< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/07/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :حكم الذهب للرّجل
قوله : (ولا تجوز في الذهب للرجل ولو خاتماً على الأقرب)[1]
يقع الكلام في أمرين :
الأوّل : في حرمة لُبْس الذهب للرجل تكليفاً .
الثاني : في حرمة لُبْسه وضعاً، أي بطلان الصّلاة فيه .
أمّا الأمر الأوّل : فالمعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، حرمته على الرّجل، وفي الجواهر : إجماعاً أو ضرورةً، وفي الحدائق : أمَّا تحريم لُبْس الذّهب على الرّجال فلا خلاف فيه بين الأصحاب ....
وبالجملة، فالمسألة متسالم عليها بين الأعلام، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه، ومع ذلك يدلّ عليه جملة من الأخبار بلغت حدّ الاستفاضة :
منها : رواية روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله ’ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ’ : لَا تَخَتَّمْ بِالذَّهَبِ، فَإِنَّه زِينَتُكَ فِي الآخِرَةِ[2]، ولا إشكال في سند الرواية إلَّا من جهة غالب بن عثمان، فإنْ قلنا : باتحاده مع غالب بن عثمان المنقري فيكون ثقة، وإلّا فهو غير موثَّق، كما هو الأقرب، لبُعد الاتحاد، كما لا يخفى، إذ لا دليل عليه .
ومنها : رواية جراح المدائني عن أبي عبد الله ’ قال : لا تجعل في يدك خاتماً من ذهب[3]، وهي ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن سليمان، وبجهالة جراح المدائني .
ومنها : رواية مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه ﭺ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نهاهم عن سبع، منها التختُّم بالذهب[4]، ولكنّها ضعيفة بعدم وثاقة مسعدة بن صدقة .
ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر • قال : سألته عن الرَّجل، هل يصلح له أن يتختَّم بالذّهب ؟ قال : لا[5]، ورواها في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن، ولكنّها بهذا السند ضعيفة، لأنّ عبد الله بن الحسن مهمل، كما عرفت في أكثر من مناسبة .
ويبقى الكلام في دلالتها، فإنْ كان قوله ’ : لا هو نهي عن التختّم به فيدلّ على الحرمة، وأمّا إن كان المراد - كما لا يبعد - من قوله ’ لا، أي : لا يصلح، فلا يُستفاد منها الحرمة، لأنّ كلمة لا يصلح ظاهرة في الكراهة .
وكذا غيرها من الروايات الكثيرة، والتي سيأتي بعضها - إن شاء الله تعالى - في الأمر الثاني، وأيضاً قد ورد من طرق العامّة عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال - مشيراً إلى الذهب والحرير - هذان محرَّمان على ذكور أمتي، دون إناثهم [6] [7]، وهي ضعيفة بالإرسال، وبغيره أيضاً .
ثمّ إنّه قد يظهر من بعض الروايات جواز لُبْس الذّهب، كما في رواية ابن القداح عن أبي عبد الله ’ أنَّ النبي صلى الله عليه وآله تختَّم في يساره بخاتم من ذهب، ثمَّ خرج على الناس، فطفق ينظرون إليه، فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتّى رجع إلى البيت فرمى به فما لُبْسه [8].
وفيها : أنّها ضعيفة بسهل بن زياد، وبعدم وثاقة جعفر بن محمد الأشعري، ورُويت بسندٍ آخر عن أبي عبد الله ’، وهي أيضاً ضعيفة بحاتم بن إسماعيل العامي، فإنّه غير موثّق، وباشتراك المثنّى بين الثقة وغيره، ولا ممّيز .
هذا، وقد ذكر السّيد أبو القاسم الخوئي (قدس الله نفسه الزكيّة) أنّها قاصرة من حيث الدّلالة أيضاً، إذ غاية ما تدلّ عليه عدم ثبوت التحريم في ذلك الزمان الذي لَبِسه صلى الله عليه وآله، فمن الجائز ثبوت التحريم بعده، أمّا في زمانه صلى الله عليه وآله، أو زمن الأئمة ﭺ ... .
أقول : لو لم يكن محرّماً في زمان لُبْسه له فلماذا نظر الناس إليه نظرة استهجان وتعجّب، إذ كان لُبْس الذهب قبل تحريمه أمراً متعارفاً عند الناس، ولا سيّما لُبْس الخاتم .
والإنصاف : أنّ هذه الرواية على فرض تماميّة سندها يُردّ علمها إلى أهلها، للتسالم على حرمته للرجال، والله العالم .
الأمر الثاني : المعروف بين الأعلام أيضاً عدم الصحّة إذا صلّى فيه الرّجل لابساً له، وفي الجواهر : لا يجوز لُبْس الذّهب للرّجل إجماعاً أو ضرورةً، ولا الصّلاة في السّاتر منه، بلا خلاف أجده، بل ولا فيما تتمّ الصّلاة به منه، وإن لم يقع به السّتر فعلاً ... ، وفي الحدائق : وإنّما الخلاف في بطلان الصّلاة في ما لا تتمّ الصّلاة فيه كالخاتم، ونحوه، فذهب الأكثر إلى البطلان، وظاهر المحقّق في المعتبر العدم، حيث قال : لو صلّى، وفي يده خاتم من ذهب، ففي فساد الصّلاة تردّد، أقربه أنّها لا تبطل، لِمَا قلناه في الخاتم المغصوب، ومنشأ التردّد رواية موسى بن أكيل النميري ...، إلى أن قال صاحب الحدائق ¬، وأشار بقوله : لِما قلناه في الخاتم المغصوب إلى ما قدَّمه في مسألة الصلاة في الخاتم المغصوب، من أنّ النهي عنه ليس عن فعل من أفعال الصّلاة، ولا عن شرط من شروطها ... .
أقول : يدل على البطلان بعض الأخبار :
منها : موثّقة عمّار بن موسى، وهي العمدة في الاستدلال للبطلان عن أبي عبد الله ’ - في حديث - قال : لا يلبس الرّجل، ولا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنة [9].
وقد يناقش في دلالتها على الحرمة، حيث إنّ ما فيها من التعليل ربما يُوهِن ظهورها في ذلك، ولكنّ الظاهر أنّ هذه المناقشة غير واردة، لأنّ المراد من الذيل - والله العالم - أنّ الله سبحانه وتعالى لَمَّا خصّ لباس الرجال إياه في الجنّة فحرم عليهم لُبْسه في الدنيا .
ومنها : رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله ’ في الحديد أنَّه حلية أهل النار، والذهب أنه حلية أهل الجنة، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرم على الرجال لُبْسه، والصّلاة فيه [10]، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .
ومنها : رواية جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر ’ يقول : ليس على النساء أذان - إلى أن قال : - ويجوز للمرأة لُبْس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام، وحرّم ذلك على الرّجال إلّا في الجهاد، ويجوز أن تتختّم بالذهب، وتصلّي فيه، وحرم ذلك على الّرجال إلّا في الجهاد [11]، وهي ضعيفة بجهالة كلّ من أحمد بن الحسن القطان، والحسن بن علي العسكري، وجعفر بن محمد بن عمارة، وأبيه .
قال المحقّق الهمداني ¬ في مصباح الفقيه والخدشة في سند الروايات في مثل هذا الفرع الذي لم يوجد مصرّح بالخلاف ممّا لا ينبغي الالتفات إليها.
أقول : هذه الروايات الضعيفة تكون مؤيِّدة للمطلب، وكون المسألة متسالم عليها فيما تتمّ به الصلاة، لا يجبر ضعفها، إلّا إذا أحرزنا استناد كلّ العلماء المتقدّمين إليها، والمشهور فقط، وإحراز اسثتناء الجميع إليها يحتاج إلى دعوى علم الغيب .
وقد يُستدلّ للبطلان أيضاً بأنّ الصّلاة في الذهب استعمال له، فلا تصحّ، لأنّ النهي عن العبادة يدلّ على الفساد .
وفيه : أنّ المنهي عنه في الروايات إنّما هو لُبْسه، لا مطلق استعماله، ومن المعوم أنّ اللُبْس أمر مغاير لأفعال الصّلاة، فلا يصدق على القيام والقعود والركوع، وغيرها من أجزاء الصّلاة عنوان اللبس، وإذا لم تكن أجزاء الصّلاة عين اللُبْس فلم يتحقق نهي عنها حتّى يدلّ على الفساد .
نعم، قد يُقال : بالبطلان فيما إذا حصل ستر العورة بلُبْسه للذهب لعدم تحقق الستر المأمور به، لأنّ المحرّم لا يكون مصداقاً للواجب، ومن المعلوم أنّ الحاصل منه الخارج فرداً للُبْس المحرم، فكيف يتحقق المأمور به ؟! .
وقد أجيب عن ذلك : بأنّ التستّر الصلاتي ليس عبادة حتّى يكون النهي عنه مانعاً عن عباديته .
وإن شئت قلت : إنّ التستّر شرط للصّلاة، والشرط خارج عن ذات الصّلاة، وإنّما المعتبر تقيّدها بالستر، فالتقيّد داخل والشرط خارج، وكون الشرط حراماً لا تسري حرمته إلى التقيّد .
ومن هنا يحصل التقيّد بالطهارة من الخبث، وإن حصل التطهير بالغسل بالماء المغصوب .
ثمّ لا فرق في حرمة لُبْس الذّهب تكليفاً ووضعاً بين ما تتمّ به الصّلاة - كما هو المتّفق عليه - وبين ما لا تتمّ به، كالخاتم، ونحوه، كما هو المشهور، فإنّ موثّقة عمّار المتقدّمة التي هي العمدة في الاستدلال تشمله، لصدق اللبس حقيقة على لُبْس ما لا تتمّ به الصّلاة، بل لعلّ النهي عن لُبْس الذهب منصرف في حدّ نفسه إلى مثل الخاتم، ونحوه، ممّا لا تتمّ به الصّلاة، وإذا لم ندع الانصراف فلا أقلّ يكون من الأفراد المتيقنة التي يشملها الإطلاق .
ومنه قدِ اتضح لك عدم صحّة ما ذهب إليه المحقّق ¬ في المعتبر، حيث قال فيه : لو صلّى، وفي يده خاتم من ذهب، ففي فساد الصّلاة تردّد، وأقربه أنّها لا تبطل، لما قلناه في الخاتم المغصوب، ومنشأ التردّد رواية موسى بن أكيل .. [12].
وفيه : أنّ دليل البطلان لا يختص بخبر موسى بن أكيل المتقدّم، كي يُقال : إنّه ضعيف السند، بل العمدة في البطلان موثّقة عمار، وهي بإطلاقها تشمله، بل نصّ على تحريمه في خبر جابر الجعفي المتقدّم، لكنّك عرفت أنّه ضعيف السند .

قوله : (ولو مموَّهاً به، وقول أبي الصلاح : بكراهة المذهَّب، ضعيف)[13]
المعروف بين جماعة من الأعلام - لا سيَّما المتقدّمين منهم - عدم إلحاق المذهّب تمويهاً، وغيره، بالذهب، فعن الغنية : تُكره الصَّلاة في المذهّب، والملحّم بالذهب، بدليل الإجماع عليه، وعن الوسيلة : والمموَّه من الخاتم، والمجرى فيه الذهب، والمصوغ من النقدين على وجه لا يتميّز، والمدروس من الطراز، مع بقاء أثره حلّ للرّجال [14]، وعن الحلبي : وتُكره الصّلاة في المصبوغ، وأشده كراهيّة الأسود، ثمّ الأحمر المشبّع، والمذهّب، والموشّح، والملحّم بالحرير، والذهب .[15]



[6]وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، أبواب لباس المصلّي، باب16، ح1، ط آل البیت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo