< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/05/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / في لباس المصلَّي /
ثمَّ إنّ ما ذكرناه بالنسبة للطين إنّما هو فيما لو حصل الستر به على حسب ما يحصل الستر بغيره من
الأشياء المنفصلة عن الجسد، لا على سبيل الطلي به، وإلّا فمن الواضح أنّه لا يخرج الشخص بطلي الطين أو الحناء ونحوه عن مصداق اسم العاري، إذ لا يخطر في الذّهن مثل الطين والوحل والماء الكدر من عموم الشيء في قوله ‘ في صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة : (فإن لم يجد شيئاً يستر به عورته)، إذ الطّين والماء الكدر، ونحوه، ليس شبه الثوب والملحفة والدّرع والخمار والحشيش والورق، ونحوها، فلا يخرج الشخص بذلك عن مصداق العاري .
نعم، لا يبعد الاكتفاء بذلك في السّتر الذي قصد به حفظ الفرج عن النظر، حيث إنّ المقصود بالسّتر في ذلك الباب مجرد المنع عن تعلّق الرؤية، وهذا المعنى يحصل بالطين كما يحصل بالسّتر باليدين وبالإليتين، وبالبعد المفرط، أو الاستتار في مكان مظلم، هذا كلّه حال الاختيار .
وأمَّا في حال الاضطرار فقال المصنف (رحمه الله) هنا - أي في الدروس - : (ولو تعذَّر فَطَيَّن العورة، وستر حجمها ولونها، أجزأ، ولو بقي الحجم، وستر اللون، أجزأ مع التعذّر، وفي الإيماء هنا نظر) [1]، وقال في الذكرى : (وفي سقوط الإيماء هنا نظر من حيث إطلاق الستر عليه ومن إباء العرف )[2].
ولكن الإنصاف : هو الصّلاة قائماً بركوع وسجود، لأنّ ستر العورة عن الناظر المحترم حاصل بالطلي بالطّين أو النورة، وأمّا ما ذكره المصنّف (رحمه الله) في إباء العرف، في غير محلّه لحصول السّتر به في مورد الاضطرار .
ثمّ لا فرق فيما ذكرناه من خفاء اللون والحجم معاّ، أم خفاء اللون فقط .
قوله : (ولو وجد ماء كدر، ولا ساتر غيره استتر به) .
كما عرفته فيما تقدم .
قوله : ( ولو لم يجد إلا حفيرة ولجها، ويركع ويسجد عن المحقق للرواية) .
ذكر جماعة من الأعلام أنه إذا وجد حفيرة دخلها وصلّى قائماً ويركع ويسجد، وذكر المصنف (رحمه الله) في البيان : (أنّه صلّى قائماً أو جالساً ويركع ويسجد إن أمكن، وعن المبسوط ونهاية الأحكام والمهذّب البارع : أنّه يصلي قائماً، ولم يذكر الركوع والسجود، وظاهر العلَّامة في التذكرة، والمصنّف في الذكرى وهنا في الدروس : التوقّف فيهما، لاقتصارهما على نسبة ذلك للبعض، وعلّل المحقّق وجوب الركوع والسجود : بأن السّتر يحصّل المنع عن المشاهدة، ولا نسلّم أنّ التصاق الساتر شرط .
ويؤيِّد ذلك : ما رواه أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها، ويسجد فيها، ويركع)[3].
أقول : أمَّا جعله الرواية مؤيِّدة ففي محلّه، لأنّها ضعيفة بالإرسال، فلا تصلح أن تكون دليلاً .
وأمَّا قوله : (إنَّ السّتر يحصّل المنع ... ) .
فيرد عليه : أنّه لو صحّ ذلك لصحّت صلاة من صلّى عارياً في دار مغلقة عليه، أو بيت مظلم، لا يراه أحد، مع أنّه لا خلاف في عدم جواز ذلك، ولا ريب أنَّ الحفيرة المشتملة على الخلاء بحيث يركع، ويسجد، ويجلس فيها، من قبيل ما ذكرناه، وإن تفاوت الاتساع قلّةً وكثرةً .
وبالجملة، فإنَّ مثله يصدق عليه أنّه عارٍ لغةً وعرفاً، فإذا كانت الحفرة تسع سجوده فهي كحجرة لا يجدي ولوجها .
ثمَّ لا يخفى أنّ ما ذكرناه من الإشكال - من حيث عدم صدق الستر في ولوج الحفيرة - إنَّما يتمّ إذا كان العاري الآمن من المطلع حكمه الإيماء .
وأمَّا إذا قلنا : بأنَّه يركع ويسجد، فلا إشكال حينئذٍ، وتكون الرواية المرسلة منزّلة على ولوج الحفرة ليأمن بها عن المطلع، ويركع ويسجد، والله العالم .
قوله : (ويجب شراء السَّاتر، أو استئجاره، وإن زاد عن عوض المثل، مع القدرة وعدم التضرّر) .
هذا هو المعروف بين الأعلام، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (يجب شراء السّاتر بثمن مثله مع المكنة، أو استيجاره ولو زاد على المثل، وتمكّن منه، فالأقرب : أنّه كالطَّهارة، ولو أُعِير وجب القبول، إذ لا كثيرَ منَّة فيه ؛ ولو وُهِب منه : قطع الشيخ بوجوب القبول أيضاً، وهو قويّ، لتمكّنه من السّتر ... )[4].
أقول : ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) في غاية الصّحّة والمتانة، لوجوب تحصيل مقدِّمات الواجب المطلق، ولو استلزم صرف المال الكثير ما لم يبلغ حدّ الإجحاف والإضرار بالحال، فيرتفع حينئذٍ بدليل نفي الحرج والضّرر .
وأمّا لو وُهِب : فيجب عليه القبول، كما عرفت، وضعَّفه العلَّامة (رحمه الله) في التذكرة، بأنَّه يستلزم المنَّة .
والظاهر : أنَّ ما استند إليه (رحمه الله) في التذكرة قد تبع فيه العامَّة، قال في المنتهى : (أمَّا لو وجد من يهبه الثّوب، قال الشيخ : يجب عليه القبول، خلافاً لبعض الجمهور، وقول الشيخ : جيد، لأنَّه متمكّن فيجب كما يجب قبول العارية، احتج المخالف بأنّه تلحقة المنّة، وجوابه : العارُ الذي لحقه بسبب انكشاف عورته أعظم من المنّة)[5] هذا هو الصحيح، والله العالم .
قوله : (ولا يراعى السّتر من تحت) .
لا إشكال في عدم وجوب رعاية السّتر من تحت، وذلك للسّيرة القطعيّة في جميع الأعصار والأمصار من العوام والعلماء .
ويقتضيه ما دلّ على الاكتفاء بالدّرع والقميص اللذين لا يستران العورة من جهة التحت، وعدم وجوب السّراويل والاستثفار، ونحوهما، هذا كلّه في غير الواقف على طرف سطح، بحيث ترى عورته لو نظر إليها .
وأمَّا فيه فقد جزم جماعة من الأعلام بالوجوب، وبطلان الصّلاة بدونه، وتردَّد المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى من ( أنّ السّتر إنّما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها، ومن أنَّه من تحت إنّما لا ترى إذا كان على وجه الأرض، لعسر التطلع حينئذٍ، لا مطلقاً - ثمّ قال : - لو قام على مخرم لا يتوقّع ناظر تحته فالأقرب أنّه كالأرض، لعدم ابتدار الأعين)[6].
أقول : ذكر جماعة من الأعلام، منهم السّيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله)، حيث قال (رحمه الله) : (أنَّ إمعان النظر في العلَّة الباعثة على إيجاب السّتر من التجنب عن انتهاك الحرمة، وعدم كون المصلي على حالة سيئة ذميمة لعلَّه يشرف الفقيه - ولو بمناسبة الحكم والموضوع - على القطع بعدم الفرق بينها وبين التحت، فيما إذا كان معرّضاً للنظر، كما لو وقف على سطح مخرم أو شباك أو على طرف السطح ... )[7].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo