< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :الصَّلاة في جلد الميتة /فقه الصَّلاة / الصَّلاة في جلد الميتة

وينبغي التنبيه على بعض الأمور :
الأمر الأوَّل : المعروف بين الأعلام أنّه لا فرق في الحيوان بين كونه ذا نفس سائلة، أو لا، كالسّمك الحرام، وذلك لإطلاق موثّقة ابن بكير المتقدّمة، أو عمومها، المعتضدة بإطلاق معاقد إجماعاتهم المحكيّة، حيث إنّ ظاهر الموثّقة، التي هي العمدة في المقام، عدم الفرق في غير المأكول الذي نهي عن الصّلاة فيه بين ذي النفس، وغيره .
وأمَّا ما قيل : من أنّ المراد من عموم الموثّقة، أو إطلاقها، هو ذو النفس فقط، كما عن السِّيد محسن الحكيم + في المستمسك، حيث ذكر أنّ ما في ذَيْل الموثّقة من قوله × : (ذكّاه الذابح، أو لم يذكّه) يصلح قرينة على اختصاصه بما له نفس، لاختصاصه بتذكية الذبح ؛ واحتمال كون المراد التعميم لغير ذي النفس - يعني : سواء أكانت تذكيته بالذبح أم بغيره - مندفع بأنّ الظاهر من مقابلة هذه الفقرة بما قبلها من قوله ‘ : (إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذابح) أن يكون المراد ذبح أم لم يذبح، فظهور اختصاص هذه الفقرة بما يكون ذكاته بالذبح لا ينبغي أن ينكر فلا يصلح ما قبلها لإثبات عموم الحكم .
ففيه أوّلاً : أنّه يمكن الذبح في كثير ممّا لا نفس له من الحيوانات البحريّة، وإن كانت طهارته غير موقوفة عليه، إذ لا تنحصر فوائد التذكية بالطهارة، بناءً على أصالة قبول كلّ حيوان للتذكية - ما عدا نجس العين والحشرات - والتذكية لغةً هي الذبح .
وعليه، فيمكن القول بوقوعها على غير ذي النفس ممّا لم يجعل له الشارع ذكاة مخصوصة كالسّمك ونحوه .
وثانياً : لو سُلِّم عدم قبولها للذبح فقد يُقال : إنّ المراد من (ذكّاه الذابح أو لم يذكّه) إمّا لعدم قابليته للتذكية بالذبح، أو لعدم وقوعها عليه، وإن كان قابلاً، فيدخل فيه ما لا نفس له على كلّ حال .
بل قد يقال : إنَّ قوله × : (ذكّاه الذابح أو لم يذكّه) كلام، ذُكِر استطراداً لبيان عدم مدخليّة التذكية في ذلك، وإناطة المنع يكون الحيوان في حدّ نفسه محرّم الأكل .
والخلاصة : أنّ الموثّقة قويّة الدّلالة على العموم، لوقوعها في مقام إعطاء الضابطة، وبيان مناط الحكم، وهو كون الحيوان غير مأكول اللحم في حدِّ نفسه، والله العالم .
الأمر الثاني : لا إشكال في خروج القمل والبراغيث والبقّ والزنبور والخنافس، ونحوها، ممّا لا لحم له، وذلك لانصراف الأدلّة عنها، وللسيرة القطعية أيضاً، إذ لا يتوهّم أحد من النّاس المنع عن الصّلاة في الثوب المخيط بالإبريسم، ونحوه، بلحاط كونه من فضلات غير المأكول، ولا فيما أصابه شيء من العسل، أو شمعه .
إن قلت : إنّ موثّقة ابن بكير المتقدِّمة، والتي هي العمدة في المقام، خالية عن ذكر اللحم، بل فيها حلال الأكل وحرامه، ووجود لفظ اللحم في غيرها من الأخبار لا يقتضي تقييدها بذلك بعد فرض شمولها لذي اللحم، وغيره .
قلت : إنَّها منصرفة إلى الحيوان الذي فيه اللحم في غيرها وإن لم يذكر لفظ اللحم فيها .
وبالجملة، فالمراد من الشيء في الموثّقة : (فالصّلاة في كلّ شيء منه فاسد .... ) هو الحيوان القابل للاتّصاف بحليّة اللحم، وحرمته .
هذا كلّه مضافاً إلى وجود بعض النصوص الخاصّة في المقام :
منها : صحيحة عليّ بن مَهْزَيار المتقدِّمة (قال : كتبتُ إلى أبي محمَّد × أسأله عن الصَّلاةِ في القرمز*، وأنّ أصابنا يتوقّفون عن الصّلاة فيه، فكتب : لا بأس به، مطلق، والحمد لله)[1]، ورواه الشيخ الصّدوق + بإسناده عن إبراهيم بن مهزيار، وإبراهيم غير موثّق، والمدح الوارد فيه هو روايه، فلا يفيد .
ثمَّ قال الشيخ الصّدوق + بعد ذكر الحديث (وذلك إذا لم يكن القرمز من إبريسم محض، والذي نهي عنه ما كان من إبريسم محض) .
ومنها : رواية الحلبي (قال : سألتُ أبا عبد الله × عن دم البراغيث يكون في الثوب، هل يمنعه ذلك من الصّلاة فيه ؟ قال : لا، وإن كثر، فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف ينضحه، ولا يغسله)[2]، وهي ضعيفة بابن سنان الموجود في السّند الذي هو محمد الضعيف، لأنّه هو الذي يروي غالباً عن ابن مسكان، ويروي عنه الحسين بن سعيد، ولا أقل من احتمال التساوي بينه وبين عبد الله، فتكون مردّدة بينهما .
وعليه، فالتعبير عنها بالصحيحة، كما في المستمسك في غير محلّه .
ومنها : ما عن نوادر الرّاوندي بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه × (قال : سُئِل علي بن أبي طالب × عن الصّلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخنافس، ودماء البراغيث، فقال : لا بأس)[3]، ولكنّه ضعيف بالإرسال، إذ لم يذكر سنده إلى الإمام الكاظم × .
الأمر الثالث : المعروف بين الأعلام خروج الإنسان عن موضوع هذا الحكم فلا بأس بالصّلاة في فضلاته الطاهرة، من غير فرق بين فضلات نفسه وغيره، لاستقرار السيرة الشرعيّة على عدم التحرّز منها .
مضافاً إلى أنّ العمدة في المسألة هي موثّقة ابن بكير المتقدّمة، وهي منصرفة عن الإنسان، فإنّ موضوعها الحيوان غير المأكول، وهو إن كان يصدق على الإنسان لغةً، إلّا أنّه لا يطلق عليه عرفاً .
ويشهد لذلك أيضاً بعض النصوص الخاصّة الواردة في المقام :
منها : حسنة علي بن الريّان بن الصلت (أنّه سأل أبا الحسن الثالث × عن الرّجل يأخذ من شعره، وأظفاره، ثم يقوم إلى الصّلاة من غير أن ينفضه من ثوبه، فقال : لا بأس)[4]، وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم، وأما محمد بن علي ماجيلويه أستاذ الصّدوق +، فهو من المعاريف، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة .
ومنها : صحيحة علي بن الريان (قال : كتبت إلى أبي الحسن × هل يجوز الصّلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان، وأظفاره، من قبل أن ينفضه، ويلقيه عنه، فوقع : يجوز)[5]، وهذه مطلقة من حيث كون الشعر منه، أو من إنسان آخر .
ومنها : معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه ^ (أنّ عليّاً × سُئِل عن البُصاق يصيب الثوب، قال : لا بأس به)[6].


* القرمز : هو المصبوغ بالأحمر
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، أبواب النجاسات، باب17، ح6، ط آل البیت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo