< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :الصَّلاة في جلد الميتة /فقه الصَّلاة / الصَّلاة في جلد الميتة /

قال المصنِّف + في الذكرى - بعد نقله لهذه الرواية - : (وقال في المعتبر : عندي في هذه الرواية توقُّف، لأنَّ في طريقها محمّد بن سليمان الديلمي، وهو ضعيف، ولتضمُّنها حِلَّه، مع اتفاق الأصحاب على أنَّه لا يحِلّ من حيوان البحر إلَّا ما له فلس من السَّمك، مع إجماعنا على جواز الصَّلاة فيه مذكّاً كان أو ميتاً، لأنَّه طاهر في حال الحياة لم ينجس بالموت، قلت : مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضرّ ضعف الطريق، والحكم بحِلّه جاز أن يستند إلى حِلّ استعماله في الصّلاة، وإن لم يُذكّ كما أحلّ الحيتان لخروجها من الماء حيَّة، فهو تشبيه للحلّ، لا في جنس الحلال ... )[1].
أقول : أمَّا ما ذكره من أنه تشبيه في حِلّ استعماله في الصّلاة دون حليّة اللحم فهو في محلّه، لِمَا ذكره جماعة من الأعلام من أنّه ليس المراد هنا حل لحمه، بل حل استعمال جلده ووبره، والصَّلاة فيهما، خلافاً لصاحب الحدائق +، حيث ذهب إلى حليَّة صنف منه، ونزَّل الرِّواية عليه، وهو باطل، كما هو مذكور في محلِّه .
وأمَّا قوله : (أنَّ مضمونها مشهور بين الأصحاب) فلا يضرّ ضعف الطريق .
ففيه - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - : أنَّ عمل المشهور برواية ضعيفة لا يجبر ضعف سندها، مضافاً إلى عدم إحراز عمل مشهور المتقدّمِين فيها، ومجرد مطابقة الفتوى لها لا يدلّ ذلك على استنادهم إليها .
ومنها : موثَّقة معمر بن خلاد المتقدِّمة (سألتُ أبا الحسن الرضا × عن الصَّلاة في الخزّ، فقال : صلِّ فيه)[2]، فإن ترك الاستفصال قرينة على عموم الحكم للجلد والوبر .
وقد استشكل السيد محسن الحكيم + في المستمسك، وتبعه السيد أبو القاسم الخوئي +، وحاصل الإشكال أنَّ هذا الاستدلال إنَّما يتمّ لو كان المراد من الخزّ فيه هو الحيوان، وهو غير ظاهر، بل من المحتمل إرادة المنسوج من وبره، فإنَّه من معانيه أيضاً .
والإنصاف : أنَّ احتمال إرادة المنسوج من وبره وإن كان موجوداً إلَّا أنَّه ضعيف، ما لم تكن قرينة عليه، وإلَّا فالمتبادِر من هذا الاستعمال بعد امتناع حَمْله على نفس الحيوان هو ما يشمل الجلد والوبر، فما فهمه صاحب الجواهر والمحقِّق الهمداني وصاحب الحدائق (قدس سرهما) من هذه الموثَّقة هو الصحيح .
ومنها : رواية يحيى بن أبي عمران (أنّه قال : كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني × في السِّنجاب والفنك والخزّ، وقلت : جعلت فداك ! أحبّ أن لا تجيبني بالتقيَّة في ذلك، فكتب بخطّه إليّ : صلّ فيها) [3]، وهذه الرّواية أوضح من موثَّقة معمر بن خلاد، لأنّ اقتران الخزّ بغيره من السنجاب والفنك يكشف عن أنّ المراد به واحد، وهو الصّلاة في أجزاء هذه الحيوانات من الجلد والوبر، وغيرهما، إلَّا أنّها ضعيفة السند، لا لأجل محمَّد بن علي بن ماجيلويه الذي هو شيخ الصَّدوق +، فهو من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته، وإنّما الرّواية ضعيفة لعدم وثاقة يحيى بن أبي عمران .
ومنها : صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج (قال : سأل أبا عبد الله × رجل - وأنا عنده - عن جلود الخزّ، فقال : ليس بها بأس، فقال الرّجل : جعلت فداك ! إنّها علاجي (بلادي)، وإنّما هي كلاب تخرج من الماء !، فقال أبو عبد الله × : إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء ؟ فقال الرّجل : لا، قال : ليس به بأس) [4].
وقد يُشكل على هذه الصحيحة : بأنّها وإن كانت صريحة في الجلد إلَّا أنّه ليس فيها تصريح بالصَّلاة .
ولكن يُجاب عن هذا الإشكال : بأنّ المتبادِر من نفي البأس عن جلود الخزّ إرادة نفس البأس عن الاستعمالات المتعارفة في نوعه، فكما يُفهم من ذلك نفي البأس عن لُبْسه مع عدم وقوع التصريح باللبس أيضاً، فكذلك يفهم منه جواز اتخاذه ثوباً على حدّ ساير ثيابه التي يصلَّى فيها، كما هو المتعارف في نوعها، فلو كان جوازه مخصوصاً بغير حال الصَّلاة لم يكن يحسن إطلاق نفي البأس في مقام الجواب .
نعم، لو كان السُّؤال متعلِّقاً بخصوص لُبْسه لأمكن دعوى أنّ إطلاق الجواب منزّل عليه من حيث هو، ولكنّه ليس كذلك، بل السُّؤال تعلَّق بنفس الجلود بلحاظ استعمالاتها المتعارفة، ومن الواضح أنّ اتخاذها ثوباً يصلّي فيه من أوضح مصاديقها المتعارفة .
ومنها : صحيحة سعد بن سعد عن الرضا × (قال : سألتُه عن جلود الخزّ، فقال : هو ذا نحن نلبس، فقلت : ذاك الوبر، جعلت فداك !، قال : إذا حلّ وبره حلَّ جلده) [5].
وقد يُستشكل في الاستدلال بهذه الصحيحة : بأنّها وإن كانت صريحة في نفي البأس عن الجلد وعدم الفرق بينه وبين الوبر، ولكنّها غير صريحة في إرادته حال الصّلاة، وإنّما تدلّ على جواز لُبْسه، وهو لا يستلزم جواز الصَّلاة فيه .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo