< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/07/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ حكم الصلاة مع النجاسة وأحكام الآنية
 كان الكلام في ذكر الروايات المعارضة التي دلت على انه يصلي في الثوب النجس
 وقد ذكر جماعة من الأعلام: أنَّ هذه الأخبار مقدَّمة على تلك ، لأنَّها أصحّ سنداً ، وأكثر عدداً ، مع أنَّ الصَّلاة في الثوب لا يلزم منه إلَّا فوات شرط واحد ، وهو طهارة الساتر ، ومع الصلاة عارياً يلزم فَقْد شروطٍ ، وهو الساتر وترك القيام والركوع والسجود ، لأنَّه يصلِّي قاعداً بإيماءٍ ، كما في رواية الحلبي ، والموثَّقة الأُولى لِسُماعة نعم ، في موثَّقته الثانية : صرَّحتْ بالقيام وعليه ، فيبقى الإشكال: بترك الركوع والسجود .
 وفيه: أنَّ كون الروايات الثانية أصحّ سنداً ، وأكثر عدداً ، ليس من المرجِّحات ، كما ذكرناه في مبحث التعادل والتراجيح .
  وأمَّا أنَّ ( الصَّلاة في الثوب لا يلزم منه ... ) ، فإنَّ هذا يصلح للتأييد لا للاستدلال ، كما لا يخفى .
  هذا ، وقد جمع الشيخ بينها ، بِحَمل الأخبار الأخيرة على الضَّرورة ، من بردٍ ، أو نحوه ، أو على صلاة الجنازة
  وفيه: أنَّ الحمل على صلاة الجنازة بعيد جدًّا ، لا يخطر على البال .
 وأمَّا الحمل على الضرورة : فيمكن في بعض الروايات .
 ويشهد له: خبر الحلبي قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يُجنِب في الثوب ، أو يصيُبه بول ، وليس معه ثوب غيره ، قال : يصلِّي فيه إذا اضطرَّ إليه ) [1]
 وفيه
 أوَّلا: أنَّه ضعيف ، بعدم وثاقة القاسم بن محمد .
 وثانياً: أنَّه لا يظهر منه أنَّ الاضطرار من جهة البرد ، ونحوه ، بل يحتمل أن يكون المراد من الاضطرار عدم وجود غير هذا الثوب ، فيضطرّ حينئذٍ إلى لبسه في الصَّلاة ، لعدم وجود غيره .
 وعليه ، فيكون الخبر مجملًا من هذه الجهة ، فلا يصلح أن يكون شاهداً للجمع بين الأخبار .
 وثالثاً: لو سلَّمنا أنَّ المراد هو الاضطرار إلى لبس الثوب المتنجِّس ، لأجل البرد ونحوه ، إلَّا أنَّ هناك بعض الأخبار آبية عن هذا الحمل ، وصريحة في عدم الاضطرار إلى لبسه .
  أُنظر إلى صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة ، فإنَّ قول السائل: " أو يصلِّي عرياناً " صريح في عدم الاضطرار إلى ذلك ، وكذا غيرها .
 والخلاصة: أنَّ حمل الأخبار الأخيرة على الضَّرورة في غير محلِّه .
 والإنصاف: هو القول بالتخيير بين الصلاة في الثوب المتنجس ، وبين الصلاة عرياناً ، فإنَّ الأخبار الآمرة بالصَّلاة بالثوب المتنجِّس ، وإن كانت مستفيضة ، بل هي في قوَّة المتواترة ، إلَّا أنَّه مع ذلك ترجيحها على الأخبار الأُولى ، لا سيَّما أنَّه اشتُهر العمل بالأخبار الآمرة بالصَّلاة عرياناً قديماً وحديثاً ، بحيث لم نجد من الأصحاب من طرحها رأساً ، فإنَّهم على الظاهر بين مَن أوجب العمل بمضمون هذه الأخبار عيناً ، وبين من حملها على التخيير جمعاً بينها وبين ما يعارضها ، حتَّى أنَّ بعض المتأخرين - كصحابَي المدارك والمعالم قدس سرهما - الذين استقرَّت سِيرَهم على عدم العمل إلَّا بالروايات الصحيحة لم يتجرؤوا في المقام على طرح هذه الأخبار ، مع تصريحهم بضعفها .
 والخلاصة: أنَّ الجمع بين الأخبار بالتخيير هو المتعيِّن ، وذلك لأنَّ الأخبار الأُولى صريحة في جواز الصلاة عرياناً ، وظاهرة في تعيّنه ، والأخبار الثانية صريحة في جواز الصَّلاة في الثوب المتنجِّس ، وظاهرة في تعيّنه ، فنرفع اليد عن ظهور كلٍّ منهما بنصِّ الآخر ، وتكون النتيجة هي التخيير ، أي : إنَّ المكلَّف مخيَّر بين الصَّلاة في الثوب المتنجِّس ، وبين الصَّلاة عارياً .
 وقد استشكل كلٌّ من السيد محسن الحكيم ، والشيخ النائيني على القول: بالتخيير هنا ، لأنَّ الصَّلاة في الثوب المتنجِّس ، والصلاة عرياناً ، من الضدَيْن اللذَيْن لا ثالث لهما ، ويستحيل أن يجعل التخيير بينهما ، لأنَّ أحدهما حاصل بنفسه ، فالمكلَّف يأتي بأحدهما حتماً ، بلا حاجة إلى الطلب ، لأنَّه من تحصيل الحاصل .
 وبعبارة أخرى: أنَّه بعد الفراغ عن وجوب أصل الصَّلاة ، وأنَّه لا بدَّ أن يصلِّي مع الثوب المتنجِّس أو عرياناً ، لا معنى حينئذٍ للوجوب التخييري بينهما ، لأنه من تحصيل الحاصل .
 وفيه: أنَّ التخيير بينهما ليس من التخيير بين الضدين اللذين لا ثالث لهما ، بل هو من التخيير المقبول ، وذلك لأنَّ التخيير المدَّعى ليس بين إتيان الصَّلاة مع الستر ، وبين إتيانها عرياناً ، بل التخيير بين أن يصلِّي عرياناً ، مع الإيماء في ركوعه وسجوده ، وبين أن يصلِّي في الثوب المتنجِّس ، مع الركوع والسجود التامَّين .
 وهذان الضدان لهما ثالث ، وهو أن يصلِّي بالثوب المتنجِّس ، مع الإيماء في ركوعه وسجوده ، أو يصلِّي عارياً مع الركوع والسجود ، وإذا صلَّى كذلك فصلاته باطلة .
 والخلاصة: أنَّه لا إشكال في التخيير بينهما ، وإن كان الأفضل والأَولى الصَّلاة في الثوب المتنجس ، حسبما يستفاد من صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة ، والله العالم .


[1] - الوسائل باب45 من أبواب النجاسات ح7

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo