< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/07/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 ومهما يكن ، فقدِ استُدلَّ للشيخ القائل : بالتفصيل ، بصحيحة عليّ بن مَهْزَيار ( قال كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره : أنَّه بال في ظلمة الليل ، وأنَّه أصاب كفَّه برد نقطة من البول ، لم يشكّ أنَّه أصابه ، ولم يرَه ، وأنَّه مسحَه بخرقة ، ثم نسي أن يغسله ، وتمسح بدهن ، فمسح به كفيه ووجهه ، ورأسه ، ثم توضأ وضوء الصلاة ، فصلَّى ؟ فأجابه بجواب قرأتُه بخطه : أمَّا ما توهَّمت ممَّا أصاب يدك ، فليس بشيء ، إلَّا ما تحقَّق ، فإنَّ حقَّقت ذلك كنت حقيقاً أن تُعِيد الصلاة اللواتي كنت صلَّيتهنَّ بذلك الوضوء بعينه ، ما كان منهنَّ في وقتها ، وما فات وقتها : فلا إعادة عليك لها ، من قِبَلِ أنَّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يُعِدِ الصَّلاة ، إلَّا ما كان في وقت ، وإن كان جُنُباً ، أو صلَّى على غير وضوء ، فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ، لأنَّ الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك ، إن شاء الله ) [1]
 أشكل جماعة من الأعلام على هذه الرواية: بجهالةِ السائلِ ، والمكتوبِ إليه ، واضطرابِ متنِ الرواية وإجمالها .
 ولكن الإنصاف: أنَّ الرواية صحيحة ، لأنَّ الكاتب: وهو سليمان بن رشيد ، وإن كان مجهولًا ، كما أنَّ المكتوب إليه يُحتَمل كونه غير المعصوم ع ، إلَّا أنَّ الظاهر أنَّ المكتوب إليه هو المعصوم ع ، لأنَّ علي بن مهزيار لا يقول - في غير الإمام ع - : " فأجابه بجواب قرأته بخطه " ، مع شيوع المكاتبة للإمام ع في عصره
  وبناء على ذلك لا يضرُّ حينئذٍ جهالة الكاتب ، بعد قراءة علي بن مَهْزَيار لِجواب الإمام ع .
 واحتمل الفاضل الأصبهاني في "كشفه": أنَّ المكتوب إليه هو علي بن مَهْزَيار ، أي: كتب سليمان بن رشيد إلى علي بن مَهْزَيار ، ويكون القائل: " فأجاب بجواب قرأته بخطه " الرواي عن علي بن مهزيار ، وهو كلٌّ من أحمد بن محمد ، وعبد الله بن محمد .
 وفيه: أنَّ هذا الاحتمال بعيد جدًّا عن ظاهر العبارة ، هذا بالنسبة لسند الرواية .
 وأمَّا متنها: فلا يخلو من الاضطراب ، لأنَّ الحكم بالإعادة في الوقت صريح من حيث الخَلَل من جهة الوضوء .
 وأمَّا خارج الوقت: فهي ظاهرة في أنَّ عدم الإعادة من جهة نجاسة الثوب ، لا من جهة الخلل في الوضوء .
 اللهمَّ إلَّا أن يُقال : إنَّ المراد هكذا : وأمَّا ما فات وقتها فلا إعادة عليك ، من جهة نجاسة الثوب ، ولكن عليك الإعادة ، لأجل أنَّك صليت من غير وضوء .
 ويؤيِّده: التعليل الوارد في الذيل ، لأنَّ الثوب خلاف الجسد ، أي : إنَّ النجاسة الخبثيَّة في الثوب غير النجاسة الحدثيَّة في الجسد .
  ولكن مع ذلك فإنَّ هذه الصحيحة لا تخلو من إشكال ، من حيث الدلالة: إذ قد يُقال: بصحة وضوئه ، بناء على عدم نجاسة الماء القليل بالملاقاة للمتنجِّس ، كما اخترناه سابقاً ، وبناء أيضاً على أنَّ طهارة المحلّ ليست شرطاً في صحة الوضوء .
 وقد يُقال: بصحته أيضاً ، باعتبار أنَّ الماء بوروده يزيل الخبث ، والحدث ، معاً .
 ولكن قد يُشكل: بأنَّ النجاسة هنا من البول ، وهي تحتاج إلى تعدُّد الغسل ، فلا يكفي الغسل مرَّة واحدةً بالماء القليل .
 والخلاصة: أنَّ هذه الصحيحة يشكُل الاعتماد عليها في الحكم ، لاضطراب متنها ، وإجمال بعض الفقرات فيها .
 ومن هنا ذكر بعض الأعلام- وهو المحدِّث الكاشاني -: ( أنَّه يشبه أن يكون وقع فهي غلط من النُسَّاخ )
 ثمَّ إنَّ ما ذكره الشيخ - من التفصيلِ ، والجَمْعِ بين الأخبار ، بحَمْل الأخبار الآمرة بالإعادة على الوقت ، والنافية لها على خارجه -: فمضافاً إلى أنَّه لا شاهد له ، لِمَا عرفت ، منِ اضطراب صحيحة علي بن مَهْزَيار ، أنَّ حَمْل بعض الأخبار - النافية للإعادة - : على خصوص ما بعد الوقت ، بعيد جدًّا ، بل يُطمأنّ بعدمه .
 أُنظر إلى موثَّقةِ عمَّار المتقدِّمة: ( لو أنَّ رجلًا نسِيَ أنَّ يستنجي من الغائط ، حتَّى يصلِّي ،لم يعدِ الصَّلاة ) [2]
 فكيف يمكن حَمْلها على نفي الإعادة على خصوصِ ما بعد الوقت ؟! ، كما أنَّ بعض الأخبار الآمرة بالإعادة
 صريح في إرادة ما بعد الوقت .
 أُنظر إلى صحيحةِ عليِّ بن جعفر المتقدِّمة: ( إن كان رآه فلم يغسله فَلْيقضِ جميع ما فاته على قَدْر ما كان يصلِّي ، ولا يُنقِص منه شيء ...) [3]
 فكيف يمكن حَمْلها على خصوص الإعادة في الوقت ؟! .
  كذا حسنة بن مسلم المتقدِّمة ، حيث ورد في ذيلها ( وإذا كنت قد رأيتَه ، وهو أكثر من مقدار الدرهم ، فضيَّعت غسله ، وصلَّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعِدْ ما صلَّيت فيه ) [4]
 وهي صريحة في إرادة الإعادة ما بعد الوقت ، لقوله: " صلاة كثيرة " .
 والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه المشهور - من وجوب الإعادة مع النسيان في الوقت ، والقضاء في خارجه - هو الأقوى ، والله العالم .
 قال المصنف: ( ولو عَلِم في أثناء الصَّلاة أزالها وأتمَّ ، وإنِ افتقر إلى فعلٍ كثيرٍ بطلت ، وعلى القول : بإعادة الجاهل في الوقت ، تبطل ، وإن تمكَّن من الإزالة )
 إذا رأى النجاسة ، وهو في الصلاة ، وعَلِم بسَبْقها على الصَّلاة بإحدى القرائن ، وكان حال دخوله في الصلاة جاهلًا بها ، فالمشهور بين الأعلام : أنَّه يجب عليه إزالة النجاسة ، أو إلقاء الثوب النجس ، وستر العورة بغيره ، مع الإمكان ، وإتمام الصَّلاة ، وإن لم يمكن إلَّا بفعل المبطل أَبْطَلها ، واستقبل الصَّلاة .
  قال في المعتبر: ( وعلى قول الشيخ : الثاني ، يستأنف ) ، وأشار بالقول الثاني : إلى ما نقله عن المبسوط ، من إعادة الجاهل الذي لم يعلم بالنجاسة ، حتَّى فرغ من صلاته في الوقت .
 قال في "المدارك": ( ويُشْكَل بمنعِ الملازمة ، إذ من الجائز أن يكون الإعادة لوقوع الصَّلاة بأسرها مع النجاسة ، فلا يلزم مثله في البعض ، وبأنَّ الشيخ قطع في المبسوط بوجوب المضي في الصَّلاة ، مع التمكُّن من إلقاء الثوب ، وستر العورة بغيره ، مع حكمه فيه بإعادة الجاهل في الوقت ...) .
 وسيأتي: ما هو الإنصاف في المسألة .
 وعن جماعة من الأعلام المتأخِّرين: أنَّ الصَّلاة تبطل في سعة الوقت ، وإن تمكَّن من إزالة النجاسة ، أو تبديل الثوب .
 وقد يُستدلّ لهذا القول بعدَّةٍ من الروايات :
 منها: صحيحة زرارة المتقدِّمة ( قلت: إن رأيتُه في ثوبي ، وأنا في الصَّلاة ، قال ع : تنقض الصَّلاة ، وتُعِيد إذا شككت في موضع منه ، ثمَّ رأيته ، وإن لم تشكَّ ، ثمَّ رأيته رطباً قطعت الصَّلاة ، وغسلته ، ثمَّ بنيت على الصَّلاة ، لأنَّك لا تدري لعلَّه شيء أُوقِع عليك ...) [5]
 وظاهرها : التفصيل بين ما لو وقعت الصَّلاة من أوَّلها في الثوب النجس ، وبين ما لو عرضت النجاسة في الأثناء ، وأنَّه إنَّما يجب عليه البناء بعد الغسل فيما لو رآه رطباً ، لقيام احتمال طُروِّه في الأثناء .
 وأمَّا مع العلم بطروِّها قبل الصَّلاة فتبطل ، وعليه إعادتها بعد الإزالة ، أو التبديل .
 ومنها: صحيحة ابن مسلم المتقدِّمة عن أبي عبد الله ع : ( قال: ذَكَر المنيَّ فشدَّده ، فجعله أشدَّ من البول ، ثمَّ قال : إن رأيت المنيَّ قبل ، أو بعدما تدخل في الصَّلاة ، فعليك إعادة الصَّلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبّه ، ثمَّ صلَّيت فيه ، ثمَّ رأيته بعدُ فلا إعادة عليك ، فكذلك البول ) [6]
 


[1] - الوسائل باب42 من أبواب النجاسات ح1
[2] - الوسائل باب10 من أبواب أحكام الخلوة ح3
[3] - الوسائل باب40 من أبواب النجاسات ح10
[4] - الوسائل باب20 من أبواب النجاسات ح6
[5] - الوسائل باب44 من أبواب النجاسات ح1
[6] - الوسائل باب41 من أبواب النجاسات ح2

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo