< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/03/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / استحباب قضاء النوافل /
قوله : (ويجب أن يقضي الوليّ جميع ما فات الميّت، وخيَّر ابن الجنيد بينه وبين الصدقة المذكورة آنفاً، وبه قال المرتضى، وابن زهرة، وقال ابن إدريس وسبطه : لا يقضي إلّا ما فاته في مرضِ موته، وقال المحقِّق : يقضي ما فاته لعذرٍ، كمرض أو سفر، أو حيض بالنسبة إلى الصوم، لا ما تركه عمداً)
يقع الكلام في أمرين :
الأول : في المقتضي .
الثاني : في المقتضي عنه .
أمَّا بالنسبة للأمر الأول : فالمشهور بين الأعلام أنّه يجب على وليّ الميّت جميع ما فات الميت، ولو عمداً، منهم الشيخان، وابن أبي عقيل، وابن البراج، وابن جمزة، والفاضل في أكثر كتبه، والسيد محسن الحكيم في المستسمك، والسيد أبو القاسم الخوئي (رحمهم الله جميعا)، وهو الصحيح كما سيتضح لك .
وقال ابن إدريس (رحمه الله) - وتبعه سبطه نجيب الدين يحيى بن سعيد - : (والعليل إذا وجبت عليه فأخّرها عن أوقاتها حتّى مات قضاها عنه ولده الأكبر من الذُّكْرَان، ويقضي عنه ما فاته من الصِّيام الذي فرّط فيه، ولا يقضي عنه إلّا الصّلاة الفائتة في حال مرض موته فحسب، دون ما فاته من الصَّلوات في غير حال مرض الموت)، وظاهرهما أنّه لا يقضي إلّا ما فاته في مرض الموت فقط .
وأمَّا المحقِّق الحلي فقد وافق المشهور في المعتبر والشرائع، ولكنّه في البغداديّة له المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري قال : (الذي ظهر أنّ الولد يلزمه قضاء ما فات الميّت من صيامٍ وصدقةٍ لعُذر - كالمرض والسفر والحيض - لا ما تركه الميّت عمداً مع قدرته عليه) .
وظاهره اختصاص القضاء بما فات عن عذر فقط، لا مطلقاً، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى بعد نقل هذا الكلام عن المحقِّق (رحمه الله) في البغداديّة : ( وقد كان شيخنا عميد الدين - قدس الله لطيفه - ينصر هذا القول، ولا بأس به، فإنّ الرِّوايات تُحمَل على الغالب من الترك، وهو إنّما يكون على هذا الوجه، أمَّا تعمّد ترك الصَّلاة فإنّه نادر، نعم قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرئ للذمَّة، والظاهر أنَّه ملحق بالتعمد للتفريط ... ) .
والإنصاف : أنَّ إطلاق النص يقتضي عدم الفرق بين أسباب الفوت وبين العمد وغيره .
اُنظر إلى حسنة حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في الرجل يموت، وعليه صلاة أو صيام، قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه، قلت : فإن كان أولى النّاس به امرأة، قال : لا، إلَّا الرّجال)[1]، وهي مطلقة من حيث سبب الفوت، ومن حيث العمد وغيره .
وأمَّا القول : بأنَّ الروايات تحمل على الغالب من الترك، وهو عن عذر، كما عن المصنف (رحمه الله) في الذكرى ففي غير محلِّه، إذ لا وجه لهذا الحمل إلَّا الانصراف، وهو خارجي غير مضرٍّ بالإطلاق .
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى (ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال : سمعه يقول : الصَّلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميت يقضي عنه أولى أهله به)[2]، وردَت بطريقَيْن، وليس فيها نفي لِمَا عداها، إلَّا أن يُقال : قضية الأصل تقتضي عدم القضاء، إلّا ما وقع الاتفاق عليه، أو أنّ المتعمّد مؤاخذ بذنبه، فلا يناسب مؤاخذة الوليّ به، لقوله تعالى : (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
أقول :
أمَّا أوَّلاً : فإنَّ رواية عبد الله بن سنان ضعيفة بالإرسال، لأنّ هذه الرواية رواها علي بن موسى بن طاووس (رحمه الله) في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى، ولم يذكر طريقه إلى عبد الله بن سنان، فتكون الرواية مرسلة .
وأمَّا ما ذكر المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (أنَّها وردت بطريقين)، فلم يذكر لنا الشهيد (رحمه الله) الطريق الثاني حتَّى نرى مدى صحته فتكون مرسلة أيضاً بهذا الطريق .
وثانياً : إنَّ ما ذكره - من أنَّه ليس فيها نفي لِمَا عداها - صحيح، ولا غبار عليه .
نعم، قوله : ( إلَّا أن يُقال : قضية الأصل ... ) في غير محلِّه، إذ لا معنى للرجوع إلى الأصل مع وجود الدليل، وهو حسنة حفص المتقدِّمة .
وأمَّا قوله : (أنَّ المتعمد مؤاخَذ بذنبه ... )
فيرد عليه : أنّ المؤاخذة لا تنفي وجوب القضاء عنه لو ترك عمداً، وذلك لإطلاق حسنة حفص بن البختري .
وأمَّا قوله : فلا يناسب مؤاخذة الولي به، لقوله تعالى : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
ففيه : أنَّ الآية الشريفة مطلقة، فلو تمّ ما ذكره من عدم المناسبة لوجب المنع أيضاً من تحمّل ما فات الميِّت لعذر، مع أنَّه لا يقول به .
والعجب من السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله)، حيث ذكر أنَّ الآية الشريفة ناظرة إلى العقاب في الآخرة، فهي أجنبية عن محلِّ الكلام .
ووجه العجب : أنَّه لا إشكال في عدم اختصاصها في العقاب الأخروي، ولذا ترى جميع المسلمين يستدلّون بهذه الآية الشريفتة على عدم جواز قتل نفس بريئة بنفس أخرى قُتِلت ظلما أو حقا .
ثمَّ إنَّ مشهور الأعلام وجوب القضاء تعييناً، ولكن قال ابن الجنيد (رحمه الله) : (والعليل إذا وجبت عليه صلاة فأخّرها عن وقتها إلى أن مات قضاها عنه وليّه، كما يقضي عنه حجة الإسلام والصيام ببدنه، وإن جعل بدل ذلك مُدّاً لكلِّ ركعتين أجزأه، فإن لم يقدر فلكلّ أربع، فإن لم يقدر فمُد لصلاة النَّهار، ومُدٍّ لصلاة اللّيل، والصَّلاة أفضل، وكذا السيد (رحمه الله)، وكذا ابن زهرة، حيث قال : (ومن مات وعليه صلاة وجب على وليّه قضاؤها، وإن تصدّق عن كلّ ركعتين بمُدٍ أجزأه، فإن لم يستطع فعن كلِّ أربع بمُدٍّ، فإن لم يجد فمُدّ لصلاة النَّهار، ومُدّ لصلاة الليل، وذلك بدليل الإجماع، وطريقة الاحتياط) [3].
وظاهرهم التخيير بين القضاء وبين الصيغة، وليس لهم دليل إلَّا الإجماع المدعى، ولا يخفى ما فيه، لا سيَّما إجماعات ابن زهرة (رحمه الله) .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo