< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ حكم الصلاة مع النجاسة وأحكام الآنية
 منها: صحيح بنِ بَزِيعٍ قَالَ: ( سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع عَنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ : فَكَرِهَهُمَا ، فَقُلْتُ : قَدْ رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّه كَانَ لأَبِي الْحَسَنِ مِرْآةٌ مُلَبَّسَةٌ فِضَّةً ، فَقَالَ لَا ، والْحَمْدُ لِلَّه ، إِنَّمَا كَانَتْ لَهَا حَلْقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وهِيَ عِنْدِي ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْعَبَّاسَ حِينَ عُذِرَ عُمِلَ لَه قَضِيبٌ مُلَبَّسٌ مِنْ فِضَّةٍ ، مِنْ نَحْوِ مَا يُعْمَلُ لِلصِّبْيَانِ ، تَكُونُ فِضَّتُه نَحْواً مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، فَأَمَرَ بِه أَبُو الْحَسَنِ فَكُسِرَ ) [1]
 قال صاحب الحدائق: ( العُذْر : بالعين المهملة ، ثمَّ الذَّال المعجمة ، بمعنى الاختتان ، وعُذْر الغلام : اختتانه )
 ومنها: صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله ع ( أنَّه كَرِه آنية الذهب ، والفضة ، والآنية المفضَّضة ) [2]
 ومنها: موثَّقة بريد عن أبي عبد الله ع ( أنَّه كَرِه الشّرب في الفضَّة ، وفي القدح المفضَّض ) [3]
 وأمَّا ما كان بلفظ "لا ينبغي" فقد ورد ذلك في موثَّقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله ع قال: ( لا ينبغي الشَّرب في آنية الذهب والفضة ) [4]
 هذا ، وقد ذكر جماعة من الأعلام: أنَّ الكراهة في هذه الروايات بمعنى المرجوحيَّة المطلقة ، لا المعنى المصطلح عليه ، باعتبار أنَّ الكراهة المستعملة في كلمات الأئمة ليست مستعملة إلَّا في معناها اللغوي والعُرفي ، لا الكراهة المصطلحة عند المتشرِّعة ، وهي بمقتضى معناها العرفي تجامع الحرمة والكراهة ، فلا منافاة بين هذه الروايات الدَّالة بظاهرها على الحرمة .
 أقول: إنَّ حمل الكراهة في تلك الروايات على المرجوحيَّة المطلقة ، وإن كان ممكناً بالنظر إلى معنى الكراهة لغةً وعرفاً ، ولكنَّ لفظة (لا ينبغي) في موثَّقة سماعة ظاهرة جدًّا في الكراهة بالمعنى المصطلح عليه .
 وعليه ، لولا التسالم بين الأعلام على الحرمة لكان مقتضى الصناعة العلمية حمل الروايات الظاهرة في الحرمة على الكراهة ، ولكن لأجل هذا التسالم لا بدَّ من التصرف في هذه الروايات الظاهرة في الكراهة بحملها على الحرمة ، أو يُردَّ علمها إلى أهلها ، هذا كله بالنسبة لحرمة الأكل والشرب .
 وأمَّا حرمة باقي الاستعمالات والتزيين بها واقتنائها : فهل هو أيضاً حرام ، أم لا ؟ .
 أقول: أمَّا سائر الاستعمالات فالمعروف بينهم حرمتها أيضاً ، وفي الجواهر: لا أجد فيه خلافاً ، وفي الحدائق: نفى الخلاف عنه ، وفي المنتهى: عند علمائنا والشافعي ومالك ، وفي التذكرة: يحرم استعمال المتخذ من الذهب والفضَّة في أَكْلٍ ، وشرب ، وغيرهما ، عند علمائنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد ، وعامَّة العلماء ، والشافعي في الجديد .
 وبالجملة: فإنَّ نَقْل الإجماع مستفيض ، بل الإنصاف أنَّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام ، فاقتصار بعضهم على الأكل والشرب لمجرد التمثيل ، وإن أرادوا الحصر فلا يُصغى إليهم ، ولا يكون مخالفهم مضرٌّ بالتسالم .
 وقد يُستفاد ذلك أيضاً من بعض الأخبار المتقدِّمة لخبر محمَّد بن مسلم المتقدِّم عن أبي جعفر ع ( أنَّه نهى عن آنية الذهب والفضة ) [5]
 الدَّال بإطلاقه على النهي عنها مطلقاً في كلِّ استعمالاتها ، ولكنَّه ضعيف ، كما عرفت بـ سهل بن زياد .
 وخبر موسى بن بكير عن أبي الحسن موسى ع قال: ( آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون ) [6]
 باعتبار أنَّ المتاع بمعنى ما ينتفع به .
 وعليه ، فالخبر يدلّ على أنَّ الانتفاع بآنية الذهب والفضة حرام ، لأنَّهما ممَّا ينتفع بهما غير المؤمنين ، واستعمال الشيء عبارة أخرى عن الانتفاع به ، فيدلّ على حرمة مطلق الاستعمال .
 وفيه - مع قطع النظر عن كونِ المتاع بمعنى الانتفاع ، وهو مطلق الاستعمال -: أنَّ الخبرَ ضعيفُ السند بـ سهل بن زياد ، وموسى بن بكر ، كما أنَّه ضعيف برواية البرقي بـ موسى بن بكر .
 وأمَّا باقي الروايات: فإن بعضها ، وإن كان ظاهراً جدًّا في مطلق الاستعمالات ، إلَّا أنَّها لا تدلُّ على الحرمة ، لاشتمالها على لفظ الكراهة ، وهو إن لم يكن ظاهراً في المعنى الاصطلاحي فلا أقلّ من كونِ المراد فيه مطلق المرجوحيَّة الأعمّ من الحرمة والكراهة .
 وأمَّا بالنسبة لحرمة اقتنائها ، والتزيين بهما: فلا تسالم على حرمتها ، ولا يدخلان ايضاً في الاستعمال حتَّى يحرمان من هذه الجهة ، فإنَّ التزيين بهما ليس استعمالًا عرفاً ، وكذلك اقتنائهما .
 نعم ، لو تمَّ خبر موسى بن بكر لأمكن الاستدلال به على حرمة التزيين ، باعتبار أنَّ المتاع مطلق ما يُنتفع به ، والتزيين نوع من الانتفاع ، ولكنَّك عرفت أنَّه ضعيف السند ، مضافاً إلى التأمُّل في صدقِ الانتفاع على التزيين
 والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا دليل على حرمة اقتنائهما والتزيين بهما ، والله العالم .
 وسيأتي الكلام - إن شاء الله تعالى - عن حرمة المأكول والمشروب ، والأكل والشرب عند قول المصنِّف : ( ولا يحرم المأكول والمشروب في الإناء المحرَّم ، ولا بيعه ... ، فانتظر .
 ثمَّ إنَّ ما ذكرناه لا فرق فيه بين الرجال والنساء ، قال المصنِّف في "الذكرى": ( التحريم يعمّ النساء إجماعاً ، قاله في التذكرة ، لوجود المقتضي ...) .
 وقال العلَّامة في "المنتهى": ( تحريم الاستعمال مشترك بين الرجال والنساء ، لِعموم الأدلَّة ، وإباحة التحلِّي للنساء بالذهب لا يقتضي إباحة استعمالهنَّ للآنية منه ، إذ الحاجة - وهو التزيين - ماسَّة في التحلِّي ، وهو يختصّ به ، فتختصّ به الإباحة ...) .
 والإنصاف: هو ما ذكره الأعلام ، من عدم اختصاص التحريم بالرجال ، وذلك لوجود المقتضي ، وهو عموم الأدلَّة ، وعدم وجود المانع ، والله العالم .
 قال المصنف: ( وفي المفضض روايتان ، والكراهية ، أشبه نعم يجب تجنب موضع الفضة على الأقرب )
 اِعلم أوَّلًا: أنَّ المفضَّض يطلق على عدَّة أقسام :
 منها: الظروف التي يكون بعضها فضّيَّة ، وبعضها نُحاساً ، أو غيره ، متميزاً كلّ منهما عن الآخر .
 ومنها: ما كان جميعه مموَّهاً بالفضَّة .
 ومنها: ما عُلَّق عليه حلقة ، أو قطعة من سلسلة من الفضَّة .
 ومنها: ما نُقِش بالفضَّة .
 ولكن الإنصاف: أنَّ ما علِّق عليه حلقة ، أو قطعة من سلسلة من الفضة ، أو كان قَبِيعَة السيف ، وضبَّة الإناء من الفضة .
 وسيأتي حكمه - إن شاء الله تعالى - ، مع أن إطلاق اسم المفضض عليها لا يخلو من تأمل


[1] - الوسائل باب65 من أبواب النجاسات ح1
[2] - الوسائل باب65 من أبواب النجاسات ح10
[3] - الوسائل باب65 من أبواب النجاسات ح2
[4] - الوسائل باب65 من أبواب النجاسات ح5
[5] - الوسائل باب65 من أبواب النجاسات ح3
[6] - الوسائل 65 من أبواب النجاسات ح4

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo