< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/02/17

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فقه / الصَّلاة / صلاة القضاء وأحكامها /
وقال العلامة في المنتهى : (لو قلنا : إنّ الأمر هنا للتضييق لزم الحرج العظيم، وهو عدم التشاغل بشيء من الأشياء إلّا بالفوائت، إلّا الأمور الضروريّة، وأن لا يأكل الإنسان إلّا قدر الضرورة، ولا يسعى إلّا في تحصيل الرزق الضروري لذلك اليوم، وكلّ ذلك منفي بالإجماع) [1].
وقال في المختلف ما محصّله : (الذي ينبغي ذكره هنا أنّ القول بتحريم الحاضرة في أوّل وقتها مع القول بجواز غيرها من الأفعال ممّا لا يجتمعان، والثاني ثابت بالإجماع على عدم إفتاء أحد من فقهاء الأمصار من جميع الأعصار بتحريم زيادة لقمة، أو شرب جرعة، أو طلب الاستراحة من غير تعبٍ شديد، أو المنع من فعل الطاعات الواجبة والمندوبة لِمَنْ عليه قضاء فيلزم انتفاء الأوَّل)[2].
أقول : سواء كانت عبارة الفاضلَيْن صريحة في الإجماع، أو غير صريحة، فلا ينفع في المقام، لما عرفت من عدم شمول حجيّة خبر الواحد للإجماع المنقول بخبر الواحد، فدعوى الإجماع إنما تصلح للتأييد، لا للاستدلال .
ومنها : أدلّة نفي العسر والحرج، إذ يلزم من المضايقة ووجوب المبادرة عدم التشاغل بشيء من الأشياء إلّا بالفوائت إلّا الأمور الضرورية، وأن لا يأكل الإنسان إلّا قدر الضرورة، ولا يسعى إلّا في تحصيل الرزق الضروري لذلك اليوم، وكلّ ذلك حرج عظيم منفي بالشريعة .
وبالجملة، يلزم تحريم سائر المضادات - بناءً على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده كما هو المشهور - وإن كانت أذكاراً، ودعوات، إلَّا ما تقوم به الحياة، وتمسّ إليه الضرورات المحتاج أيضاً إلى معرفة أقلّ المجزى منه، بل لعلّ الأقلّ من ذلك منافٍ للّلطف المراد منه بعد العبد عن المعصية وقربه إلى الطاعات الذي أوجبه على نفسه ربّ السّماوات الرؤوف الرحيم والعليم الحكيم، بل هو مؤدّ في الحقيقة إلى تضييع أعظم مصلحة حالة لأهون مصلحة فائتة .
وفيه : أنَّ المنفي في الشريفة الإسلاميّة كما ذكرنا في الأصول هو الحرج الشخصي لا النوعي، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، وكميّة القضاء من حيث القلّة والكثرة، فقد لا تكون المبادرة حرجيّة على شخص لعلّة مقدار الفائتة، أو كان المكلّف قويّاً قادراً على المبادرة إلى قضاء جميع الفائتات من دون حرج عليه، وهذا بخلاف ما لو كانت الفوائت كثيرة، أو كان المكلّف ضعيفاً، فتكون المبادرة حينئذٍ حرجيّة عليه .
وبالجملة، فلا ضابطة كليّة في المقام، هذا أوّلاً.
وثانياً : لو فرضنا لزوم الحرج من المبادرة إلى القضاء لكون الفوائت كثيرة مثلاً، فالساقط حينئذٍ من وجوب المبادرة للحرج هو خصوص المرتبة البالغة حدّ الحرج، ولا موجب لسقوطه عن الأقلّ من ذلك، إذ لا حرج فيه .
هذا، وقد ذكر السيد أبو القاسم الخوئي : (أنّ دليل نفي الحرج غير جارٍ في المقام أصلاً، فإنّه كدليل نفي الضرر إنما يجري ويكون حاكماً على أدلّة التكاليف الواقعية فيما كان التكليف بالإضافة إليهما لا بشرط، وأمَّا إذا كان التكليف ممّا قد شرّع في مورد الحرج - كالجهاد - أو الضرر - كالخمس والزكاة - فكان ملحوظاً بالإضافة إليهما بشرط شيء فلا يكاد يجري في مثله دليل نفي الحرج أو الضرر، والمقام من هذا القبيل فإنّ أدلّة القول بالمضايقة - على تقدير تماميتها - إنّما كان مفادها وجوب المبادرة إلى القضاء الذي هو في نفسه حكم حرجي، فكيف يمكن رفعه بدليل نفي الحرج ؟! ) [3].
وفيه : أنّ وجوب المبادرة إلى القضاء ليس حرجيّاً في حدّ نفسه، بل يختلف باختلاف الأشخاص قوةً وضعفاً، وكثرة الفوائت وقلّتها، فقد يكون حرجاً على شخصٍ دون شخص .
وعليه، فليس هو حرجيّاً في حدِّ ذاته كالجهاد .
كما أنَّ تنظيره لذلك بالحكم الضرري كالخمس والزكاة في غير محلّه، لأنّ الخمس ولزكاة دائماً يكون ضرراً على المكلّف وإن كانا قليلين، إذ الضرر المالي هو النقص فيه، وهو حاصل في مورد القلّة كحصوله في الكثرة .
والخلاصة : أنَّ المرفوع في دليل نفي الحرج هو الحرج والمشقة العظيمين، لا مطلق الحرج والمشقة، وإلّا فلا يخلو عنهما تكليف واجب .
أضف إلى ذلك : أنّ كثيراً ممّا ذكر من الأمور الحرجيّة إنّما هي مبنيّة على القول بحرمة الضد، وقد عرفت في محلّه أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده، والله العالم .
ومنها : سيرة المسلمين خلفاً عن سلف، فإنّه قلّ مَنْ لم يتعلق بذمته فائتة ولو لإخلال شرط أو ترك تقليد، ومع ذلك ينامون ويجلسون ويكتبون ويصلّون في اوائل الأوقات، مع أنّ المشهور عندهم أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده .
قال صاحب الجواهر : (يمكن تحصيل الإجماع - بمعنى القطع برأي المعصوم - على المواسعة في الجملة، ونفي المضايقة كذلك، إن لم يكن مطلقاً إذا لوحظ السيرة والطريقة من كافّة المسلمين في الأعصار والأمصار في عدم الالتزام بالمبادرة إلى الفائتة وتقديمها على الحاضرة في السِّعة، حتّى أنّ مقلّدة أرباب المضايقة لا يتابعونهم في العلم على ذلك، فضلاً عن غيرهم ؛ وكلام مَنْ عرفت من العلماء الذين فيهم مَنْ هو في زمن المعصوم، ومن أدرك الغيبتين، وحاز الرياستين، وقلّة القائلين بالمضايقة إذ هم عشرة أو ثمانية أو سبعة أو ستة أو غير ذلك، بل كان الإجماع قد استقرّ بعد زمان الحلي على نفي المضايقة ... ) [4].
وفيه : أنّه يشكل الاعتماد على مثل هذه السيرة التي قد يكون منشأها قلّة المبالاة بالدَيْن، لجريان هذا الكلام بعينه في حقوق الناس التي لا شبهة في فوريّتها، إذ قلّ من لم يتعلّق بذمّته شيء من الحقوق من الأخماس والزّكوات والديون والغرامات، وسائر الحقوق التي يجب الاستحلال من صاحبها من إيذاء، أو قذف، وسبّ، ونحوها، مع أنّه قلّ مَنْ يبادر من المسلمين إلى تفريغ ذمّته من جميع ذلك فوراً، مع أنّه بناء على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده يلزم أن تكون كل الأفعال المضادة لأداء الحق منهيّاً عنها .
والإنصاف : أنّ قضية الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، وإن كان مشهوراً بين الأصوليين إلّا أنّ عامّة النّاس لا يعرفونه، بل وكذلك كثير من الأعلام، إذ لم يعهد عنهم الالتزام بما يتفرع على هذه المسألة الأصوليّة في سائر أبواب المقابلة الضرورة،، وقد عرفت أنّنا قد التزمنا في علم الأصول أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده، والله العالم .
ومنها : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله ‘ (قال : إن نام رجل، ولم يصلِ صلاة المغرب والعشاء أو نسي، فإنِ استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما، فليصليهما، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، وإن استيقظ بعد الفجر فَلْيبدأ، فليصلِ الفجر، ثمّ المغرب، ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشَّمس، فإن خاف أن تطلع الشَّمس فتفوته إحدى الصَّلاتين فليصل المغرب، ويدع العشاء الآخرة حّتى تطلع الشَّمس ويذهب شعاعها، ثم ليصلّها) [5].
وحكي نحوها عن رسالة السيد ابن طاووس عن كتاب الحسين بن سعيد، ولكن ابن طاووس لم يذكر طريقه إلى كتاب الحسين بن سعيد فتكون مرسلة، ولكنّها صحيحة بطريق الشيخ، وهذا كافٍ في المقام .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo