الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/06/28
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
ثمَّ إنَّه قد يُستَدل لعدم وجوب الإعادة ببعض الأدلَّة:
منها: حديث الرفع عن حريز عن أبي عبد الله ع قال: ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رفع عن أمتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكُّر في الوسوسة في الخلق - الخلوة خ ل - ما لم ينطق بشَفَة )
[1]
وهو حديث صحيح ، فإنَّ أحمد بن محمَّد بن يحيى العطار - شيخ الصدوق -: وإن لم يوثَّق بالخصوص ، إلَّا أنَّه من المعاريف ، الكاشف عن حسنه ، ووثاقته .
ومهما يكن ، فيدلّ هذا الحديث الصحيح على عدم الإعادة بسبب النسيان .
وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة ، من أنَّ شأن الحديث هو الرفع ، ولا يثبت شيئاً من الأحكام ، أي : إنَّ النسيان إنَّما يرفع الأمر بالواجب ، المركَّب من الجزء ، أو الشرط ، المنسيَيْن ، وهو الصلاة الفاقدة للطهارة ، كما في المقام ، فهو يحتاج إلى دليل ، وحديث الرفع لا يتكفَّل بذلك ، لأنَّه إنَّما ينفي التكليف ، وليس من شأنه الإثبات ، هذا كلُّه إذا كان النسيان في تمام الوقت .
وأمَّا إذا التفت في الوقت: فلا مجال للتمسُّك بحديث الرفع أيضاً ، لأنَّ النسيان إنَّما تعلَّق بفرد من أفراد الواجب الكلِّي ، أو بجزئه وشرطه ، والأمر إنَّما تعلَّق بالطبيعي الجامع بين أفراده ومصاديقه ، فلم يتعلَّق النسيان بما تعلَّق به الأمر ، فكيف يرتفع الأمر عن الطبيعي ، بنسيان فرده ، أو نسيان جزء من ذلك الفرد أو شرطه ؟! .
ومنها: صحيح زرارة عن أبي جعفر ع ( أنَّه قال : لا تُعاد الصلاة إلَّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ... )
[2]
باعتبار أنَّ الصلاة مع نسيان النجاسة ليست من الخمس التي تُعاد منها الصلاة ، فيكون هذا الحديث الشريف حاكماً على إطلاقات الأدلَّة المثبتة للشرطيَّة ، حتَّى في حال النسيان .
وفيه: أنَّ هذا الكلام متين ، مع قطع النظر عن الأخبار الخاصَّة ، الدَّالة على الإعادة والقضاء مع النسيان ، وأمَّا مع ملاحظتها فلا ، كما لا يخفى .
ومنها: أيضاً أنَّ الناسي صلَّى صلاة مأموراً بها ، والأمر يقتضي الإجزاء .
وفيه
أوَّلًا: أنَّه لا دليل على أنَّ الناسي مأمور بالصلاة ، وإنَّما يُتوهَّم أنَّ هناك أمراً بذلك .
وثانياً: لو تنزَّلنا عن ذلك ، إلَّا أنَّه ذكرنا في مبحث الإجزاء : أنَّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري لا يجزي عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي .
وأمَّا القول: بوجوب الإعادة في الوقت وعدمها في خارجه ، فهو كما عن الشيخ في "الاستبصار" ، وتبعه الفاضل في بعض كتبه ، وفي "الحدائق" : حكى شهرته بين المتأخرين .
ولكن الإنصاف: أنَّ القائل : بذلك ، قليل ، حتَّى أنَّ الشيخ في سائر كتبه وافق المشهور في وجوب الإعادة في الوقت ، وخارجه .
ومهما يكن ، فقدِ استُدلَّ للشيخ القائل : بالتفصيل ، بصحيحة عليّ بن مَهْزَيار ( قال كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره : أنَّه بال في ظلمة الليل ، وأنَّه أصاب كفَّه برد نقطة من البول ، لم يشكّ أنَّه أصابه ، ولم يرَه ، وأنَّه مسحَه بخرقة ، ثم نسي أن يغسله ، وتمسح بدهن ، فمسح به كفيه ووجهه ، ورأسه ، ثم توضأ وضوء الصلاة ، فصلَّى ؟ فأجابه بجواب قرأتُه بخطه : أمَّا ما توهَّمت ممَّا أصاب يدك ، فليس بشيء ، إلَّا ما تحقَّق ، فإنَّ حقَّقت ذلك كنت حقيقاً أن تُعِيد الصلاة اللواتي كنت صلَّيتهنَّ بذلك الوضوء بعينه ، ما كان منهنَّ في وقتها ، وما فات وقتها : فلا إعادة عليك لها ، من قِبَلِ أنَّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يُعِدِ الصَّلاة ، إلَّا ما كان في وقت ، وإن كان جُنُباً ، أو صلَّى على غير وضوء ، فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ، لأنَّ الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك ، إن شاء الله )
[3]
[1] - كتاب الخصال للشيخ الصدوق: الخصال التسع .
[2] - الوسائل باب10 من أبواب الركوع ح5
[3] - الوسائل باب42 من أبواب النجاسات ح1