< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ الأرض
 لا زال الكلام في الروايات الواردة في مطهرية الأرض
 ومنها: رواية مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ قَالَ: ( نَزَلْنَا فِي مَكَانٍ ، بَيْنَنَا وبَيْنَ الْمَسْجِدِ زُقَاقٌ قَذِرٌ ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّه ، فَقَالَ : أَيْنَ نَزَلْتُمْ ؟ فَقُلْتُ : نَزَلْنَا فِي دَارِ فُلَانٍ ، فَقَالَ : إِنَّ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ الْمَسْجِدِ زُقَاقاً قَذِراً ، أَوْ قُلْنَا لَه : إِنَّ بَيْنَنَا وبَيْنَ الْمَسْجِدِ زُقَاقاً قَذِراً ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ ، الأَرْضُ تُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً ، قُلْتُ : والسِّرْقِينُ الرَّطْبُ ، أَطَأُ عَلَيْه ؟ فَقَالَ : لَا يَضُرُّكَ مِثْلُه ) [1] .
 وهي مطلقة من حيث الوطء ، لا اختصاص لها بشيء معين ، كما أنَّ ظاهرة في الطاهرة ، ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ محمَّد بن إسماعيل - الذي يروي عنه الكليني - ليس هو ابن بزيع الثقة ، بل هو النيشابوري البُندُقي ، وهو مجهول الحال .
 ومنها: ما وراه ابن إدريس في آخر "السرائر" ، من نوادر أحمد بن محمَّد بن أبي نصر عن المفضَّل بن عُمر عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله ع قال: ( قلت له : إنَّ طريقي إلى المسجد في زُقًاق ، يبال فيه ، فربما مررت فيه ، وليس عليَّ حذاء ، فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ قلت : بلى ، قال : فلا بأس ، إنَّ الأَرْضُ تُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً ، قلت : فأطَأُ على الروث الرطب ، قال : لا بأس ، أنا - واللهِ - ربما وطئت عليه ، ثمَّ أصلي ، ولا أغسله ) [2]
 وهذه الرواية موردها القدَم ، ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ ابن إدريس لم يذكر طريقه إلى نوادر البنزنطي ، فتكون بحكم المرسلة .
 ثمَّ إنَّه مع قطع النظر عن ضعف السند ، فهل هاتان الروايتان رواية واحدة ، نقلها محمد الحلبي عن الإمام الصادق ع ؟ أي إنَّ الواقعة قضية واحدة ، أو أنَّها روايتان ؟ أي واقعتان نقلهما محمَّد الحلبي عن الإمام الصادق ع ، نقل أحديهما مطلقة ، والأخرى نقلها عن الإمام ، مقيَّدة بالقدَم ؟ .
 فإن قلنا: بالتعدد ، فلا منافاة بين الروايتين ، بل تكون إحداهما مطلقة ، والأخرى مقيَّدة بالقدم ، ولا موجب لحمل المطلق على المقيد .
 وإن قلنا: إنَّهما رواية واحدة ، فلا يمكن العمل بهما معاً ، لاشتباه الحُجَّة باللاحُجَّة ، إذ لا نعلم أيّهما الصادر عن الإمام ع .
 ثمَّ إنَّه ما المراد من قوله ع: " الأَرْضُ تُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً " ؟ هل المراد : أنَّ بعضها يطهّر ما ينجس ببعض ، أي إنَّ أسفل القدَم ، والنَعْل ، إذا تنجَّس ، بملاقاة بعض الأرض النجسة ، يُطهّره البعض الآخر الطاهر إذا مشي عليه ، فالمطهَّر بفتح الهاء - في الحقيقة - : ما ينجس بالبعض الآخر ، ويكون إسناده إلى البعض مجازاً ، كما يُقال : الماء مطهِّر للبول ، أي ما ينجّسه البول ، وإلَّا فالبول لا يطهر .
 ويحتمل أن يكون المراد : أنَّ بعضها ، وهو المُمَاس لأسفل النَعْل والقدَم - الطاهر منها يطهِّر بعضاً ، وهو النعل والقدم ، ويكون البعض الثاني نكرة ، أي الذي تطهِّره الأرض شيئاً ما ، ولا عموم في المطهَّر بالفتح ، فيُقتَصر فيه على القدر المتيقَّن .
 ولا يخفى أنَّ الاحتمال الأوَّل أقرب ، وأمَّا احتمال أن يكون المراد من التطهير انتقال القذارة من الموضع النجس إلى موضع آخر ، مرَّة بعد آخرى ، حتَّى لا يبقى منها شيء ، كما عن "الوافي" ، فهو بعيد جدّاً .
 والذي يهوِّن الخطب: أنَّ هذه الجملة - وهي : " الأرض يطهِّر بعضها بعضاً "- وردت في رواية المعلَّى ، ورواية الحلبي ، أو رواتَيْه - إن قلنا : بأنَّهما روايتان - وكلّها ضعيفة السند .
  نعم ، وردت هذه الجملة في حسنة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: ( كُنْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ ع ، إِذْ مَرَّ عَلَى عَذِرَةٍ يَابِسَةٍ ، فَوَطأ عَلَيْهَا ، فَأَصَابَتْ ثَوْبَه ، فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ! قَدْ وَطِئْتَ عَلَى عَذِرَةٍ ، فَأَصَابَتْ ثَوْبَكَ ، فَقَالَ : ألَيْسَ هِيَ يَابِسَةً ؟ فَقُلْتُ : بَلَى ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ ، إِنَّ الأَرْضَ تُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً ) [3]
 إلَّا أنَّها لا ربط لها بعدم تنجّس ثوبه، لأنَّ طهارة ثوبه إنَّما هو من جهة يبوسة العذرة .
 وعليه ، فتكون هذه الجملة مجملة ، لعدم وضوح المراد منها .
 ومن جملة الروايات التي استُدل بها على المطلب: رواية حفص بن أبي عيسى قال: ( قلت لأبي عبد الله ع: إنِّي وطِئتُ على عَذِرَة بخُفِّي ، ومسحته ، حتَّى لم أرَ فيه شيئاً ، ما تقول في الصلاة فيه ؟ فقال : لا بأس ) [4]


[1] - الوسائل باب32 من أبواب النجاسات ح4
[2] - الوسائل باب32 من أبواب النجاسات ح9
[3] - الوسائل باب 32 من أبواب النجاسات ح 2
[4] - الوسائل باب32 من أبواب النجاسات ح6

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo