< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / في لباس المصلَّي /

قوله : (ويجوز الاستتار بكلّ ما يستر العورة ولو بالحشيش، وورق الشجر، مع تعذُّر الثوب، ولو تعذَّر ذلك فَطَيَّن العورة، وستَر حجمها ولونها، أجزأ مع التعذُّر، وفي الإيماء هنا نظر)[1]

لا إشكال في جواز الاستتار بكلّ ما يستر العورة، ولو بالحشيش وورق الشجر ونحوهما، وإنَّما الكلام في أنّ جواز الستر بالحشيش ونحوه، هل هو مخصوص بحال الضرورة أم يعمّ حال الاختيار ؟
فقد اختلف الأعلام في ذلك، فذهب المصنِّف ¬ هنا إلى وجوب السّتر بالثوب، ومع تعذّره فكلّ ما يستر العورة ولو بالحشيش وورق الشجر، ومع تعذّره فبالطين، ووافقه صاحب المدارك ¬، وذهب المصنِّف ¬ في الذكرى إلى التخيير بين الثوب والحشيش والورق، فإنْ تعذّر فبالطين، ووافقه جملة من الأعلام .
وفي البحار للعلَّامة المجلسي ¬ : ذهب الأكثر - ومنهم الشيخ والفاضلان والشهيد في البيان - إلى أنّه مخيّر بين الثوب والورق والطين ...[2]، أي : هذه الثلاثة ليست مقيّدة بحال الضرورة، وفي الذخيرة : أنَّ المشهور المنسوب إلى هؤلاء المذكورِين إنَّما هو وجوب تقديم الثوب، ثمّ التخيير بين الثلاثة المذكورة . وعبارة العلَّامة ¬ في الإرشاد ظاهرة في التخيير مطلقاً، وهو ظاهر الشهيد الثاني ¬ في الروض، وظاهر عبارتي المعتبر والمنتهى التخيير في الأربعة المذكورة .
وفي الجواهر : قوَّى عدم الفرق بين الثوب وغيره في جواز الستر به اختياراً، ولكنَّه لم يرَ الطين ونحوه من مصاديق الستر المعتبر في الصلاة ؛ نعم، لو خص الستر بالطين على حسب ما يحصل الستر بغيره من الأشياء المنفصلة عن الجسد، لا على سبيل الطلي اتّجه الإجزاء به اختياراً كغيره، وسيتضح لك - إن شاء الله تعالى - أنَّ ما ذكره صاحب الجواهر ¬ في محلّه .
وحاصل ما ذكره صاحب الجواهر ¬ : أنَّ عبارات الأصحاب وبعض معاقد إجماعاتهم، وإن أوهمت كون الستر بالحشيش وورق الستر بعد تعذَّر الثوب، حيث علّقوا الستر بورق الشجر والحشيش على ما إذا لم يجد ثوباً، إلَّا أنّه لا يخفى عليك أنّ الشرطيّة جارية مجرى العادة، فلا يفهم منها التعليق، والمتأمِّل في كلماتهم لا يكاد يشكّ في عدم إرادتهم الاشتراط .
إذا عرفت ذلك فنقول : قدِ استُدل لجواز السّتر بالورق والحشيش بما إذا تعذّر الثوب، بدعوى أنّ المتبادر من إطلاق ما دلّ على اشتراط السّتر في الصّلاة إرادة الفرد الشائع المتعارف، وهو الستر بالثوب .
وفيه أوَّلاً : أنَّه لا يوجد فيما بأيدينا من الأدلّة إطلاق لفظي مسوق لبيان هذا الحكم .
وإن شئت فقل : إنَّه لا يوجد أمر بالسّاتر حتّى يدعى انصرافه إلى المتعارف المعهود .
وعلى تقدير التسليم فلا نسلم انصرافه إلى نوع معهود، فإنّ الأمر بالسّتر على فرض وجوده لا يُراد منه إلّا ماهية السّتر من حيث هي، بل لو سلّم الانصراف فهو بدويّ يزول بالتأمّل، حيث إنَّ منشأه أُنْس الذهن بالمتعارف، ولذا لا يشكّ أحد في جواز السّتر بالألبسة المستحدثة التي لا تسمّى ثياباً .
وأمَّا النصوص المشتملة على الثوب والقميص والدرع والملحفة والقناع والخمار، ونحوها، فلا يُستفاد منها عدم الجواز بغيرها في حال الاختيار، لعدم ظهورها في التقييد بغير الحشيش والورق، ونحوهما، لاحتمال كون العناوين المذكورة في النصوص مثالاً لمطلق السّاتر، بحيث يكون ذكرها جارياً مجرى العادة، فلا تصلح دليلاً لنفي ساتريّة هذه الأمور في حال الاختيار .
وقدِ استُدلّ أيضاً لتقديم الثوب على غيره بصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى ‘ قال : سألته عن الرجل قُطِع عليه أو غرق متاعه، فبقي عرياناً، وحضرت الصَّلاة، كيف يصلّي ؟ قال : إنْ أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسّجود وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم [3]، حيث إنّها ظاهرة في جواز بالحشيش بعد فَقْد الثوب .
وفيه : أنّ فَقْد الثوب لم يُؤخذ قيداً لجواز التستّر بالحشيش في كلام الإمام ‘، وإنّما ذُكِر في مفروض السّؤال، والحكم بالتستّر بالحشيش ونحوه في الرواية إنّما وقع تبعاً للسّؤال، وهو تعذُّر الثوب، وذلك لا يقتضي عدم جواز السّتر به، وبنحوه من الورق وشبههما عند إمكان الثّوب .
والخلاصة : أنّه لا يوجد في الأدلّة اللفظيّة ما يدلّ على اشتراط السّتر بغير الثوب عند تعذّره .
وعليه، فعند الشكّ في جوز التستّر بالحشيش والورق، ونحوهما، فالأصل هو الجواز .
وتوضيحه : أنَّ الشكّ تارةً يكون في اعتبار هيئةٍ خاصةٍ في السّاتر بعد الفراغ عن كفاية الستر بمادته، كأن يكون الشكّ في اعتبار النسج في الصّوف أو القطن أو الوبر، ونحو ذلك ممَّا له قابليّة النسج واللُبْس، والمرجع حينئذٍ هو أصل البراءة للشكّ في اعتبار هيئةٍ خاصة، والأصل عدمها .
وأخرى يكون الشكّ في كفاية أصل المادة في تحقّق السّتر بالمأمور به، كالشكّ في الاجتزاء بالسّتر بالطين، ونحوه من المواد التي يُحتمل اعتبار خصوصيّةٍ في المأمور به - وهي القابلية للُّبْس - غير منطبقة عليها، فهنا في هذه الحالة يدور الأمر بين التعيين والتخيير، للشك في أنّ الساتر هل هو مقيَّد بذلك تعييناً، أو أنَّ المكلَّف مخيَّر بينه وبين الفاقد لتلك القابليَّة، والمرجع فيه أيضاً هو أصل البراءة عن خصوصيّة التعيين .
وقد عرفت سابقاً أّنه إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير فإنَّ الأصل هو البراءة عن خصوصيّة التعيين، إلَّا في مسألتين :
الأولى : فيما لو دار الأمر في الحجيّة بين التعيين والتخيير .
والثانية : في التزاحم في مرحلة الفعليّة فيما لو دار الأمر بين التعيين والتخيير، وفيما عدا لك فالأصل البراءة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo