< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/05/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :الصلاة في جلد الميتة /فقه الصَّلاة / درس 30 الصلاة في جلد الميتة /
{ درس 30 }
قوله : (لا تجوز الصَّلاة في جلد الميتة ولو دُبِغ سبعين مرَّة)[1]
في المدارك : (هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ... )، وفي الحدائق : (وقد أجمع الأصحاب رضي الله عنهم على أنه لا تجوز الصلاة فيه، ولو كان مما يُؤكل لحمه، سواء دبغ، أم لم يُدبغ، حتّى من القائلين بطهارته بالدّباغ ... )[2]، وفي الجواهر : (إجماعاً محصّلاً ومنقولاً، مستفيضا، أو متواترا ًكالنصوص ... )[3]، وقال المصنِّف - رحمه الله - في الذكرى : (تجوز الصّلاة في كلّ ما يستر العورة عدا أمور ؛ أحدها : جلد الميتة، ولو دبغ، بإجماعنا، إلا من شذ ... )[4].
أقول : لم يعلم الذي شذّ في المسألة، وإلّا فظاهر جميع الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار هو على بطلان الصّلاة فيها، وهذا التسالم منهم على المسألة بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه .
ومع ذلك فالنصوص الواردة في المقام إن لم تكن متواترة فهي مستفيضة جدًّا :
منها : صحيحة ابن مسلم (قال : سألته عن الجلد الميِّت، أيُلبس في الصّلاة إذا دُبِغ ؟ قال : لا، ولو دُبِغ سبعين مرة)[5]، وقد عرفت أنّ مضمرات ابن مسلم مقبولة .
ورواها الشّيخ الصدوق - رحمه الله - بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر - عليه السلام -، ولكنّك عرفت سابقاً أنّ إسناد الصّدوق - رحمه الله - إلى محمّد بن مسلم ضعيف .
ومنها : صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله - عليه السلام - (في الميتة، قال : لا تُصَلّ في شيءٍ منه، ولا في شسع)[6]، وهي صحيحة، ولا يضرّها الإرسال هنا، لأنّ غير واحد يطلق على جماعة، ونطمئنّ بوجود الثقة فيهم .
ومنها : موثّقة عبد الله بن بكير (قال : سأل زرارة أبا عبد الله - عليه السلام - عن الصّلاة في الثعالب والفنك والسنجاب، وغيره من الوبر - إلى أن قال : - إذا علمت أنَّه ذُكِّي وقد ذكاه الذابح)[7].
ومنها : رواية علي بن أبي حمزة (قال : سألتُ أبا عبد الله - عليه السلام -، أو أبا الحسن - عليه السلام -، عن لباس الفراء، والصّلاة فيها، فقال : لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيّاً، قال : قلت : أوليس الذكيّ ممّا ذكّي بالحديد، قال : بلى، إذا كان ممَّا يُؤكل لحمه)[8]، ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سليمان، وبعلّي بن أبي حمزة، وبجهالة عبد الله بن إسحاق العلوي، وكذا غيرها من الرّوايات .
وبالجملة، فما ذكرناه متسالم عليه، ولا كلام فيه، وإنّما الكلام في أنّ الميتة مانعة من صحّة الصّلاة كما هو ظاهر صحيحتي ابن مسلم، وابن أبي عمير المتقدمتَيْن، أم أنّ التذكية شرط في صحّة الصَّلاة، كما هو ظاهر موثّقة ابن بكير، ورواية عليّ بن أبي حمزة المتقدمتَيْن، فإن قلنا : إنَّ التقابل بين الميتة والمذكّى تقابل العدم والملكة ممَّا دلّ على بطلان الصّلاة في الميتة يُراد منه البطلان، لِفَقْد الشرط، وهو التذكية .
وإن قلنا : إنَّ التقابل بينهما تقابل الضدين فلا بدّ من الجمع حينئذٍ بين النصوص :
إمَّا بحمل ما دل على التذكية على كون المراد أنّ الميتة مانعة من الصحّة .
وإمَّا بحمل ما دلّ على كون الميتة مانعة على أنّ المراد كون التذكية شرط في الصحّة .
فإن قلنا : إنّ الميتة مانعة فيكون مقتضى الأصل عند الشكّ هو الصحّة، لأصالة عدم الموت، أي : عدم المانع .
وإن قلنا : إنّ التذكية شرط فيكون مقتضى الأصل هو الفساد، لأصالة عدم التذكية .
إذا عرفت ذلك فقد ذكر الفاضل التوني - رحمه الله - وتبعه السّيد الخوئي - رحمه الله - أنّ التقابل بينهما تقابل الضدين، وأنّ الميتة عبارة عمّا مات حتف أنفه، كما هو صريح المصباح المنير للفيومي .
وعليه، فيلزم على كلامها أن تكون هناك واسطة بين الميتة المذكّى، وهي ما لو مات بسبب غير شرعي، ولم يكن حتف الأنف، كما إذا قُتِل الحيوان، أو ذُبِح بدون تسمية، أو لم يكن مواجهاً للقبلة، ونحو ذلك، فلو كان الموضوع للنجاسة هو عنوان الميتة فيلزم أن تكون تلك الأمثلة المتقدّمة طاهرة، ولا يمكن الالتزام بذلك .
ومن هنا كان الإنصاف : أنّ التقابل بينهما هو تقابل العدم والملكة، وأنّ الميتة كما ذكر أغلب الأعلام، وأغلب اللغويين، منهم العلّامة الراغب الأصفهاني في مفرادات ألفاظ القرآن الكريم (ما زال روحه بغير تذكية)، إذ من الواضح أنّه لو لم يجتمع في الحيوان شرائط التذكية من فري الأوداج الأربعة بالحديد، مع التسمية، مواجها للقبلة، مع كون الذابح مسلماً، كان الحيوان ميتة، وإن لم يصدق عليه الموت حتف الأنف، كما إذا اجتمع فيه الشرائط ما عدا التسمية فإنّ الحيوان ميتة، مع أنّ موته ليس بحتف الأنف فالميتة عبارة عن غير المذكَّي، لا الموت .
نعم، التقابل بينهما وإن كان تقابل العدم والملكة، إلَّا أنّه ليس المراد من العدم هو العدم المحض، بل عدم خاص، وله حظّ من الوجود، فليس العمى مثلاً هو مجرد عدم البصر عمَّن من شأنه ذلك، بل المراد منه الاتصاف بعدم البصر، كما أنَّ الكفر هو الاتصاف بعدم الإسلام، لا مجرد عدم الإسلام .
وعليه، فالميتة عبارة عن الاتّصاف بعدم التذكية، لا مجرد عدمها .
إذا عرفت ذلك فنقول : يظهر من الأدلَّة أنّ موضوع جواز الأكل هو التذكية، كما يرشد إليه قوله : ﴿ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ[9]، فالمحرَّم هو الحيوان الذي لم تقع عليه التذكية .
كما أنَّه يظهر منها أنّ موضوع جواز الصّلاة فيه هو التذكية، كما في موثقة ابن بكير المتقدِّمة (إذا علمت أنَّه ذُكِّي وقد ذكَّاه الذابح) .
وأمَّا موضوع النجاسة فيظهر من جميع الأخبار أنَّ موضوعها هو الميتة إلَّا رواية قاسم الصيقل، حيث ورد في ذيلها (فإن كان ما تعمل وحشيّاً ذَكِيّاً فلا بأس)[10]، وظاهرها أنّ موضوع الطهارة هو التذكية، ولكنّها ضعيفة .



BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo