الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/07/17
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ حكم الصلاة مع النجاسة وأحكام الآنية
قال المصنف: ( وفي القارورة المضمومة النجسة خلاف ، مبناه المساواة للحيوان ، أو كونها ممَّا لا يتمَّ فيه الصَّلاة ، أو عدم الأمرين )
المعروف بين الأعلام: أنَّه لو حَمَل المصلِّي قارورةً ، فيها نجاسة ، مشدودة الرأس ، لم تبطل الصَّلاة ، وهو اختيار الشيخ في "الخلاف" أيضاً ، ولكنَّه في "المبسوط" قطع بالبطلان ، واختاره ابن إدريس ، والعلَّامة في جملة من كتبه .
وقد يُستدلُّ لِمَن ذهب إلى البطلان بأمرَيْن :
الأمر الأوَّل: أنَّه حامل للنجاسة ، فتبطل صلاته .
وفيه: ما عرفت ، أنَّه لا دليل على المنع من حمل النجس في الصَّلاة .
وذكرنا أيضاً: أنَّه لا يصدق على الحامل للنجاسة أنَّه صلَّى في النجس .
نعم ، لو كان المحمول ميتة ، أو ممَّا لا يُؤكل لحمه ، فتبطل الصَّلاة حينئذٍ ، للروايات الواردة في ذلك .
وقد ذكرنا سابقاً: موثَّقة ابن بكير الدَّالة على عدم صحَّة الصَّلاة إذا كان على المصلِّي أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، وكذا غيرها ، المستفاد منه أنَّ مجرد حمله يضرُّ بالصَّلاة .
وأمَّا بطلانُ الصَّلاة بحمل الميتة ، وغير المذكَّى ، فقد ذكرنا الأدلَّة سابقاً ، والتي منها في غير المذكَّى صحيحة عبد الله بن جعفر قال: ( كتبت إليه - يعني: أبا محمد ع - يجوز للرجل أن يصلِّي ، ومعه فأرة المسك ، فكتب : لا بأس به ، إذا كان ذكيًّا )
[1]
بناءً على أنَّ الضمير يعود إلى الفأرة ، لا المسك ومفهومها: أنَّ الفأرة إذا لم تكن ذكيًّا ففي الصَّلاة معها بأس
الأمر الثاني: الاحتياط .
وفيه: أنَّ الاحتياط ليس بدليل شرعيٍّ ، بل المورد من موارد أصالة البراءة فيما لو فُقِد الدليل الاجتهادي .
وممَّا ذكرنا نعلم أنَّ الاستدلال لصحَّة حَمْل القارورة المضمومة النجسة : بمساواتها لحَمْل الحيوان الطاهر ، في غير محلِّه ، بل فيه رائحة القياس نعم ، تدخل في كونها ممَّا لا تتمّ فيه الصَّلاة فيصحّ من هذه الجهة أيضاً .
وقدِ اتَّضح بما ذكرناه: أنَّه لا حاجة إلى شدِّ رأس القارورة ، بل يكفي الأمن من التعدِّي ، كما نبَّه عليه المصنِّف في "الذكرى" ، قال: ( ومنِ اعتبر القَيْد من العامَّة لم يقل بالعفو عمَّا لا تتمُّ الصَّلاة فيه وحده ، بل مأخذه القياس على حمل الحيوان ) .
قال المصنف: ( ولو جُبِر بعظمٍ نجسٍ وجب قلعه إجماعاً ، ما لم يخفِ التلف ، أو المشقَّة الشديدة ، ويُجبِرُه الإمام ، ولو مات لم يُقلَع )
قال المصنِّف في "الذكرى": ( لو جُبِر بعظمٍ نجسٍ وجب قلعه إجماعاً ، ما لم يخفِ التلف ، أو المشقَّة ، لِنبات اللحم عليه ، للحرج ، فلو صلَّى به مع إمكان القلع بطلت ، قال الشيخ : لأنَّه حامل للنجاسة ، ويُجبِره السلطان على ذلك ، ولو مات قبله لم يجز قلعه ، لِسقوط التكليف ، ويمكن عدم الوجوب مع اكتساء اللحم ، لالتحاقها بالباطن ... ) .
وفي "الجواهر": ( مع أنَّه لم يُعرِف خلاف بين الأصحاب في وجوب إزالته مع الإمكان ، كما عن المبسوط نفيه عنه صريحاً ، بل في الذكرى والدروس : الإجماع عليه كذلك ، كظاهر غيره ، بل قد يظهر من بعضهم الاتفاق عليه بين المسلمين ، إلَّا من أبي حنيفة فلم يوجبه معِ اكتساء اللحم ، بل عن بعض الشافعيَّة القول : بوجوبه ، وإن خشي التلف ، فضلًا عن المشقَّة ، وإن كان واضح البطلان ، ومن المعلوم أنَّ وجوب الإزالة للصَّلاة ، لا لنفسه ، كما هو صريح بعضٍ ، وظاهر آخر ، ولذا لو مات سقط وجوب الإزالة ...) .
أقول: بناءً على ما ذكرناه ، من أنَّه لا دليل على المنع من حمل النجس في الصَّلاة ، فالأمر واضح ، ولسنا بحاجة للاستدلال على عدم وجوب قلعه بكونه ملتحقاً بالباطن ، لاكتسائه باللحم نعم ، يجب قلعه من جهة أخرى ، وهي أنَّه من أجزاء ما لا يُؤكل لحمه .
وأمَّا ما فرضه المصنِّف ، من كونِ العظم نجساً ، فهو كما إذا كان عظم الكلب أو الخنزير ، لأنَّ عظمَ غيرهما محكوم بالطهارة ، سواء أُخِذ من الحيِّ أو الميت ، لِمَا عرفت ، من أنَّ عظم الميتة لا ينجس .
وبالجملة ، فيجب قلعه للصَّلاة ، إلَّا إذا صدق عليه أنَّه جُزء من الإنسان ، كما إذا مرَّ عليه فترة من الزمن .
نعم ، مجرد صيرورته في الباطن لا يصدق عليه أنَّه جُزؤه ، ولا دليل أيضاً على إسقاط وجوب الإزالة .
وممَّا ذكرنا يتضح حكم المسألة فيما لو كان طاهراً ، كعظم غير نجس العين ، من كلِّ حيوانٍ محلَّل الأكل ، فلا إشكال في جواز التجبير به ، وعدم وجوب إزالته إلَّا عظم ميت الآدمي ، لا لكونه ممَّا لا يؤكل لحمه ، لأنَّ الدليل الدَّال على عدم جواز الصَّلاة فيما لا يُؤكل لحمه منصرف عن الإنسان ، بل لأجل وجوب دفنه .
نعم ، إذا قلنا : بعدم وجوب دفنه ، فلا إشكال حينئذٍ .
قال المصنف: ( ولو شَرِب خمراً ، أو منجَّساً ، أو أكل ميتة ، أو احتقن تحت جلده دم نجس ، احتمل وجوب الإزالة مع إمكانها ، ولو علّلت القارورة : بأنَّها من باب العفو ، احتُمِل ضعيفاً اطِّراده هنا ، ولأنَّه التحق بالباطن )
قال المصنِّف في "الذكرى": ( لو شرب خمراً ، أو نجساً ، أو أكل ميتة ، غير مضطرٍّ ، أو أَدخل دماً نجساً ، أو شِبهه ، تحت جلده ، أمكن وجوب إخراج ذلك ، لتحريم الاغتذاء ، وأنَّه نجاسة ، لا لضرورة ، وبه قطع الفاضل ¬ ، ووجه العدم : التحاقه بالباطن ، وعليه تتفرع صحَّة الصَّلاة به ... ) .
وقال العلَّامة في "التذكرة": ( لو أَدخل دماً نجساً تحت جلده وجب عليه إخراجه ، مع عدم الضرر ، وإعادة كلِّ صلاة صلَّاها ، مع ذلك الدم ) .
ويظهر من المصنِّف في "البيان" أنَّه يجب عليه إخراج الدم حتَّى دم الإنسان نفسه ، قال فيه: ( ولو شَرِب نجساً فالأقوى وجوب استفراغه إن أمكن ، وكذا لو احتقن في جلده دم .)،وإن كان يحتمل أن يكون مراده: احتقان دم الأجنبي تحت جلده .
[1] - الوسائل باب41 من أبواب لباسي المصلي ح1