الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/07/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ حكم الصلاة مع النجاسة وأحكام الآنية
قال المصنف: ( ولوِ اشتبه الطاهر بالنجس ، وفَقَدَ غيرَهما صلَّى فيهما )
أي : صلَّى في كلِّ واحدٍ منهما منفرداً .
هذا هو المعروف بين الأعلام ، وفي "الجواهر": ( بل هو المشهور ، نقلًا وتحصيلًا ، بل لا نعرف فيه خلافاً ، إلَّا من ابْنَي إدريس وسعيد ، وإن حكاه في الخلاف عن قومٍ من أصحابنا ، فأوجبوا الصَّلاة عارياً ... )
أقول: قدِ استُدل للقول المشهور بأمرَيْن :
الأمر الأوَّل: النصّ الخاص الوارد في المقام ، وهو حسنة صفوان بن يحيى ( أنَّه كَتَبَ إلى أبي الحسن ع يسألُه عن الرجلِ معه ثوبان ، فأصابَ أحدَهما بولٌ ، ولم يدرِ أيَّهما هو ، وحضرتِ الصَّلاةُ ، وخافَ فوتها ، وليس عنده ماءٌ ، كيف يصنع ؟ قال : يصلِّي فيهما جميعاً )
[1]
قال الصدوق: ( يعني على الانفراد ) .
والرواية حسنة بإبراهيم بن هاشم ، وهي واضحة جدًّا ، ولا معارض لها سوى مرسلة "المبسوط" ( رُوي أنَّه يتركهما ، ويصلِّي عُرياناً )
[2]
ولكنَّها ضعيفة بالإرسال ، ولم يعمل بها المشهور ، حتَّى يُقال : إنَّ عمل المشهور جابر لِضعف السند ، مع أنَّك عرفت أنَّ عملهم غير جابر .
الأمر الثاني: قاعدة الاحتياط ، حيث إنَّ مقتضى العلم الإجمالي بوجوب الصَّلاة في أحدهما هو الإتيان بها في كلِّ واحدٍ من الثوبَيْن تحصيلًا لليقين بفراغ الذمَّة .
وأمَّا ما ذكره ابن إدريس: من وجوبِ الصَّلاة عارياً ، فقدِ استَدل له في "السرائر" بكلام طويل ، وحاصله يرجع إلى أمرَيْن :
الأوَّل: أنَّه لا بدَّ عند الشروعِ في الصَّلاةِ من العلمِ بطهارةِ الثوب ، وهو هنا مفقود ، فلا ثمرةَ للعلمِ بعد ذلك ، بل لا بدَّ من الجزم في النيَّة ، وهو هنا مفقود .
الثاني: أنَّ الواجب عليه إنَّما هي صلاة واحدة ، ولا يعلم أيّتهما هي واجبة ، فلا يمكنه قصد نيَّة الوجوب - الذي هو الوجه - في شيءٍ منهما .
وفيه:
أمَّا الأمر الأوَّل: فلا دليلَ على اشتراطِ اليقينِ بالطهارةِ عند الشروعِ في الصَّلاة ، بل يكفي عدمُ العلمِ بالنجاسة ، وهو حاصل وإن شئتَ فقل: إنَّ الشَّرط في صحَّة الصَّلاة هو الطهارة ، لا العلم بها ، هذا أوَّلًا .
وثانياً: لو سلَّمنا أنَّه شرط عند الشروع في الصَّلاة ، إلَّا أنَّه شرط مع القدرة ، لا مع الاشتباه ، كما لا يخفى .
وأمَّا الجزم بالنيَّةِ الذي هو عبارة عن لابُديَّة الإتيان بالعبارة بقصد الأمر جزماً ، إذا أمكن ، ولا يكفي الإتيان بها برجاء المطلوبيَّة ، إذا أمكنه تحصيل العلم بالأمر .
وتطبيقه هنا: أنَّ الصَّلاةَ مشروطة بطهارةِ الثوب ، والمصلِّي هنا لا يعلم - في شيءٍ من صلاتَيْه - طهارة ثوبه ، فلا يعلم أنَّ ما يفعله صلاة ، وبالتالي لا يمكنه الجزم بأنَّها عبادة .
ففيهِ أوَّلًا : أنَّه لا دليلَ على اشتراطِ الجزمِ بالنيَّة .
وثانياً - أنَّه لو سلَّمنا ذلك - : فإنَّما هو إذا أمكن ، لا مع عدم الإمكان ، كما هنا .
وأما الأمر الثاني : ففيهِ أوَّلًا : أنَّه لا دليلَ على اشتراطِ نيَّةِ الوجه في العبادة .
وثانياً : أنَّه لو سُلِّم ذلك ، إلَّا أنَّه مقيَّد بحالِ التمكُّن ، لا مطلقاً .
وثالثاً - مع قطع النظر عن كلِّ ذلك - : فإنَّه يمكنه قصد الوجه هنا ، بأنَّ يقصد وجوب كلِّ واحدة من الصلاتَيْن ، فإنَّ سَتْرَ العورةِ بالساترِ الطاهر لَمَّا كان واجباً ، وكان تحصيله موقوفاً على الإتيان بالصَّلاتَيْن معاً ، فتكون الصَّلاتان واجبتَيْن من باب المقدمة .
ثمَّ إنَّه يُشكَل على ابن إدريس - بناءً على اعتبار قصدِ الوجهِ في العبادة -: بأنَّ الصلاةَ عُرياناً فاقدةٌ لقصد الوجه ، لأنَّه لا يعلم أنَّها الصَّلاة المأمور بها ، لاحتمال كون التكليفِ بالصَّلاةِ مع الثوبِ المشتبه .
ويُشكَل عليه أيضاً : بأنَّه جوَّز تكرار الصَّلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القِبْلَة ، وهي فاقدة لقصد الوجه ، بل هي ، ومسألتنا هنا ، من وادٍ واحد .
والخلاصةُ إلى هنا: أنَّ ما ذكرَه ابن إدريس غير تامٍّ .
[1] - الوسائل باب64 من أبواب النجاسات ح1
[2] - ذكرها الشيخ في آخر فصل تطهير الثياب ، والأبدان من النجاسات ، آخر صفحة 39 ، ط : المطبعة الحيدرية طهران .