< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ انقلاب الخمر خلا
 كان الكلام في الروايات الدالة على طهارة الخمر بالانقلاب ، سواء كان بنفسه ، أو بعلاج
 والجواب: أنَّ هذه الروايات محمولة على الكراهة جمعاً بين الأخبار ، إذ الروايات الدَّالة على الطهارة - إذا انقلب الخمر خلًا بالمعالجة - بعضها كان صريحاً في ذلك ، وهذه الأخبار ظاهرة في المنع ، فتُحمل على الكراهة .
 ثمَّ إنَّ مقتضى الأخبار الدَّالة على الطهارة بالانقلاب عدم الفرق بين ما لو بقي فيها عين ما عولجت به بعد صيرورتها خلًا ، أو استُهلِكت فيها قبل التخلُّل ، خصوصاً مع أنَّه كثيراً ما يتخلَّف من الملح ، ونحوه .
 لكن قد يُقال: بعدم الطهارة في صورة عدم الاستهلاك قبل التخلُّل ، وكأنَّه لتنجّسه بالخمر ، وعدم الدليل على الطهارة بالانقلاب ، لاختصاص نظر الأخبار إلى نجاسة الخمر ، ولا دليل على طهارة ما عُولج به الباقي بعد الانقلاب ، إلَّا بالتبع ، وهو غير حاصل .
 وفيه: أنَّ الروايات الدَّالة على طهارة الخمر بالانقلاب دالَّة على طهارة الأدلَّة بالتبع ، كما لا يخفى ، وما عُولج به هو من آلات التطهير .
 وبعبارة أوضح: أنَّ الأخبار السابقة ناظرة بالأصل إلى حليَّة هذا المايع ، بعد صيرورته خلًّا ، وبالملازمة يُستفاد منه الطهارة .
 وعليه ، قد لا يكون السائل ملتفتاً إلى النجاسة حتى يُقال: إن أُنسه بالنجاسة يوجب صرف هذه الروايات عن مثل المقام .
 وممَّا عرفت يتضح حكم الإناء ، فإنَّه أيضاً محكوم بالطهارة بالتبع .
 بقي في المقام شيء
 وهو ما ذكره صاحب الجواهر حيث قال: ( لا ريب أنَّ الأقوى عدم طهارة الخمر لو تنجَّست بنجاسة خارجيَّة ، وإن لم تبقَ عينها ، بناء على تضاعف النجاسة ، اقتصاراً فيما خلاف الأصل على المتيقن ، بل الظاهر ، إذ الانقلاب يطهِّر من النجاسة الخمريَّة ، فلو أُحِيل الخمر حينئذٍ بمتنجِّس لم يطهُر ... ) .
 وفيه أوَّلًا: أنَّ الخمر لا تقبل النجاسة العرضيَّة ، لأنَّها نجسة بعينها ، ونجاستها ذاتيَّة ، فهي لا تتنجَّس ، ولا تتضاعف نجاستها ، فلو وقع فيها شيء من النجس ، كالبول ، أو من المتنجِّس ، كالماء المتنجس ، فلا تتأثَّر الخمر بذلك .
 وثانيا: أنَّ الروايات المتقدِّمة مطلقة من هذه الجهة ، حيث دلَّت على طهارة الخمر إذا انقلبت خلًّا ، سواء وقع فيها شيء من النجس ، أو المتنجِّس ، أم لم يقع .
 ودعوى: انصراف الروايات إلى الصورة الثانية ، عهدتها على مدَّعيها ، والله العالم .
 قال المصنف: ( وتطهر الأرض بكثير الماء ، والذَنوب - في قول مشهور - إذا أُلقي على البول )
 لا إشكال في أنَّ الأرض تطهر بالماء الكثير عليها ، أو بالمطر ، أو الماء الجاري ، وإنَّما الكلام في تطهيرها بالماء القليل ، فإذا قلنا : بطهارة الغسلة - كما هو الصحيح - فلا إشكال أيضاً .
 وأمَّا إذا قلنا: بنجاستها - كما هو المشهور - فقد ذهب الشيخ في "الخلاف": إلى طهارة الأرض بالماء القليل ، مع حكمه أيضاً بطهارة الماء الوارد على الأرض ، مع كونه قائلًا بنجاسة الغُسالة في غير هذا المورد .
 قال في "الخلاف": ( إذا بال على موضع من الأرض فتطهيره أن يصبّ الماء عليه حتَّى يكاثره ، ويغمره ، ويقهره ، ويُزيل لونه ، وطعمه ، وريحه ، فإذا زال حكمنا بطهارة المحلِّ وطهارة الماء الوارد عليه ، ولا يحتاج إلى نقل التراب ، ولا قلع المكان - إلى أن قال : - دليلنا قوله تعالى : {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ، ونقل التراب من الأرض إلى موضع آخر يشقّ )
 وروى أبو هريرة قال: ( دخل أعرابي المسجد ، فقال : اللهمَّ ارحمني ومحمداً صلى الله عليه وآله ، ولا ترحم معنا أحداً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : عجَّزت واسعاً ، قال : فما لبث أن بال في ناحية المسجد ، وكأنَّهم عجلوا إليه فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله ، ثمَّ أمر بذَنوب من ماء فأُهريق عليه ، ثمَّ قال : علِّموا ، ويسِّروا ، ولا تعسِّروا ) [1]
 قال الشيخ: ( والنبي صلى الله عليه وآله: لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده تنجّساً ، فلزم أن يكون الماء أيضاً على طهارته ) .
 وقال المصنِّف في "الذكرى": ( تطهر الأرض بما لا ينفعل من الماء بالملاقاة ، وفي الذَنوب قول ، لنفي الحرج ، ولأمر النبي صلى الله عليه وآله به ، في الحديث المقبول ) .
 ونقل عن ابن إدريس أنَّه وافق الشيخ على جميع هذه الأحكام ، وهو جيِّد على أصله ، من طهارة الماء الذي يغسل به النجاسة .
 وكذا كلّ مَن يقول بطهارة الغُسالة ، فإنَّه يوافق على هذا الحكم ، لأنَّه على طبق الأصل ، وإنَّما الكلام - كما عرفت - مبني على القول : بنجاسة الغُسالة .
 ومهما يكن ، فإنَّ ما استدلّ به الشيخ في غير محلِّه .
 أمَّا الآية الشريفة: فعلى تقدير تحقُّق موضوعها ، وهو الحرج الشخصي ، لا النوعي ، فإنَّما يترتَّب عليها نفي الحكم الحرَجي ، لا إثبات الطهارة بصبِّ الماء على الأرض .
 وبالجملة: فإنَّ موردها النفي ، لا إثبات الأحكام .
 وأمَّا الرواية: فهي ضعيفة جدّاً ، ويكفيك أن روايها أبو هريرة الذي قدِ اعترف أبو حنيفة بكَذِبِه ، ورَدِّ رواياته هذا أولا وثانيا عمل المشهور لا يجبر ضعفها فما أتى به الشيخ في غير محله وللكلام تتمة تأتي


[1] - موطأ مالك : ج1 ح64 ، وصحيح البخاري

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo