< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 كان الكلام في أنَّ ما دلَّ على عدم جواز الصلاة في الميتة مطلقاً يعارضه روايتان وقد ذكرناهما
 لا يقال: يمكن الجمع العرفي بينهما ، بحمل روايات المنع على الكراهة .
 وفيه: أنَّ الحمل على ذلك بعيد جدّاً ، بل بعض روايات المنع يأبى عن هذا الحمل أنظر: إلى صحيحة البزنطي عن الرضا ع قال: ( سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخفَّ ، لا يدري أذكي هو ، أم لا ؟ ، ما تقول في الصلاة فيه ، وهو لا يدري أيصلَّى فيه ؟ قال : نعم ، أنا أشتري الخفَّ من السوق ، ويصنع لي ، وأصلِّي فيه ، وليس عليكم المسألة ) [1]
 إذ لو جازت الصلاة فيه على كراهة مع ظهور كونه من الميتة لم يكن لردعه ع عن المسألة وجه صحيح .
 هذا ، وذكر السيد أبو القاسم الخوئي: أنَّه لا معارضة بين الصحيحة - أي : صحيحة ابن أبي عمير - والموثَّقة - أي موثَّقة إسماعيل - لأنَّ الموثَّقة إنَّما سيقت لبيان جواز الصلاة فيما شكَّ في تذكيته ، إذا لم تتمّ فيه الصلاة ، فلا تنافي عدم جوازها فيما أُحرِز أنَّه ميتة ، كما في صحيحة ابن أبي عمير .
 وتوضيحه: أنَّ غير المذكى ، وإن كان قد أُخذ بعنوانه في موضوع الحكم بعد جواز الصلاة فيه ، إلَّا أنَّ ذلك فيما تتمّ فيه الصلاة ، فمع الشكِّ في التذكية يجري استصحاب عدمها ، وبه يُحكم ببطلان الصلاة فيه ، بلا حاجة إلى إثبات أنه ميتة .
 وأمَّا ما لا تتمّ فيه الصلاة فلم يُؤخذ في موضوع الحكم بعدم جواز الصلاة فيه إلَّا كونه ميتة ، دون عنوان عدم التذكية ، فإن أحرزنا في مورد أنَّه ميتة ، ولم تقع عليه التذكية ، فيحكم ببطلان الصلاة فيه ، بمقتضى هذه الصحيحة .
 وأمَّا مع الشكّ في ذلك فلا مانع من الحكم بصحة الصلاة فيه ، كما هو مفاد الموثَّقة ، لأنَّ استصحاب عدم التذكية لا يثبت به عنوان الميتة .
 أقول: إنَّ ما لا تتمّ فيه الصلاة أيضاً أُخِذ في موضوع الحكم - بعدم جواز الصلاة فيه - عنوان عدم التذكية .
  أُنظر: إلى صحيحة عبد الله بن جعفر المتقدِّمة: " يجوز أن يصلِّي ومعه فأرة مسك ؟ فكتب : لا بأس به إذا كان ذكيًّا " ، ومفهومه : إذا لم يكن ذكيّاً ففيه بأس .
 إذن: لا فرق بين ما تتمّ فيه الصلاة ، وما لا تتمّ ، فإنَّ موضوع الحكم بعدم جواز الصلاة فيهما هو عدم التذكية .
 وعليه ، مع الشكّ في التذكية لا يصحّ الحكم بجواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة ، لاستصحاب عدمها ، فيبقى الإشكال على حاله .
 والإنصاف: أنَّهما متعارضان ، كما ذكرنا ، وبعد التعارض والتساقط يرجع إلى عموم ما دلَّ على المنع من الصلاة في النجس ، فلا يُعفى حينئذٍ عمَّا إذا كان فيما لا تتمّ فيه الصلاة من الميتة ، أو مشكوك التذكية ، أو كان من نجس العين ، وكذا فيما لو كان غير مأكول اللحم ، والله العالم .
 قال المصنف: ( وعن نجاسة ثوب المربية للصبي )
 في "المدارك": هذا الحكم ذكره الشيخ في النهاية ، والمبسوط ، ووافقه عليه المتأخرون ... ، وفي الجواهر: على المشهور بين الأصحاب ، نقلًا ، وتحصيلًا ، بل لا أعرف فيه خلافاً ، كما اعترف به في الحدائق ... .
 أقول: هناك تسالم بين الأعلام على أصل المسألة في الجملة ، وهذا ممَّا يفيد القطع بها .
 وقدِ استُدلَّ أيضاً: برواية أبي حفص عن أبي عبد الله ع قال: ( سُئِل عن امرأة ليس لها إلَّا قميص واحد ، ولها مولود ، فيبول عليها ، كيف تصنع ؟ قال : تغسل القميص في اليوم مرَّة ) [2]
 
 ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة محمَّد بن يحيى المعاذي ، ومحمَّد بن خالد الذي هو مردَّد بين الطيالسي ، والأصمّ ، وكلّ منهما غير موثَّق .
 وأمَّا أبو حفص: فهو مشترك بين الثقة ، وغيره .
 وأمَّا القول: بأنَّ عمل المشهور يجبر ضعف السند ، فقد عرفت ما فيه .
 واستدلَّ المحقِّق أيضاً: ( بمساواته لدم القروح ، والجروح ، والسَّلِس ، في عسر الإزالة ، ومشقتها لتكرير البول )
 قال المحقِّق: ( فكما يجب اتباع الرواية هناك دفعاً للحرج ، فكذا هنا ، لتحقُّق الحرج في الإزالة ...) .
 وفيه: ما لا يخفى ، فإنَّ الرواية هنا ضعيفة السند ، بخلافها هناك ، والإلحاق بدم القروح والجروح فيه رائحة القياس ، بل هو القياس بعينه .
 وأمَّا الحرج: فالمناط فيه هو الحرج الشخصي ، ولا يرتبط بزمان معين ، كاليوم والليلة ، حيث أوجبوا الغسل مرَّة باليوم والليلة ، دفعاً للحرج .
 قال المصنف: (ذات ثوب واحد )
 كما هو ظاهر النص ، وصرَّح جماعة من الأعلام : أنَّه لو كان لها أكثر من ثوب واحد ، فإنِ احتاجت إلى لُبْس الجميع لِبَرْد ، ونحوه ، فالظاهر أنَّ الجميع في حكم الثوب الواحد ، وإلَّا فلا تلحقها الرخصة ، لزوال المشقّة بإبدال الثياب .
 وهذا هو الإنصاف ، لأنَّ الدليل في المقام لُبِّي ، وهو التسالم فيُقتصر فيه على القدر المتيقَّن ، وهو المشقَّة في الإزالة ، فلو كان عندها أكثر من ثوب ، وأمكنها التبديل ، بلا مشقَّة ، فلا يحلقها الرخصة حتماً .
 وممَّا ذكرنا يتضح حكم ما لو أمكنها تحصيل ثوب طاهر بشراء ، أوِ استئجار ، أوِ استعارة ، فإنَّه يتعيَّن عليها ذلك ، اقتصاراً على القدر المتيقَّن .
 وأمَّا القول: بأنَّ ظاهر النصِّ هو العفو ، وإن أمكنها الشراء ، أوِ الاستئجار ، ونحوهما .
 فنقول: إنَّ الأمر ، وإن كان كذلك ، إلَّا أنَّه ضعيف ، كما عرفت .
 قال المصنف: ( إذا غسَّلته كلَّ يوم وليلة مرَّة )
 ظاهر النصّ : هو غسله في اليوم مرَّة ، وكذا معقد التسالم بين الأعلام .
 وتحقيق الحال يقتضي التكلم في أمرَيْن :
 الأوَّل: في المراد من اليوم .
 الثاني: هل الطهارة شرط لجميع صلواتها اليومية ، أو شرط لواحدة منها ، على نحو التخيير بينها .
 أمَّا الأمر الأوَّل : فقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّ المراد باليوم في الرواية ما يشمل الليل أيضاً ، إما لإطلاقه لغةً على ما يشمل الليل ، أو لإلحاق الليل به .
 أقول: الذي يظهر من كلام أهل اللغة أنَّ المراد باليوم هو يوم الصوم .
 قال الفيومي: ( اليوم أوّله من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ، ولهذا من فعل شيئاً بالنهار ، وأخبر به بعد غروب الشمس يقول : فعلته أمس ، لأنه فعله في النهار الماضي ) وكذا غيره من اللُغويين .
 وعليه ، فمقتضى الإنصاف : هو الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو غسله في النَّهار ، وإن أجزأ ذلك لِلَّيل ، لأنَّ مورد النصّ ، ومعقد التسالم هو غسله في اليوم مرَّة ، وبما أنَّ اليوم مجمل يدور أمره بين الأقلِّ والأكثر ، فيُقتصر حينئذٍ على الأقلِّ ، وهو النَّهار .


[1] - الوسائل باب50 من أبواب النجاسات ح6
[2] - الوسائل باب4 من أبواب النجاسات ح1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo