< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ النار
 كان الكلام بالنسبة لمرسلة ابن ابي عمير بالنسبة للعجين اذا خبز
 فهي: رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابه - وما أحسبه إلَّا حفص بن البختري ( قيل لأبي عبد الله ع في العجين يعجن من الماء النجس ، كيف يصنع به ؟ قال ع : يُباع ممَّن يستحلّ أكل الميتة ) [1]
 وجه الدلالة: أنَّه لو كانت النار مطهِّرةً له لَمَا كان وجهٌ لأمره بالبيع ممَّن يستحلُّ أكل الميتة .
 ولكنَّها ضعيفة بالإرسال ، وإن كان المرسل ابن أبي عمير ¬ .
 نعم ، المظنون عنده أنَّ هذا البعض الذي روى عنه هو حفص بن البختري الثقة ، ولكنَّ الظنَّ لا يغني من الحقِّ شيئاً .
 وقال في "شرح المفاتيح": ( لو كان التعديل من الظنون الاجتهاديَّة لكان هذا الحديث صحيحاً ... )
 وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة أنَّ الظنون الرجاليَّة ، وإن كانت حجَّة ، إلَّا أنَّها لا بدَّ أن تكون مبنيَّة على الحسِّ ، أو محتمل الحسيَّة .
 وعلى كلِّ حال : ما ظنَّه ابن أبي عمير ليس من الظنون الرجاليَّة المبحوث عنها في علم الرجال .
 ومنها: مرسلته الأخرى عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع: قال: ( يُدفن ، ولا يباع ) [2] ، ودلالتها تامَّة ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .
 ولنا كلام يأتي - إن شاء الله تعالى- قريبا عن الأمر بالدفن وعدم بيعه ، مع أنَّه في المرسلة الأُولى الموجود فيها : "يُباع ممَّن يستحلّ أكلَّ الميتة" .
 وأمَّا القول: بأنَّ ضَعفَ السند في المرسلتَيْن مجبور بعمل الأصحاب .
 ففيه: ما قد عرفت ، فلا حاجة للإعادة .
 ومنها: خبر زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ: قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع: ( عَنْ قَطْرَةِ خَمْرٍ ، أَوْ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ ، قَطَرَتْ فِي قِدْرٍ ، فِيهَا لَحْمٌ كَثِيرٌ ، ومَرَقٌ كَثِيرٌ ، فَقَالَ : يُهَرَاقُ الْمَرَقُ ، أَوْ يُطْعِمُه لأَهْلِ الذِّمَّةِ ، أَوِ الْكِلَابِ ، واللَّحْمَ فَاغْسِلْه وكُلْه ، قُلْتُ : فَإِنْ قَطَرَ فِيهَا الدَّمُ ؟! فَقَالَ : الدَّمُ تَأْكُلُه النَّارُ - إِنْ شَاءَ اللَّه - ، قُلْتُ : فَخَمْرٌ ، أَوْ نَبِيذٌ ، قَطَرَ فِي عَجِينٍ ، أَوْ دَمٌ ، قَالَ : فَقَالَ : فَسَدَ ، قُلْتُ : أَبِيعُه مِنَ الْيَهُودِ والنَّصَارَى ، وأُبَيِّنُ لَهُمْ ، قال : نعم ، فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ شُرْبَه ) [3]
 
 إذ المتعارف بيعه مخبوزاً عليهم ، لا عجيناً .
 فتكون دالَّة على عدم طهارته بالخُبز ، وإلَّا لما أمر ع ببيعه على النصارى .
 وفيه:
 أوَّلًا: أنَّها ضعيفة بجهالة الحسين بن مبارك ، والموجود في الوسائل : الحسن مبارك ، لكن الصحيح هو الحسين ، إذ لا وجود للحسن .
 وثانياً: يظهر منها دوران نجاسة الدم مدار عينه ، وعدم كون الدم الواقع في المرَق مؤثِّراً في تنجيس المرَق .
 والتفصيل بين الدم ، وبين غيره من النجاسات ، وكذلك يظهر منها الفرق بين وقوع الدم في المرق ، أو في العجين ، وكلّ هذه الأمور في غير محلِّها ، كما نبَّهنا على ذلك سابقاً .
 وممَّا يزيد وهنها : إعراض الأصحاب عنها .
 والخلاصة إلى هنا: أنَّ الدليل الأوَّل المشهور غير تامّ .
 الدليل الثاني: الاستصحاب ، لبقاء الموضوع عرفاً ، فإن كونه خبزاً ليس حقيقة أخرى ، غير كونه عجيناً ، فالاختلاف بينهما إنَّما هو بالصفات فقط ، وهذا لا يضرّ بوحدة الموضوع عرفاً .
 وفيه: أنَّ الأمر ، وإن كان كما ذُكِر من وحدة الموضوع ، إلَّا أنَّنا ذكرنا في أكثر من مناسبة عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليَّة ، إذ استصحاب المجعول يعارضه استصحاب عدم الجعل ، وبعد التعارض يتساقطان .
 وعليه ، فهذا الدليل الثاني كالأول غير تامٍّ .
 ثمَّ إنَّه قد يُستدلّ لما ذهب إليه الشيخ في "النهاية" - من طهارته بالخبز - بروايتَيْن :
 الرواية الأُولى: مرسلة ابن أبي عمير عمَّن رواه عن أبي عبد الله ع ( في عجين عُجِن ، وخُبِز ، ثمَّ علم أنَّ الماء كانت فيه ميتة ، قال : لا بأس ، أكلتِ النار ما فيه ) [4]
 وفيها:
 أوَّلًا: أنَّها ضعيفة بالإرسال ، لا سيما أنَّ المشهور أعرض عنها .
 وثانياً: لم يظهر أنَّ المراد من الميتة هي ميتة ذي النفس السائلة ، كما أنَّه لا يظهر منها أنَّ الماء قليل ، حتَّى ينفعل بالنجاسة ، فلعلَّه كثير ، أو أنَّه ماء البئر الذي لا ينفعل بالنجاسة ، وإن كان قليلًا ، إلَّا مع التغيّر .
 وعليه ، فيكون التعليل بأكل النار ما فيه إنَّما هو لمجرد وجود القذارة التي لا يجب التنزّه عنها ، ولكنّ النار ترفعها
 الرواية الثانية: رواية أحمد بن محمَّد بن عبد الله بن زبير عن جدِّه قال : ( سألت أبا عبد الله ع عن البئر يقع فيها الفأرة ، أو غيرها من الدواب ، فتموت فتُعجَن من مائها ، أيؤكل ذلك الخبز؟ قال : إذا أصابته النار فلا بأس بأكله ) [5]
 وفيها:
 أوَّلًا: أنَّها ضعيفة بجهالة أحمد بن زبير ، وجدِّه .
 وثانياً: أنَّ ماء البئر - كما تقدَّم - لا ينفعل إلَّا بالتغيُّر .
 وعليه ، فلا يفهم منها نجاسة العجين حتَّى تطهِّره النار وأمَّا التعليل بإصابة النار له فلعلَّه لإزالة النُفرة ، كما تقدَّم .
 والإنصاف: بعد أن كانت الروايات ضعيفة السند ، وعدم جريان استصحاب النجاسة لكونه من استصحاب الحكم الكلي أنّ مقتضى الصناعة العلميّة هو الطهارة ، لقاعدتها ، فإنَّ كان هناك تسالم بين الأعلام على النجاسة ، قديماً وحديثاً ، فهو المتَّبع ، وإلَّا فالأقرب هو القول بالطهارة ، ومع ذلك فالاحتياط حسن ، والله العالم .
 ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على أمر ، وهو أنَّ مرسلة ابن أبي عمير الأُولى أمرت ببيع الخُبز ، والرواية الثانية نهت عن البيع ، وأمرت بدفنه .


[1] - الوسائل باب11 من أبواب الأسآر ح1
[2] - الوسائل باب11 من أبواب الأسآر ح2
[3] - الوسائل باب38 من أبواب النجاسات ح8
[4] - الوسائل باب14 من أبواب الماء المطلق ح18
[5] - الوسائل باب14 من أبواب الماء المطلق ح17

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo