< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / استحباب قضاء النوافل /
قوله : ( ويستحبُّ قضاء النوافل الراتبة، ويتحرَّى ظنّه لو لم يعلم كمّيتها، ولو شقّ عليه أجزأ الصَّدقة لكلِّ ركعتين بمُدّ، فإن شقّ فلكلِّ أربعٍ مُدّ، فإن عجز فمُدّ لصلاة اللّيل، ومُدّ لصلاة النَّهار، والصَّلاة أفضل )
ادَّعى جماعة كثيرة : الإجماع على استحباب قضاء النوافل الرَّاتبة، بل ظاهر عبارة المصنِّف ¬ في الذكرى : الإجماع على استحباب قضاء النوافل المؤقَّتة، وإن لم تكن راتبة، كصلاة أوّل الشّهر، والصّلوات الواردة في ليالي شهر رمضان، ونحوها، قال ¬ في الذكرى : ©يستحبّ قضاء النوافل الموقّتة بإجماع علمائنا ... ® ؛ اللّهمَّ إلَّا أن يكون مراده من المؤقّتة هي الراتبة .
ومهما يكن، فيُستفاد استحباب قضاء النوافل الموقتة، وإن لم تكن راتبة، من بعض النصوص، كصحيحة عبد الله بن سنان ©قال : سمعتُ أبَا عبد الله ‘ يقولُ : إِنَّ الْعَبْدَ يَقُومُ فَيَقْضِي النَّافِلَةَ فَيُعَجِّبُ الرَّبُّ مَلَائِكَتَه مِنْه، فَيَقُولُ : يَا مَلَائِكَتِي ! عَبْدِي يَقْضِي مَا لَمْ أَفْتَرِضْه عَلَيْه ®[1]، فإنَّها مطلقة تشمل غير الرواتب .
ومثلها موثّقة عاصم بن حميد ©قال : قال أبو عبد الله ‘ : إنَّ الربَّ ليُعَجِّب ملائكته من العبدِ من عباده، يراه يقضي النوافل (النافلة خ ل) فيقول : اُنظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه®[2] ؛ وأمَّا دعوى الإنصراف إلى النافلة المرتبة فَعُهْدَتُها على مدّعيها .
وممَّا ذكرنا يتضح لك عدم صحَّة ما ذكره المحقِّق الهمداني ¬، تبعاً لصاحب الجواهر ¬ من عدم استحباب قضاء النوافل المؤقتة إذا لم تكن راتبة، لقصور النصوص الواردة في قضاء النوافل عن شموله ؛ وقد عرفت أنَّ النصوص غير قاصرة الشُّمول، بل هي مطلقة .
وأمَّا ما ذكره صاحب الجواهر ¬ من الدليل على عدم المشروعيَّة، وهو التصريح في بعض الأخبار بالتقييد بالراتبة .
ففيه : أنَّ التقييد بها لا ينافي الإطلاق في بعض الأخبار المتقدَّمة، لأنَّ قانون الإطلاق والتقييد لا يجري في الاستحباب، كما تقدّمت الإشارة إليه في أكثر من مناسبة .
وعليه، فلا موجب لحمل المطلق على المقيّد فيها .
والخلاصة : أنَّ هناك تسالماً على استحباب قضاء النوافل الرّاتبة، بحيث خرج الإجماع المدَّعى عن كونه إجماعاً اصطلاحيّاً .
ويدلَّ على استحباب قضاء الرَّاتبة أيضاً عدَّة من الأخبار :
منها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ‘ ©قال : قلتُ له : أخبرني عن رجلٍ عليه من صلاةِ النوافلِ ما لا يدري ما هو من كثرتها، كيف يصنع ؟ قال : فليصلِّ حتّى لا يدري كم صلَّى من كثرتها، فيكون قد قضى علمه (ما علمه خ ل) من ذلك، ثمَّ قال : قلت له : فإنَّه لا يقدر على القضاء، فقال : إن كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل بها عن الصَّلاة فعليه القضاء، وإلَّا لقى الله وهو مستخفٍّ متهاونٍ مضيِّعٍ لحرمةِ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قلت : فإنَّه لا يقدر على القضاء، فهل يجزي أن يتصدّق ؟ فسكت مليّاً، ثمَّ قال : فليتصدَّق بصدقة، قلتُ : فما يتصدَّق ؟، قال : بقدر طَوْله، وأدنى ذلك مُدٌّ لكلِّ مسكين مكان كلِّ صلاة، قلت : وكم الصَّلاة التي يجب فيها مُدٌ لكلِّ مسكين، قال : لكلِّ ركعتين من صلاة اللّيل مُدٌّ، ولكلِّ ركعتين من صلاة النَّهار مُدٌّ، فقلت : لا يقدر، قال : مُدٌّ لكلِّ أربعِ ركعاتٍ من صلاة النَّهار، وأربعِ ركعاتٍ من صلاة اللّيل، قلت : لا يقدر، قال : فمُدٌّ إذاً لصلاة اللَّيل، ومُدٌّ لصلاةِ النَّهار، والصَّلاة أفضل، والصَّلاة أفضل، والصَّلاة أفضل®[3]، وكذا غيره الرِّوايات الكثيرة .

قوله : ( والمريض لا يتأكّد عليه قضاء ما فاته منها، ولكن يتصدّق )
ويدلّ على عدم التأكّد حسنة مرازم بن حكيم الأزدي ©أنه قال : مَرِضْتُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ أَتَنَفَّلْ فِيهَا، فقلتُ لأبي عبد الله ‘، فَقَالَ : لَيْسَ عَلَيْكَ قَضَاءٌ، إِنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ كَالصَّحِيحِ، كُلُّ مَا غَلَبَ اللَّه عَلَيْه فَاللَّه أَوْلَى بِالْعُذْرِ فِيه ®[4]، وصحيحة العيص بن القاسم ©قال : سألت أبا عبد الله ‘ عن رجلٍ اجتمع عليه صلاة السنة من مرضٍ، قال : لا يقضي®[5].
وإنَّما حملنا ذلك على عدم التأكُّد لقول أبي جعفر ‘ في صحيحة محمَّد بن مسلم ©قلتُ له : رجلٌ مرض فترك النافلة، فقال : يا محمد ! ليس بفريضة، إن قضاها فهو خير يفعله، وإن لم يفعل فلا شيء عليه®[6].
وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة بطريق الشيخ الصدوق ¬ إلى محمد بن مسلم، لوجود علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، وأبيه، في السند، وهما غير مذكورَيْن، إلَّا أنّها صحيحة في العِلل، كما أنَّها حسنة بطريق الكليني والشيخ (رحمهما الله) .

قوله ( ويستحبّ تعجيل فائتةِ النّهارِ ليلاً، وبالعكس )
قال المصنِّف ¬ في الذكرى ©يستحبُّ تعجيل فائتةِ النَّهار باللّيل، وبالعكس، قاله الأكثر، لعموم : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ... ® [7].
أقول : يدلّ عليه صحيحة عنبسة العابد ©قال : سألت أبا عبد الله عن قول الله - عزَّوجل - : {{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}}وهو الّذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً، قال : قضاءُ صلاةٍ اللّيل بالنّهار، وصلاة النَّهار باللّيل®[8].
ومرسلة الصدوق ¬ في الفقيه ©قال : وقال الصادق ‘ : كلّ ما فاتك من صلاة اللّيل فاقضه بالنّهار، قال الله - تبارك وتعالى - : وهو الّذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً، يعني أنْ يقضي الرّجل ما فاته باللّيل بالنّهار، وما فاته بالنَّهار باللّيل، واقضِ ما فاتك من صلاة الليل، أي : وقت شئت من ليلٍ أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة®[9]، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .
وخبر جميل عن أبي عبد الله ‘ ©قال : قال له رجل : ربّما فاتتني صلاة اللّيل الشهر والشَّهرين، والثلاثة فأقضيها بالنَّهار، أيجوز ذلك ؟ قال : قرّة عين لك، والله ثلاثاً، إنَّ الله يقول : وهو الّذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً، فهو قضاء صلاة النَّهار باللّيل وقضاء صلاة اللّيل بالنّهار، وهو من سرِّ آل محمّدٍ المكنون®[10]، ولكنّه ضعيف بصالح بن عقبة .
ويدلّ عليه أيضاً صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله ‘ ©قال : إنَّ علي بن الحسين ‘ كان إذا فاته شيء من اللّيل قضاه بالنَّهار، وإن فاته شيء من اليوم قضاء من الغد، أو في الجُمُعة، أو في الشَّهر، وكان إذا اجتمعت عليه الأشياء قضاها في شعبان حتّى يكمل له عمل السنّة كلّها كاملة®[11].


ويدلّ عليه أيضاً ما ذكره المصنِّف ¬ في الذّكرى ©قال : روى ابن أبي قرة بإسناده إلى إسحاق بن حمّاد عن إسحاق بن عمّار قال : لقيتُ أبا عبد الله ‘ بالقادسيّة عند قدومه على أبي العبَّاس، فأقبل حتَّى انتهينا إلى طرناباد (طراناباد خ ل)[12]، فإذا نحن برجلٍ على ساقيةٍ يصلِّي، وذلك ارتفاع النَّهار، فوقف عليه أبو عبد الله ‘، وقال : يا عبد الله ! أيُّ شيءٍ تصلِّي، فقال : صلاة الليل فاتتني أقضيها بالنهار، فاقل : يا معتب ! حطّ رَحْلك حتّى نتغدى مع الذي يقضي صلاة اللّيل، فقلت : جعلت فداك ! تروي فيه شيئاً، فقال : حدثني أبي عن آبائه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنَّ الله يباهي بالعبد يقضي صلاة اللّيل بالنَّهار، يقول : يا ملائكتي ! انظروا إلى عبدي كيف يقضي ما لم أفترض عليه، أشهدكم إنِّي قد غفرت له®[13]، ولكنَّها ضعيفة أيضاً، لجهالة طريق المصنِّف ¬ إلى كتاب ابن أبي قرة، وجهالة طريق ابن أبي قرة إلى إسحاق بن حماد، وجهالة ابن أبي قرَّة نفسه، وجهالة إسحاق بن حماد .


قوله : ( وروي تحري مثل وقت الفوات )
كما في موثّقة زرارة ©قال : سألت أبا جعفر ‘ عن قضاءِ صلاة اللّيل، قال : اِقضها في وقتها التي صلّيت فيه، فقال : قلت : يكون وتران في ليلة ؟! قال : ليس هو وتران في ليلة، أحدهما لما فاتك®[14].
وصحيحة سليمان الجعفي ©قال : قال أبو جعفر ‘ : أفضل النوافل قضاء صلاة اللّيل باللّيل، وصلاة النّهار بالنّهار، قلت : ويكون وتران في ليلة ؟! قال : لا، قلتُ : ولِمَ تأمرني أن أُوتر وترَيْن في ليلةٍ ؟! فقال : أحدهما قضاء®[15]



[12] طرناباد أو طراناباد - والصواب طيزناباد، نسبت إلى ضيزن ابن معاوية بن عمرو بن العبيد السليحي - : ©موضع بين الكوفة والقادسية على حافّة الطريق على جادة الحاج، وبينها وبين القادسيّة ميل، وفيها مزارع . . . ® (.معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج4، ص55) .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo