< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ الأرض
 لا زال الكلام في الروايات الواردة في مطهرية الأرض
 ومن جملة الروايات التي استُدل بها على المطلب: رواية حفص بن أبي عيسى قال: ( قلت لأبي عبد الله ع: إنِّي وطِئتُ على عَذِرَة بخُفِّي ، ومسحته ، حتَّى لم أرَ فيه شيئاً ، ما تقول في الصلاة فيه ؟ فقال : لا بأس ) [1]
 ولكن أشكل العمل بها من جهتَيْن:
 الأولى: أنَّها ضعيفة السند ، بجهالة حفص بن أبي عيسى .
 الثانية: من حيث الدلالة ، لأنَّها دلَّت على نفي البأس عن الصلاة في الخُفّ الذي لا يُشترط فيه الطهارة ، لأنَّه ممَّا لا تتمَّ الصلاة فيه ، ولا دلالة لها على طهارة الخُفّ .
 ولكن الإنصاف: أنَّ هذا الإشكال يمكن دفعه ، لأنَّ نظر السائل - والله العالم - إنَّما هو من حيث السؤال عن طهارة الخُفّ بالمسح به على الأرض ، وإلَّا لو كان المراد هو جواز الصلاة فيه ، لأنَّه لا تتمّ به الصلاة ، لما كان هناك حاجة لقوله : "مسحته ، حتَّى لم أرَ فيه شيئاً" ، إذ لا يُشترط في جواز الصلاة فيه مسحه بالأرض وعليه ، فالمقصور بنفي البأس عنه صيرورته طاهراً ، وعدم الحاجة إلى غسله .
 والذي يهوِّن الخطب: أنَّها ضعيفة السند .
 ويظهر من هذه الأخبار المتقدِّمة: أنَّ الذي تطهِّره الأرض هو ما ينجس بها ، فهل تطهِّر أيضاً ما ينجس من غيرها - كما إذا تنجَّس النعل ، أو القدم ، أو الخفّ ، بالدم الخارج من الإنسان ، أو من بول الإنسان ، أو غائطه الخارج منه ، والواقع على أسفل القدم ، والنعل ، والخفّ ، مباشرة - أم لا ؟ .
 أقول: التأمُّل في الروايات المتقدِّمة يُفضِي إلى الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض ، كوطئ العذرة ، ونحوها ، بل هذا هو مورد الروايات ، بلا حاجة للتأمّل .
 وأمَّا في غير ذلك فلا يكون مشمولًا لها ، ولا يوجد عندنا عموم ، أو إطلاق ، حتَّى يُتمسَّك به .
 وعليه ، ففي غير هذا المورد يرجع إلى عموم ، أو إطلاق ، ما دلَّ على أنَّ النجاسة يعتبر في إزالتها الغسل بالماء
 إن قلت: يوجد عندنا إطلاق يُستَفاد منه أنَّ الأرض تطهِّر القدم ، والنعل ، والخفّ ، وإن كانت النجاسة حاصلة من غير الأرض ، وهو صحيح زرارة عن أبي جعفر ع قال : ( جرت السنة في الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العِجَان [2] ، ولا يغسله ، ويجوز أن يمسح رجلَيْه ، ولا يغسلهما ) [3]
 قلت: يظهر من قوله : " ولا يغسلهما " أنَّ الصحيحة ناظرة إلى المسح في الوضوء ، ولا يصحّ غسل الرجلين ، كما يفعل العامَّة .
 ثمَّ إنَّه لو سلِّم أنَّ الصحيحة في مقام تطهير الأرض للقدمَيْن ، إلَّا أنَّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة ، حتَّى يُؤخذ بالإطلاق ، بل هي مجملة ، ويُؤخذ بالقدر المتيقن ، وهو النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض .
 وذهب المحقِّق الهمداني: إلى عدم الفرق بين النجاسة الحاصلة من الأرض ، أو من غيرها ، باعتبار أنَّ العرف لا يفهم إلَّا أنَّ المسح ، أو المشي على الأرض ، هو طهور للقدم ، والخُفّ ، والنعل ، من غير أن يكون لكيفيَّة وصول النجاسة إلى هذه الأشياء مدخليَّة في الحكم .
 ولذا لا يتوهَّم أحد فرقاً بين كيفيَّات الوصول ، ولا بين أن تكون العَذِرَة التي يطأها برجله مطروحة على الأرض ، أو على الفراش ، ونحوه ، فإنَّ مثل هذه الخصوصيات ليست من الخصوصيات الموجبة لتخصيص الحكم بنظر العرف .
 وفيه: أنَّ ما ذكره ، وإن كان صحيحاً ، إذ العرف لا يرى فرقاً بين الوطء على الأرض مباشرة ، وبين وطء العَذِرَة المطروحة على الفراش ، ونحوه ، وإنَّما الكلام لو وصلت النجاسة من الخارج ، من غير الوطء ، كما لو وقع دم من الإنسان على أسفل قدمه ، أو نَعْله ، ففي هذه الحالة يرى العرف أنَّ النجاسة الحاصلة بغير الوطء من الخصوصيات المختلفة عن النجاسة الحاصلة بالوطء ، فلا يكون الحكم واحداً .
 ومهما يكن ، فإن الأحوط وجوباً الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي .
 ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على أمور :
 الأول: ذكر صاحب المدارك: ( أنَّه لا فرق بين الخُفّ ، والنَعْل ، وغيرهما مما يُنتعل ، ولو من الخشب ، كالقَبْقَاب ، وخشبُ الأقطع يلحق بالنعل ، أو القدم ، ولا يلحق بهما أسفل العصا ، وكعب الرمح ... .)
 وفي معقد إجماع "جامع المقاصد" : ( كل ما يُنتعل به ، كالقَبْقَاب ) ، قال في الجواهر : ( بل هو الأقوى وفاقاً لجماعة ، منهما الأسكافي ، والسيدان في المنظومة والرياض - إلى أن قال : - بل يمكن إلحاق مَن يمشي على ركبتَيْه ، أو عليهما ، وعلى كفَّيْه بذلك ، بل وما توقَّى به هذه أيضاً ، بل ونعل الدابَّة ، ونحوه ، بل وحواشي القدم مثلًا ، القريبة من أسفله ، وإن كانت هي من الظاهر ...) .
 أقول: لا إشكال في إلحاق حواشي القدم ، والنعل ، والخُفّ ، بهذه الأمور ، بالمقدار المتعارف ، إذ الغالب إصابة النجاسة لحواشي القدم بالمقدار المتعارف ، بل لعلَّ صحيح زرارة السابق صريح في ذلك ، حيث قال : "فساخت رجله فيها " .
 وبالجملة ، فلا إشكال في شمول الأخبار المتقدِّمة لحواشي القدم بالمقدار المتعارف ، إذ يندر جدّاً أن تصيب النجاسة باطن القدم ، والنَعْل ، والخُفّ ، ولا تصيب شيئاً من الأطراف المتصلة بالباطن ، وإنَّما الكلام في إلحاق الركبتَيْن واليدَيْن بالنسبة إلى مَن يمشي عليهما ، وكذا نعل الدابَّة ، وعصى الأعرج ، وخشبة الأقطع ، ونحوها .
  أقول: قد يٌستدلّ للإلحاق بدليلَيْن :
 الأَوَّل: قوله ع في الأخبار المتقدِّمة : " أنَّ الارض يطهِّر بعضها بعضاً " .
 وفيه: أنَّه لا إطلاق فيها يشمل جميع ما ذُكِر من الأمثلة ، وإلَّا لو التزمنا بالإطلاق لدلَّ على أنَّ الأرض تطهِّر جميع ما يتنجَّس بها ، والحال أنَّه لا يُعقَل الالتزام بذلك ، إذ كثير من الأمور التي تتنجَّس بالأرض لا تُطهَّر إلَّا بالماء .
  وعليه ، فلا إطلاق لهذا التعليل ، ومقتضى القاعدة في حال الشكّ هو الرجوع إلى عموم ، أو إطلاق ، مطهِّرية الماء .
 


[1] - الوسائل باب32 من أبواب النجاسات ح6
[2] - العِجَان : ©ما بين القبل والدبر® نصَّ عليه الطريحي ¬ في "مجمع البحرين" .
[3] - الوسائل باب32 من أبواب النجاسات ح10

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo