< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ الاسلام
 كان الكلام في المرتد عن فطرة وهل تقبل توبته أم لا وكنا في صدد ذكر الروايات التي تقول بعدم قبول التوبة وذكرنا عدة روايات وبقي عدة روايات
 منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن ع قال: ( سألته عن مسلم تنصَّر ، قال : يقتل ، ولا يُستتاب ، قلت : فنصراني أسلم ، ثمَّ ارتدَّ ، قال : يُستتاب ، فإن رجع ، وإلَّا قُتِل ) [1]
 ومنها: مرسلة عثمان بن عيسى عن رجل عن أبي عبد الله ع قال : ( مَن شكَّ في الله ، بعد مولده على الفطرة ،لم يفئ إلى خير أبداً ) [2] ولكنَّها ضعيفة ، وكذا غيرها من الروايات .
 واستدلَّ أيضاً صاحب الجواهر: بالاستصحاب ، أي استصحاب موضوع الكفر نفسه ، واستصحاب حكمه من النجاسة ، ونحوها .
 أقول:
 أمَّا الإجماع المدَّعى: فهو من الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وقد عرفت حاله ، وعلى فرض التسليم به فهو دليل لبِّيّ ، يُقتصر فيه على القدر المتيقن ، وهو الأحكام الأربعة : قتله ، وتقسيم ماله ، وبينونة زوجته ، واعتدادها عدَّة الوفاة ، ولعلَّ هذا أيضاً هو الذي أرسلوه إرسال المسلَّمات .
 وأمَّا الاستصحاب: فلا مسرح له مع وجود الدليل الاجتهادي على قبول إسلامه ، كما سنذكره ، إن شاء الله تعالى .
 أضف إلى ذلك: أنَّ استصحاب الحكم من النجاسة ، وغيرها ، هو من استصحاب الحكم الكليّ ، وقد عرفت الإشكال فيه .
 وأمَّا الأخبار: فمحمولة على الأحكام الأربعة المتقدِّمة ، وستعرف الوجه في ذلك ، وهو أنَّه لا إشكال في صِدق الإسلام عليه إذا تشهد بالشهادتَيْن .
 وقد ذكرنا سابقاً عند الكلام عن نجاسة الكافر ، والمنكر للضرورة ، وعند الكلام عن كُفْر النواصب ، والخوارج : الأدلَّة بالتفصيل ، بل قلنا : إنَّه يتحقَّق منه الإسلام بالشهادتَيْن ، وإن عُلِم منه باطناً أنَّ إسلامه لغرض من الأغراض الدنيوية ، ما لم يُظهِر الخِلاف ، هذا أوَّلًا .
 وثانياً: أنَّه لا إشكال أنَّه مكلَّف بالإسلام ، وبشرائعه ، من الصلاة والصوم والحجّ ، ونحوها ، من الأشياء المشروطة بالطهور ، بل لا يُظنّ بأحد ممَّن قال : بعدم قبول توبته ، الالتزام بجواز تركه للصلاة والصوم ، وغيرهما
 وعليه ، فإذا قلنا: بأنَّه مكلَّف بالإسلام ، وبشرائعه ، ومع ذلك لا يُقبل إسلامه ، ويبقى على نجاسته ، وبالنتيجة لا يتمكَّن من الصلاة والصوم ، فيلزم حينئذٍ التكليف بغير المقدور ، وبما لا يُطاق .
 قال صاحب الجواهر: ( إنَّه لا قُبْح في التكليف بذلك بعد امتناعه عليه باختياره ، لِمَا هو مقرَّر في محلِّه : "أنَّ ما بالاختيار لا ينافي الاختيار" ، وله نظائر في الشرع ).
 وفيه: ما ذكرناه في علم الأصول مفصَّلًا ، من أنَّ "الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار" عقاباً ، وينافيه خطاباً ، وتفصيله في محلِّه .
 والخلاصة إلى هنا: هو قبول توبته ، وإسلامه .
 وأمَّا الاخبار المتقدِّمة الدَّالة على عدم قبول التوبة: فتحمل على عدم قبولها بالنسبة للأمور الأربعة المتقدِّمة .
 وبالجملة ، فإنَّ التصرُّف فيها بحملها على ما ذكرنا أهون بكثير من تخصيص ما دلَّ على كونه مكلَّفاً بالشريعة بغير المرتدّ الفطري .
 أضف إلى ذلك: أنَّ عدم قبول توبته معناه أنَّ ندامته على كفره الصادر منه غير موجبة لمحوه ، وصيرورته كالعدم ، وهذا لا يقتضي عدم قبول إسلامه الذي سيصدر منه فيما بعد .
 غاية الأمر: أنَّ إسلامه اللاحق لا يوجب الجبَّ عمَّا سبق ، كما يوجبه في غير المرتدّ ، فيُعاقب حينئذٍ على ارتداده .
 إن قلت: إنَّ عدم قبول التوبة معناه أنَّه مخلَّد في النار ، وهو ينافي كون المسلم غير مخلَّد في النار .
 قلت: إنَّ المسلّم به إنَّما هو خلود مَن مات كافراً ، لا مطلق مَن كفر ، بحيث يشمل مثل الفرض .
 وعليه ، فإنَّه يُعاقب على ارتداده ، لكن لا يخلَّد في النار ، بل يستحقّ الثواب على أعماله الصالحة ،كما يؤيِّده صحيحة زرارة عن أبي جعفر ع قال: ( مَن كان مؤمناً فحجَّ ، وعمل في إيمانه ، ثمَّ أصابته فتنة ، فكفر ، ثمَّ تاب ، وآمن ، قال : يُحسَب له كلّ عمل صالح عمله في إيمانه ، ولا يبطل منه شيء ) [3]
 
 ولا يخفى أنَّ موسى بن بكير هو الواسطي ، وهو أيضاً من المعاريف ، الكاشف ذلك عن وثاقته .


[1] - الوسائل باب1 من أبواب حد المرتدّ ح5
[2] - أصول الكافي ج2 ، ص400 ، باب الشك ح6 .
[3] - الوسائل باب30 من أبواب مقدمة العبادات ح1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo