< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/08/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :حكم الذهب للرّجل
قوله : (ولو أذن مطلقا جاز لغير الغاصب)[1]
لو أذِن مطلقاً، بأن قال : أَذِنت في الصّلاة، أو لكلّ أحدٍ، جاز لغير الغاصب بلا إشكال، وأمَّا الغاصب فالمعروف بينهم عدم الجواز، باعتبار أنّ المستفاد من حال غالب الناس هو الحقد على الغاصب، ومَيْل النفس إلى مؤاخذاته، والإنتقام منه، فيغلب على الظنّ إرادة غيره من العام والمطلق .
والخلاصة : أنّ ذلك يوجب الانصراف، فلا يتبادر عرفاً من الإذن المطلق أو العام شموله للغاصب .
ولكنّ الإنصاف : أنّ ذلك يختلف باختلاف المقامات، فقد لا يشمل المطلق الغاصب، كما إذا اقترن بما يوجب صرف الإذن إلى غير الغاصب، وقد يشمله، كما إذا لم يقترن بشيء خصوصاً إذا أكّد الإطلاق، والله العالم .

قوله : (ولا في ساتر ظَهْر القدم على الأقرب، إلّا أن يكون له ساق، كالخفّ، والجرموق*)
المشهور بين العلماء المتأخرين : جواز ستر ظَهْر القدم مما لا ساق له، وإن قل، وبه صرح أيضا الشيخ ¬ في المبسوط وابن حمزة، ومثلوا له بالشُّمِشك - بضم الشين، وكسر الميم - .
وبالمقابل حكي عدم الجواز عن أكثر القدماء، كما في المفاتيح، وكبراء الأصحاب، كما في جامع المقاصد، بل الأشهر، كما في البيان، بل المشهور، كما في المسالك والروضة .
وأمَّا ما لا يستر الظّهر، أو يستره وله ساق، وإن قلّ، كالخفّ والجورب، فقد قال في التذكرة : إنّه موضع وفاق بين العلماء .
أقول : ينبغي أن يعلم أوّلاً : أن محلّ النزاع بين الأعلام هو فيما إذا لم يمنع عن وصول الإبهامين إلى الأرض عند السّجود، وإلّا فلا يجوز بالإتفاق .
إذا عرفت ذلك فقدِ استُدلّ لِمَنْ ذهب إلى المنع ببعض الأدلّة :
منها : ما ذكره المحقق ¬ في المعتبر من فعل النبي صلى الله عليه وآله، وعمل الصحابة والتابعين، فإنّهم لم يصلّوا في هذا النوع .
وفيه أوّلاً : أنّه شهادة على نفيٍ غير محصور، فلا يسمع، إذ مَنْ الذي أحاط علماً بأنّهم كانوا لا يصلّون فيه في كلّ الأزمنة والأوقات، فيحتاج في ذلك إلى دعوى علم الغيب .
وثانياً : لو سلّمنا ذلك فإنّه لا يدلّ على عدم الجواز، لجواز أن يكون تركه لكونه غير معتادٍ لهم، لا لتحريم لُبْسه .
وثالثاً : لو تمّ هذا الاستدلال لاقتضى تحريم الصّلاة في كلّ ما لم يصلِّ فيه النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو معلوم البطلان .
ومنها : مرسل ابن حمزة قال : ورُوِي أنّ الصّلاة محظورة في نعل السّندي، والشُّمِشك [2].
وفيه أوّلاً : أنه ضعيف بالإرسال، مضافا إلى عدم عمل مرسله به .
إن قلت : إن علم المشهور جابر له .
قلت أوّلاً :لم يثبت اعتماد مشهور المتقدّمين عليه، ومجرد مطابقة فتواهم له لا يكفي ما لم يحرز استنادهم إليه .
وثانياً : ذكرنا في أكثر من مناسبة أنّ عمل المشهور غير جابر .
وثالثاً - مع قطع النظر عن كل ما ذكرناه - : فإنّه يحتمل أن يكون المراد منه عدم التمكّن من وضع الإبهامين على الأرض، فيكون خارجاً عن محلّ النّزاع .
ومنها : ما رُوِي عن النّبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : صلّوا كما رأيتموني أصلّي[3].
وفيه أوّلاً : أنّه نبوي مرسل، لم يرد من طرقنا .
وثانياً : لم يعلم أنّه (صلى الله عليه وآله) لم يكن يصلّي فيه .
وثالثاً - مع قطع النّظر عن كلّّ ما تقدّم - : فإنّه لا يدلّ على المانعيّة، لأنّه إنّما يدلّ عليها، وعلى الجزئيّة والشرطيّة، إذا أحرز أنّه (صلى الله عليه وآله) أتى بشيء، أو تركه بعنوان كونه دخيلاً في الصّلاة، ولم يحرز ذلك، لاحتمال أنّ الترك إنّما كان لعدم ميله (صلى الله عليه وآله)، ورغبته في لُبْسه .
ومنها : خبر سيف بن عميرة عن أبي عبد الله ’ قال : لا يصلّي على جنازة بحذاء، ولا بأس بالخفّ[4].
* الجرموق : خفّ واسع قصير، يُلْبس فوق الخفّ .

ووجه الاستدلال به : أنّ الأمر في صلاة الجنازة أوسع من صلاة الفريضة، فإذا لم يجزِ الحذاء في الأُولى لم يجز في الثانية بطريق أَولى .
وفيه أوَّلاً : أنه ضعيف بسهل بن زياد .
وثانياً : الصّلاة على الجنازة بحذاء ثابتة بلا إشكال كما ذكنرا ذلك في مبحث صالة الميت، فراجع، فإذالم يعلم بهذا في مورده، فكيف يعلم به في صلاة الفريضة ؟! .
وثالثاً : أنّ الحذاء بحسب الظاهر أعمّ ممّا يستر ظهر القدم، بل في مجمع البحرين تفسيره بالنعل الذي دلّ على جواز الصّلاة فيه أخبار مستفيضة، بل يظهر من جملة منها استحبابه، كما تقدّم عند قول المصنّف سابقاً : وتستحبّ في النَعْل العربية، فراجع .
والخلاصة إلى هنا : أنّه لا دليل قويّ على المنع، فالأصحّ هو القول بالجواز، للأصل .
وقد استُدلّ أيضاً : بما في الاحتجاج للطبرسي ¬ عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنّه كتب إلى صاحب الزمان ’ يسأله، هل يجوز للرّجل أن يصلّي، وفي رجليه بطيط لا يغطي الكعبين، أم لا يجوز، فكتب في الجواز : جائز ... (1)، وهو ضعيف في كتاب الاحتجاج بالإرسال، ورواه الشيخ في كتاب الغيبة عن محمد بن جعفر الحميري، وطريقه إليه ضعيف أيضاً بالإرسال، ونحوه، والبطيط - كما في القاموس - : رأس الخفّ بلا ساق .
ولكنّ الاستدلال به يتوقّف على كونه المراد بالكعبين العَظْمَيْن في جانبي السّاق .
بقي الكلام في كراهة لبس السّاتر لظهر القدم كلّه، غير ذي السّاق .
والإنصاف : أنّه لا دليل عليها أيضاً حتّى على القول بالتّسامح في أدلّة السنن، فإنّه لا يوجد ما يستدلّ به إلّا فتوى الفقيه، وفي جريان القاعدة بمجرد الفتوى فيه ما فيه .
نعم، في خصوص الشُّمِشك، والنعل السندية، رواية مرسلة تقدّمت .
وعليه، فبناء على التسامح في أدلّة السُّنن تثبت كراهتهما، إلّا أنّ هذه القاعدة غير ثابتة، كما أشرنا إليه في أكثر من مناسبة، والله العالم .

قوله : (ولا في الرقيق الحاكي للعورة)
قد ذكرنا سابقاً عند قول المصنّف ¬ يجب ستر العورة في الصّلاة، وهو شرط في صحتها : أنّه يشترط أن لا يكون اللباس رقيقاً، بحيث يحكي البشرة، فلو حكاها لم يكن في السّتر، لعدم صدق اسمه، وقلنا أيضاً : إنّ اللازم هو ستر لون البشرة دون الحجم، خلافاً لجماعة من الأعلام، إذ لا دليل على وجوب ستره، لعدم صدق النظر حينئذٍ العورة .
وعليه، فلا بأس بلفّ العورة بسائر ملصق بها حاكياً لحجمها على ما هي عليه، فراجع الأدلّة التي ذكرناها، فإنّها مهمة .

قوله : (ولا في الثقيل المانع من بعض الواجبات، إلَّا مع الضرورة)
يشترط أن لا يكون الثوب ثقيلاً، بحيث يمنع بعض الأفعال مع القدرة على غيره إلّا لضرورة، لمنافاته الواجب المقصود، وكذا لو كان صلباً، كالحديد المانع من بعض الأفعال .
وأّما إذا لم يضطرّ إليه، ولم يجد سواه، فهل يصلّي عارياً أم لا ؟، فقدِ اتّضح حكمه ممّا تقدّم في مسألة الحرير، فراجع .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo