< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / في لباس المصلَّي /

ومثله ما ذكره الشيخ جعفر كاشف الغطاء (رحمه الله) من (أنَّه لا خفاء في وجوب الستر مطلقاً عقلاً ونقلاً، وعدم جواز كشفها كذلك، وأيّ عاقلٍ يرضى بأن يكشف عورته على الناس من تحتٍ لكون الكشف من تحت حلالاً، أيّ عاقل يرضى بالحلية الكشف بوجه من الوجوه ... ).
والإنصاف : أنَّ ما ذكروه لا يصلح أن يكون دليلاً في المقام، إذ لو صحّ ما ذكروه لكان مقتضاه جواز الصّلاة عارياً في الحفيرة التي يساوي فراغها بدن المصلّي، ولصحّت الصّلاة أيضاً في المكان إذا كان فيه جدار، وكان المصلّي متصلاً بالجدار حال القيام ومكشوف القُبُل، وكذلك ذلك ممَّا لا يمكن الالتزام به .
والصحيح أن يُقال : إنَّ المناط هو حصول الستر عرفاً مطلقاً، وعدم حصوله، فلو وقف المصلّي على شبّاك موضوع على بئر، ونحوها، ممَّا لا يتوقّع معه الناظر، ولو شأناً، فليس حاله عند العرف في صدق كونه مستور العين إلَّا كحال من صلّى على الأرض .
نعم، لو كان الشبّاك ونحوه في مكان من شأنه التطلّع على عورته من جهة التحت اتّجه الالتزام بوجوب الستر من جهة التحت أيضاً، فإنّه لا يصدق بدونه حينئذٍ ستره العورة على الإطلاق في العرف، والله العالم .
قوله : (ولو فقد السّاتر أصلاً صلَّى عارياً مع أَمْن المطلع، وجالساً مع وجوده، ويُومِئ برأسه للركوع والسّجود، والسجود أزيد، وقال المرتضى : يصلّي جالساً مطلقاً، وابن إدريس : قائماً مطلقاً)[1]
[1] تسالم الأعلام على أنَّ الصّلاة لا تسقط مع عدم السّاتر، إذ الصّلاة لا تسقط بحال من الأحوال ما عدا الطهورين، وإنَّما اختلفوا في كيفيّة صلاة العاري، فالمشهور بينهم أنّه يصلّي قائماً إن أمن المطلع، وجالساً مع عدمه، ويومِئ في الحالين للركوع والسّجود .
وذهب المحقّق (رحمه الله) في المعتبر إلى التخيير بين الأمرين، من غير فرق بين الأمن من المطلع وعدمه، وحُكِي عن السّيد المرتضى (رحمه الله) : أنَّه يصلّي جالساً مومياً وإن أمن المطلع، وعن ابن إدريس (رحمه الله) : أنَّه يصلّي قائماً مومياً في الحالين، وعن ابن زهرة : أنَّ العريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلّى قائماً وركع وسجد، وإلَّا صلّى جالساً مومياً مدعيّاً عليه الإجماع، وقواه صاحب الجواهر (رحمه الله)، وعن السيد عميد الدين : أنَّه إذا كان يصلّي قائماً فالأقوى له أن يجلس ليُومِئ للسّجود، نظراً إلى أنّه حينئذٍ أقرب إلى هيئة السّاجد .
وذهب المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى إلى وجوب الانحناء في الركوع والسجود الممكن بحيث لا تبدو معه العورة، ولا يكفي الإيماء، ويجب أيضاً أن يجعل السّجود أخفض، محافظة على الفرق بينه وبين الركوع، واحتمل وجوب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلَيْن في السّجود على الكيفيّة المعتبرة في السّجود .
إذا عرفت ذلك فنقول : إنَّ مستند المشهور هو الجمع بين ما دلّ على وجوب القيام والإيماء مطلقاً، وبين ما دلّ على وجوب الجلوس والإيماء مطلقاً .
أمَّا ما دلّ على وجوب القيام والإيماء مطلقاً فهو عدَّة من الأخبار :
منها : صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة - حيث ورد في ذيلها - (وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم)[2].
ومنها : موثّقة سماعة على رواية التهذيب (قال : سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب وليس عليه إلَّا ثوب فأجنب فيه، وليس يجد الماء، قال : يتيمَّم، ويصلّي عرياناً قائماً يُومِئ إيماءً)[3]، ورواه الكليني (رحمه الله) في الكافي قاعداً، والكافي وإن كان أضبط إلَّا أن نسخة الكافي لا تقدّم هنا، إذ بيعد جداً حمل نسخة التهذيب على الاشتباه، لأنّ الشيخ (رحمه الله) رواها في الاستبصار عن الكافي بلفظ قاعداً .
وعليه، فهو ملتفت إلى اختلاف النسخ، ومع ذلك رواها (قائماً) .
نعم، تسقط هذه الرواية للعلم الإجمالي بصدور إحدى النسختَيْن، فلا يصحّ الاستدلال بها، لا على الصّلاة قائماً، ولا عليها جالساً .
ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال - في حديث - ( وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلّد السيف ويصلّي قائماً)[4].
وأمَّا ما دلّ على وجوب الجلوس والإيماء مطلقاً فعدَّة أخبار :
منها : حسنة زرارة (قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل خرج من سفينة عرياناً، أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه، فقال : يصلّي إيماءً وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلاً وضع يده على سوأته، ثم يجلسان فيوميان إيماءً، ولا يسجدان، ولا يركعان فيبدو ما خلفهما تكون صلاتهما إيماءً برؤوسهما ... )[5].
ومنها : رواية أبي البختري وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) (أنّه قال : من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يُومِئ إيماءً يجعل سجوده أخفض من ركوعه فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمّ صلّوا كذلك فرادى)[6]، ولكنّها ضعيفة بأبي البختري، وقيل : إنّه أكذب البريّة .
ومنها : خبر محمّد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة، ّوليس عليه إلّا ثوب واحد، وأصاب ثوبه منيّ، قال : يتيمّم، ويطرح ثوبه، ويجلس مجتمعاً فيصلّي، ويُومِئ إيماءً)[7]، ولكنَّه ضعيف لعدم وثاقة محمّد بن عبد الحميد، لأنّ التوثيق في كلام النجاشي (رحمه الله) راجع إلى الأب، وأمّا وجوده في كامل الزيارات فلا ينفع، لأنّه ليس من مشايخه المباشرين .
ويشهد للجمع بين الطائفتين مرسل الفقيه[8] الظاهر اتّحاده مع مرسل ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصّلاة، قال : يصلّي قائماً إن لم يرَه أحد، فإن رآه أحد صلّى جالساً)، ولكنهما ضعيفان بالإرسال .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo