< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/04/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ انقلاب العصير خلا
 قال المصنف: ( ونقص العصير ، وانقلابه )
 اِعلم أنَّ المصنِّف لم يذكر في مبحث النجاسات نجاسة العصير بعد غليانه ، واشتداده .
 ولذا كان مقتضى الإنصاف: أن نذكر أوَّلًا: ما قيل ، أو يمكن يُقال ، عن نجاسة العصير بعد غليانه ، ثمَّ نتكلم بعد القول: بالنجاسة ، عن طهارته بذهاب الثُلُثين ، أو انقلابه خلاًّ .
  إذا عرفت ذلك فنقول: ألحق جماعة من الأعلام بالخمر في النجاسة ، والحرمة ، العصير العنبي ، إذا غلى واشتدَّ ، ولم يذهب ثُلُثاه .
  أمَّا حرمته: فلا إشكال فيها ، بل تتحقَّق بمجرد الغليان ، وإن لم يشتدَّ .
  قال المحقِّق في "المعتبر": ( وفي نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردُّد ، وأمَّا التحريم فعليه إجماع فقهائنا ، ثمَّ منهم من أتبع التحريم بالنجاسة ، والوجه : الحكم بالتحريم ، مع الغليان ، حتَّى يذهب الثُلُثان ووقوف النجاسة على الاشتداد ).
 والإنصاف: أنَّه لا خلاف بين الأعلام قديماً ، وحديثاً ، بالنسبة للتحريم ، وإنَّما اختلفوا في نجاسته ، ففي "المسالك" ، و"المدارك" ، وغيرهما: نسبة القول بالنجاسة إلى المشهور بين المتأخرين ، بل في "الروض" و"الرياض" و"منظومة الطباطبائي": حكاية الشهرة على ذلك ، من غير تقييد بذلك ، وفي "المختلف": نسب ذلك إلى أكثر علمائنا ، وعن الشهيد الثاني في "شرح الرسالة": أنَّ تحقيق القولَيْن في المسألة مشكوك فيه ، بمعنى أنَّه لا قائل إلَّا بالنجاسة
 ولكنَّ المصنِّف في "الذكرى" - بعد ذكره النجاسة عن ابن حمزة ، و"المعتبر" ، والتوقَّف عن "نهاية الفاضل" - قال: ( ولم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة ، ولا نصَّ على نجاسة غير المسكر ، وهو منتفٍ هنا ... ).
 وذكر في "البيان" أيضاً أنَّه: ( لا نصَّ على نجاسة غير المسكر ، وهو منتف هنا ).
 قال في المدارك: ( ومع ذلك فأفتى - أي الشهيد - في الرسالة بنجاسته وهو عجيب ، ونقل عن ابن أبي عقيل التصريح بطهارته ، ومال إليه جدي - قدس سره- في حواشي القواعد ، وقوَّاه شيخنا المعاصر سلَّمه الله تعالى ، وهو المعتمد ...) .
 وفي "مفتاح الكرامة": ( فإنَّه - بعدما حكى عن "المختلف" نسبة النجاسة إلى أكثر علمائنا ، كالمفيد ، والشيخ ، والسيد ، وأبي الصلاح ، وسلار ، وابن إدريس رحمهم الله جيمعاً - قال : ولعلَّه ظفر به في كتبهم ، ولم نظفر به ) .
  وفي "المستند" قال: ( الذي يظهر لي أنَّ المشهور بين الطبقة الثالثة - يعني طبقة متأخري المتأخرين - الطهارة ، وبين الطبقة الثانية - أي المتأخرين - النجاسة ، وأمَّا الأُولى - يعني القدماء - فالمصرِّح منهم بالنجاسة إمَّا قليل ، أو معدوم ) .
 وممَّن ذهب إلى الطهارة صاحب الحدائق والسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي رحمهم الله جميعاً ، وكذا غيرهم من الأعلام الذي يطول الكلام بذكرهم .
  ثمَّ المراد بالغليان هو صيرورة أعلاه أسفله ، وباشتداده حصول الثخانة له ، وعن فخر الدين في "حاشية الإرشاد": ( أنَّ المراد بالاشتداد عند الجمهور الشدَّة المطرِّية ، وعندنا أنَّ يصير أسفله أعلاه بالغليان ) .
  ويظهر من المصنف في "الذكرى" ، والمحقق الثاني أنَّ الثخانة تتحقَّق بمجرد الغليان .
  إذا عرفت ذلك فنقول: استدل للقول بالنجاسة بعدَّة أدلَّة :
 منها: الإجماع ، ادَّعاه بعض الأعلام .
 وفيه
 أوَّلًا: عدم تحقُّق الإجماع ، مع شهرة الخلاف في المسألة .
 وثانيا: أنَّه من الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وقد عرفت حاله .
 ومنها: ما دلَّ على نجاسة المسكر ، بناء على أنَّ العصير العنبي بعد الغليان منه .
 وفيه
 أوَّلًا: أنَّ العصير العنبي ليس بمسكر ، ما لم يطرأ عليه التغيُّر ، والنشيش ، ونحو ذلك ، وإلَا لم يجعلوه قسيماً للمسكر المايع .
 إن قلت: يحتمل في الواقع كونه مسكراً ، إذ لم نعثر على من جرَّبه ، وأخبر بأنَّه ليس مسكر .
 قلت: لو كان مسكراً لعرفه المتعمدون إلى قصد المسكر ، ولم يكونوا يتكلَّفون في تخميره ، ولا أقلّ من أن يستغنوا به عن الخمر لدى عدم قدرتهم على تحصيلها .
 أضف إلى ذلك: أنَّه كيف يحتمل دوران وصف الإسكار الذي هو تدريجي الحصول والارتفاع مدار الغليان ، وعدم ذهاب الثلثين حدوثاً وارتفاعاً في جميع المصاديق ، مع شدّ!َة اختلاف طبايعها من حيث التأثير ، والتأثَّر ، هذا أوَّلًا .
 وثانياً: قد ذكرنا سابقاً أنَّه لا دليل على نجاسة كلّ مسكر ، ما لم يدخل تحت عنوان الخمر .
 ومنها: الأخبار الدَّالة على أنَّ الخمر من خمسة أو ستة ، وعدّ منها العصير من الكرم بضميمة ما دلَّ على نجاسة الخمر
 ففي حسنة عبد الرحمان بن الحجَّاج عن أبي عبد الله ع قال: ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمزر من الشعير ، والنبيذ من التمر ) [1] .
  وأمَّا من عدَّ العصير من الكرم في الخمر من الأعلام ، فمنهم صاحب المهذب البارع ، حيث ذكر: ( أنَّ اسم الخمر حقيقة في عصير العنب إجماعاً ) ، وفي محكيّ "الفقيه" من رسالة والده: ( اِعلم يا بني أنَّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار ، أو غلا من غير أن تمسّه فيصير أعلاه أسفله فهو خمر ، فلا يحل شربه حتى يذهب ثلثاه )
 وفيه: ما لا يخفى ، إذ نمنع صدق اسم الخمر عليه حقيقة ، بدليل صحة سلب الخمر عنه عرفاً ، ولغةً .
 وأمَّا الأخبار الدَّالة على أنَّ الخمر من خمسة ، أو ستة ، والتي منه االعصير من الكرم .
 ففيها: أنَّ المراد بهذه الأخبار التنبيه على أنَّ الخمر أصله من هذه الأمور ، كما هو واضح ، لا أن مجرد غليان عصير العنب يكون خمراً .
 ومنها: ما دلَّ من الأخبار على أنَّه لا خير في العصير إن طبخ حتَّى يذهب ثلثاه ، كخبر أبي بصير قال: ( سمعت أبا عبد الله ع ، وسُئِل عن الطلا ، فقال : إن طبخ حتَّى يذهب منه اثنان ، ويبقى واحد ، فهو حلال ، وما كان دون ذلك فليس فيه خير ) [2] .
  ومرسل محمَّد بن الهيثم عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( سألته عن العصير يطبخ بالنار ، حتَّى يغلي من ساعته أيشربه صاحبه ؟ فقال : إذا تغيَّر عن حاله ، وغلا ، فلا خير فيه حتَّى يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه ) [3]
 وفيهما
 أوَّلًا: أنَّهما ضعيفا السند: أمَّا الأوَّل: فبعليّ بن أبي حمزة البطائني وأمَّا الثاني: فبالإرسال .
 وثانياً: لا يدلَّان على النجاسة ، لأنَّ المراد بـ "خير" في الرواية هو شربه ، لأنَّه الأثر المرغوب فيه ، وأثر لغير الشرب ، وإن كان طاهراً ، لعدم صحة رفع الحدث ، أو الخبث به ، إذ لا بدَّ أن يكون الرافع لهما هو الماء المطلق .


[1] - الوسائل باب1 من أبواب الأشربة المحرمة 1
[2] - الوسائل باب2 من أبواب الأشربة المحرمة 6
[3] - الوسائل باب2 من أبواب الأشربة المحرمة 7

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo