، حيث لم يقع لفظ المكان في لسان دليل معتبر دلّ على اشتراط طهارة مكان المصلّي .
وعليه ، فالمرجع في تحقيقه الأدلّة الدالّة على اعتبار الطهارة ، وأنّ الموضوع فيها خصوص مسجد الجهة ، أو موضع المساجد ، أو موضع تمام بدن المصلّي ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - الكلام في ذلك .
إذا عرفت ذلك ، فقد قال المصنِّف قدس سره في الذكرى : (لا خلاف في جواز الصّلاة في المكان المملوك ، أو المأذون فيه صريحاً ، أو فحوى ... )[2] .
وفي المدارك : (أجمع العلماء كافّة على جواز الصّلاة في الأماكن كلّها إذا كانت مملوكةً ، أو مأذوناً فيها ... )[3] .
أقول : لا فرق في المملوك بين أن يكون مملوك المنفعة فقط ، أو مع ملك العين ، فيشمل مملوك العين والمنفعة ، والمستأجر ، والموصى بمنفعته ، والمحبس ، والمسكون ، أي حبس المنفعة والسّكنى .
ويدخل في المباح الأماكن التي ليست بالفعل ملكاً لأحد كالأراضي العامرة ، أو العامرة التي انجلى عنها أهلها ، فهي ملك للإمام عليه السلام ، وقد رخّص شيعته في التصرف فيها باتِّخاذ التصرّفات ، فضلاً عن الصّلاة التي لا شبهة في رضائه بها .
وبالجملة ، ما يتعلّق بالإمام عليه السلام من الأنفال ، وما جرى مجراها ممّا يكون ملكاً له ، أو أمره راجعاً إليه ، فلا شبهة في جواز الصّلاة فيه ، ورضاه بذلك .
وأمّا الدليل على جواز الصّلاة في كلّ الأماكن المملوكة ، أو المباحة ، أو المأذون فيها ، فقد عرفت دعوى الإجماع عليه من المصنِّف قدس سره ، وصاحب المدارك قدس سره ، وغيرهم من الأعلام ، فدعوى الإجماع إن لم تكن متواترة فهي مستفيضة جدّاً .
وفي الواقع هناك تسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً ، بحيث خرجت المسألة عن كونها إجماعاً اصطلاحيّاً .
ويدلّ عليه أيضاً - مضافاً إلى التسالم بينهم - الأخبار المستفيضة الواردة في مقام الامتنان الدّالة على عموم مسجديّة الأرض :
منها : رواية أبان بن عثمان عمَّن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إنّ الله أعطى محمداً صلى الله عليه وآله شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى - إلى أن قال : - وجعل لي الأرض مسجداً وطهوراً)[4] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .
ومنها : مرسلة الشيخ الصّدوق قدس سره في الفقيه (قال : قال النّبي صلى الله عليه وآله : أُعْطِيتُ خمساً لم يعطها أحدٌ قبلي ، جُعِلت لي الأرضُ مسجداً وطهوراً ، ونُصِرتُ بالرّعب ، وأُحِلّ لي المغنم ، وأُعْطِيتُ جوامع الكلم ، وأُعْطيتُ الشفاعة)[5] ، وهي وإن كانت ضعيفة في الفقيه بالإرسال ، ولكن رواها الشيخ الصّدوق قدس سره في المجالس بسند حسن ، لأنَّ ابن أبان الموجود هو الحسين بن الحسن - بن أبان ، وهوممدوح جدّاً ، بل وثَّقه جماعة كثيرة من المتأخِّرين ، وتوثيق المتأخِّرين وإن لم يكن حجَّةً ، إلَّا أنَّه يزيد في الاطمئنان .
وبالجملة ، فالرواية حسنة .
ومنها : مرسلة البرْقي في المحاسن عن النوفلي بإسناده (قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الأرض كلُّها مسجد ، إلَّا الحمَّام ، والقبر)[6] ، وهي ضعيفة بالإرسال .
ومنها : رواية عُبَيْد بن زرارة (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام : الأرضُ كلُّها مَسْجدٌ ، إلَّا بئرَ غايطٍ ، أو مقبرةٍ ، أو حمامٍ)[7] ، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن محمّد ، وجهالة سليمان مولى طربال .
ثمَّ الاستثناء على هاتين الروايتَيْن إنَّما هو على وجه الكراهة ، بعد التسليم بصحّة السّند.
ومنها : مرسلة المحقّق قدس سره في المعتبر (قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : جُعِلَتْ لي الأرضُ مسجداً ، وترابُها طَهُوراً ، أينما أدركتني الصَّلاةُ صلَّيتُ)[8] ، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال.