الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/05/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
قال المصنف: (غير الدماء الثلاثة )
المعروف بين الأعلام : عدم العفوِّ في الدماء الثلاثة الحيض ، والنفاس ، والاستحاضة .
أمَّا في الحيض: فقدِ ادَّعى الإجماع على عدم العفوِّ فيه ، وفي السرائر: بلا خلاف .
والإنصاف: أنَّ هذا الإجماع إن لم يصل إلى مرتبة التسالم فلا قيمة له وأمَّا دعوى التسالم : فلا تخلو من مجازفة
وقد يُستدل أيضاً برواية أبي بصير عن أبي عبد الله أو أبي جعفر ع قال: ( لا تُعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض ، فإنَّ قليله وكثيره في الثوب ، إن رآه أو لم يرَه ، سواء )
[1]
وهذه الرواية ، وإن كانت واضحة الدلالة ، إلَّا أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة أبي سعيد المكاري . وقد يشكل أيضاً : بأنَّها مقطوعة ، وغير مسندة إلى الإمام ع.
وفيه: أنَّ هذا الإشكال غير وارد ، لأنَّها وإن كانت غير مسندة إلى الإمام ع في بعض نسخ التهذيب إلَّا أنها في بعض النسخ الأُخَر من "التهذيب" ، ونسخة "الكافي" مسندة إلى الإمام ع ، فلا إشكال من هذه الجهة .
وقال المحقِّق في "المعتبر": ( إنَّ الحجَّة عمل الأصحاب بمضمونها ، وقبولهم لها ) .
وفيه: ما عرفت من أنَّ عمل الأصحاب لا يجبر ضعف السند .
وعلى كل حالٍ ، فإنَّ المحقِّق في "المعتبر" قد عمل على أصله ، وهو أنَّ كلَّ روايةٍ عَمِل بها المشهور يعمل بها ، وكلّ روايةٍ أعرض عنها فإنَّه يعرض عنها ، وقد تَبِعه مَن تَبِعه في هذا المبنى .
وقدِ استُدلَّ أيضاً: بعموم ما دلَّ على الاجتناب عن الدم ، بعد دعوى قصور الأخبار الدالَّة على العفوِّ عن شمول دم الحيض ، نظراً إلى أنَّ المفروض في موضوع تلك الأخبار هو الرجل الذي رأى بثوبه الدم ، وفرض إصابة دم الحيض لثوب الرجل من الفروض النادرة التي ينصرف عنها إطلاقات الأدلَّة .
وفيه: أنَّ دعوى الإنصراف - لندرة إصابة دم الحيض ثوب الرجل - في غير محلِّها ، إذ ندرة ذلك ليس بأبعد من فرض إصابة مثل دم الوحوش ، والطيور ، كالنسر ، والصقر ، ونحوهما ، لثوب الرجل ، مع أنَّه لم يتوهَّم أحد انصراف هذه الأخبار عن مثل هذه الدماء .
أضف إلى ذلك: أنَّ ذِكْر الرجل في السؤال والجواب - في مثل هذه الأخبار المسوقة لبيان الأحكام الشرعية - إنَّما هو من باب المثال ، فالمقصور به مطلق المكلَّف ، سواء كان الرجل أو المرأة .
والإنصاف: أنَّ أخبار العفوِّ حاكمة ، أو مخصِّصة لعموم ما دلَّ على الاجتناب عن الدم .
والخلاصة إلى هنا: أنَّ دم الحيض مثله مثل غيره من الدماء في العفوِّ عنه إذا كان أقلَّ من قدر الدرهم .
ثمَّ إنَّه لو فُرِض عدم العفوِّ عنه فهل يلحق به دم النفاس والاستحاضة .
قال المصنِّف في "الذكرى": ( وألحق به دم الاستحاضة والنفاس لتساويها في إيجاب الغسل ، وهو يشعر بالتغليظ ، ولأنَّ أصل النفاس حيض ، والاستحاضة مشتقَّة منه )
والإنصاف: هو أنَّه ما كنت أترقَّب صدور هذا الكلام من المصنِّف ، إذ مجرد تساويها في إيجاب الغسل لا يوجب جرَّ الحكم من الحيض إليهما ، كما أنَّ كون النفاس أصله حيضاً لا يجعلهما متساويين في الأحكام ، بعد أن كان عنوان الحيض غير عنوان النفاس ، وهما موضوعان مختلفان .
والأغرب من ذلك: الاستدلال على لحوق الاستحاضة بكونها مشتقَّة منه ، فلم يبقَ دليل على إلحاقهما بدم الحيض إلَّا الإجماع المدَّعى في "الخلاف" و"الغيبة" ، وبأنَّه لا خلاف فيه عندنا ، كما في "السرائر" إلَّا أنَّك عرفت حال الإجماع ، وعدم الخلاف ، فلا نعيد .
والخلاصة: أنَّه لو قلنا : بأنَّ دم الحيض غير معفوٍّ عنه ، إلَّا أنَّه لا وجه لإلحاق دم النفاس والاستحاضة به ، والله العالم .
قال المصنف: (ونجس العين )
ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم العفوِّ عن دم نجس العين ، وألحقها القطب الراوندي بالدماء الثلاثة نظراً إلى أنَّ دم نجس العين يلاقي جسده ، ونجاسة جسده غير معفوٍّ عنها ، فكان كما لو أصاب الدم المعفوّ عنه نجاسة غير الدم ، وقال المحقِّق في "المعتبر" : ( وألحق بعض فقهاء قم دم الكلب والخنزير ، ولم يعطنا العلَّة ، ولعلَّه نظر إلى ملاقاته جسدهما ، ونجاسة جسدهما غير معفوٍّ عنها ) .
وقال ابن إدريس في السرائر: ( وقد ذكر بعض أصحابنا المتأخرين من الأعاجم ، وهو الراوندي ، المكنَّى بالقطب : أنَّ دم الكلب والخنزير لا يجوز الصلاة في قليله وكثيره ، مثل دم الحيض ، قال: لأنَّه دم نجس العين ، وهذا خطأ عظيم ، وذلك فاحش ، لأنَّ هذا دم ، وخَرْق لإجماع أصحابنا ) .
[1] - الوسائل باب21 من أبواب النجاسات ح1