< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :الصَّلاة في جلد الميتة /فقه الصَّلاة / الصَّلاة في جلد الميتة

وقضية التعليل في الروايتين : جواز الصَّلاة في كلّ ما لا يأكل اللحم، أي ما عدا السِّباع .
ولكنَّك عرفت أنَّه لا يمكن الالتزام بذلك، والذي يهوِّن الخطبَ أنّهما ضعيفتا السند .
هذا، وقد أجاب مَنْ ذهب إلى المنع : بأنّ جملة من الأخبار المستدلّ بها على الجواز ضعيفة السند، وأمَّا الأخبار الصحيحة فمشتملة على غير السنجاب، الذي لا تجوز الصّلاة فيه .
وأيضاً يعارِض هذه الأخبار : موثّقة ابن بكير المتقدّمة، فإنّها وإن كانت عامَّة أيضاً، لكنّها وقعت جواباً عن السُّؤال عن الثعالب والفنك والسنجاب، وغيره من الوبر، وحيث جرى ذكر السنجاب بالخصوص في السّؤال صار الجواب كالنصّ في إرادته، فلا يمكن تخصيصه بغيره، كما أشار إلى ذلك صاحب المدارك +، حيث قال : (إنّ رواية ابن بكير وإن كانت عامّة إلّا أنّ ابتناءها على السبب الخاص وهو السنجاب، وما ذكر معه يجعلها كالنصّ في المسؤول عنه، وحينئذٍ يتحقّق التعارض، ويُصار إلى الترجيح) .
أقول :أمَّا جوابهم الأوّل - بأنَّ جملة من الأخبار المستدلّ بها على الجواز ضعيفة السند - : فهو حقّ، بل أكثر الأخبار المستدلّ بها ضعيفة .
وأمَّا جوابهم الثاني : باشتمال الأخبار الصحيحة على غير السنجاب الذي لا تجوز الصَّلاة فيه .
فيرد عليه أوّلاً : أنَّ صحيحة الحلبي الأُولى لم يذكر فيها مع السنجاب إلّا الفراء الذي هو حمار الوحش وممّا يؤكل، وتجوز الصّلاة فيه، فلا إشكال حينئذٍ في الاستدلال بها .
وأمَّا صحيحته الأخرى، وصحيحة أبي علي بن راشد، فإنَّهما وإنِ اشتملت على غيره ممَّا لا تجوز الصَّلاة فيه إلَّا أنّ ذلك لا يضرّ بالاستدلال لِمَا عرفت في أكثر من مناسبةٍ من أنَّ سقوط الرّواية عن الحجيّة في بعض مدلولها لسبب من الأسباب لا تلازم سقوطها في البعض الآخر، فإنّ التفكيك فيما تضمنتنه الرّواية كثير في حدّ نفسه .
وبالجملة، فإنّ الصحيحة الثانية للحلبي تنحلّ إلى روايتَيْن، فروى مرَّةً جواز الصّلاة في الفنك وغيره، وأخرى جوازها في السنجاب، فإذا كان للأولى معارِض أوجب سقوطها عن الحجيّة فلا مقتضى حينئذٍ لرفع اليد عن الثانية السليمة عنه .
وأمَّا جوابهم الثالث : بأنَّ موثّقة ابن بكير آبية عن التخصيص، فقد تكفّل في الردّ صاحب الجواهر +، حيث قال - ردّاً على صاحب المدارك + - (يدفعه أنّ مثله لا يقدح في التخصيص في المتصل قطعاً، فكذا المنفصل خصوصاً مع اندراج بعض أفراد السّؤال في عموم الجواب)[1].
وتوضيحه : أنّه لو سُئِل شخص عن إكرام زيد العالم، فأجيب أكرم كلّ عالم إلّا زيداً، لَمَا كان فيه إشكال وحزازيّة، فكذلك في المخصِّص المنفصل .
ويرد على كلام صاحب الجواهر + : أنَّ ما ذكره إنّما يتمّ في المخصِّص المتصل، حيث لم ينعقد للكلام ظهور إلّا فيما عدا الخاصّ من أوّل الأمر، وهذا بخلاف المخصِّص المنفصل، كما لو سُئِل عن إكرام زيد العالم، فأجاب : بوجوب إكرام كلّ عالم، ثمّ دلّ دليل منفصل على أنّ زيداً العالم لا يجوز إكرامه، فإنّه يتحقّق التنافي بين الدليلين في هذا الفرض، لأنّ العام قد انعقد له ظهور قبل مجيء الخاص، فلا يصحّ الجمع بينهما بتخصيص المورد، حيث إنّ العام بمنزلة النصّ بالنسبة إلى ما وقع عنه السّؤال، فكيف يُقاس الدليل المنفصل بالمخصِّص المتصل ؟! .
ومقامنا من هذا القبيل، فإنّ الرّوايات المجوِّزة من المخصّص المنفصل بالنسبة لموثّقة ابن بكير، والتي هي عام .
والإنصاف : أنّ موثّقة ابن بكير غير آبية عن التخصيص، وذلك أنّ سَوْق السّؤال يشهد بأنّ السّائل لم يقصد خصوص ما جرى ذكر في كلامه عن الصّلاة في الثعالب والفنك والسنجاب، بدليل قوله (وغيره من الوبر) .
وعليه، فما أورده إنّما هو على سبيل التمثيل، فأراد بذلك السّؤال عن الصّلاة في وبر غير المأكول على سبيل العموم، فأجيب بجواب عام من غير التفات إلى خصوصيّات الأمثلة، فليس خروج السنجاب على هذا التقدير إلَّا كخروج الخزّ .
أضف إلى ذلك : أنّه يمكن أن يُقال : فرق بين ما لو وقع السّؤال عن أشياء عديدة، فأجيب عن جملتها بجواب عام، كما في المقام، وبين
ما لو سُئِل عن شيء أو شيئين بالخصوص، ففي الثاني لا يجوز تخصيص المورد .
وأمَّا الأوَّل : فلا مانع منه بالنسبة إلى بعضه إذا بقي أغلب ما وقع عنه السّؤال مندرجاً تحت عموم الجواب .
والخلاصة : أنَّ القول بالجواز هو الأقوى، وإن كان الأحوط استحباباً ترك الصّلاة في وبر السنجاب وجلده .
ثمّ إنّه لو فرضنا عدم إمكان التخصيص والتزمنا بعموم موثّقة ابن بكير، فإنَّ مقتضى الصناعة العلميّة هو تقديم موثّقة ابن بكير، لمخالفتها للعامة، وموافقة الروايات المجوِّزة لروايات العامّة، فتُحْمَل حينئذٍ على التقيّة .
كما يؤيِّد ذلك : رواية محمّد بن علي بن عيسى (قال : كتبت إلى الشيخ - يعني الهادي × - أسأله عن الصّلاة في الوبر، أيّ أصنافه أصلح ؟ فأجاب :، قال : فرددت الجواب، إنَّا مع قوم في تقيّة، وبلادنا بلاد لا يمكن أحد أن يسافر فيها بلا وبر، ولا يأمن على نفسه إنْ هو نَزَع وبره، وليس يمكن للناس ما يمكن للأئمة، فما الذي يرى أن نعمل به في هذا الباب، قال : فرجع الجواب إلي : تلبس الفنك، والسّمور)[2]، وهي ضعيفة بالإرسال، وبجهالة بعض رجالها .
إن قلت : كيف تحمل الروايات المجوِّزة على التقيّة، مع أنّها فصّلت، حيث جوزت الصّلاة في بعض ما لا يُؤكل، كالسنجاب والفنك والثعالب، ونحوها، ولم تجوِّز في غيرها، مع أنّ المحكي عن العامة القول بالجواز مطلقاً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo