< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ الأرض
 الأمر الخامس: المشهور بين الأعلام المتأخرين أنَّ الأرض ، ونحوها ، إذا كانت يابسة ، وأُريد تطهيرها بالشَّمس يصبّ عليه الماء الطاهر أو النجس ، فإذا أشرقت عليه الشَّمس وجفَّفته طهر .
 وقد عرفت استفادة هذا الحكم من صحيحة ابن بزيع المتقدِّمة ، حيث ورد فيها : " وكيف تطهر بغير الماء ، فراجع " ، والله العالم .
 قال المصنف: ( وتطهّر الأرضُ ، والحجرُ ، النعلَ ، والقدمَ ، إذا زالت العين بمشي ، أو غيره ، وفي رواية بمشي خمس عشرة ذراعاً )
 المعروف بين الأعلام: أنَّ من المطهِّرات في الجملة الأرضَ ، فإنَّها تطهِّر باطن الخُفّ ، وأسفل القدم ، والنَعْل ، وفي "المدارك" : ( هذا الحكم : مقطوع به في كلام الأصحاب ) ، وفي "جامع المقاصد" : ( هذا مجمع عليه) .
 وقد اقتصر المصنِّف هنا على ذكر النَعْل ، والقدم ، ولم يذكر الخُفَّ ، كما أنَّ الشيخ المفيد في "المقنعة": اقتصر على ذكر الخُفّ ، والنَعْل ، وربما يُستشعر منِ اقتصارهما على ما ذكراه : اختصاص الحكم بهما .
 ولكن الإنصاف: أنَّ اقتصارهما على ما ذكراه إنَّما هو لمجرد التمثيل ، وكذا عبائر غيرهما ، من الأعلام الذين اقتصروا على ذكر واحد من الثلاثة ، أو اثنين منها ، فإنَّ مرادهم مجرد التمثيل .
 نعم ، ربما ظهر من عبارة الشيخ عدم طهارة أسفل الخُفّ بمسحه في الأرض ، حيث قال: ( إذا أصاب أسفل الخُفّ نجاسة فدلكه في الأرض ، حتى زالت ، يجوز الصلاة فيه عندنا - ثمَّ قال : - دليلنا أنَّا قد بينَّا فيما تقدَّم أن َّما لا تتمّ الصلاة فيه بانفراده جازت الصلاة فيه ، وإن كانت فيه نجاسة ، والخُفّ لا تتمّ الصلاة فيه بانفراده ، وعليه إجماع الفرقة ) .
 لكنَّ جماعة من الأعلام حملوا كلامه على ما لا ينافي المشهور ، وهم على حقٍّ في ذلك ، إذ لو كان مراده ظاهر العبارة لما كان معنًى لِذكْره إصابة النجاسة لأسفل الخُفّ ، ودلكه بالأرض ، حتَّى تزول النجاسة ، إذ لا يُشترط في صحَّة الصلاة - فيما لا تتمّ فيه الصلاة إذا كان نجساً - هذه الأمور ، بل تصحّ ، ولو أصابت أعلى الخُفّ ، وسواء بقيت فيه النجاسة ، أم لا ومن هنا يتضح أنَّ مراده: ما هو المشهور بين الأعلام .
 ومهما يكن ، فالمسألة متسالَم عليها بين الأعلام .
 وتدلّ عليه جملة من الأخبار بلغت حدَّ الاستفاضة:
 منها: النبويَّان
 أحدهما: ( إذا وطأ أحدكم الأذى بخُفَّيْه فطهورهما التراب ) [1]
 وثانيهما: ( إذا وطأ أحدكم بنَعْلَيْهِ الأذى فإنَّ التراب له طهور ) [2]
  وموردهما : الوطْء بالخُفِّ ، وبالنَعْل ، كما أنَّ الطهور المذكور فيهما هو التراب .
  ومن المحتمل جدّاً : أنَّ الاقتصار على الخُفّ ، والنَعْل ، إنَّما هو من باب التمثيل ، كما أنَّ الاقتصار على التراب لذلك .
 ولكنَّهما ضعيفا السند جدّاً ، لعدم ورودهما من طرقنا .
 ومنها: صحيح زرارة قال: ( قلت لأبي جعفر ع: رجل وطأ على عَذِرَة ، فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه ، وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : لا يغسلها ، إلَّا أن يقذرها ، ولكنَّه يمسحها حتَّى يذهب أثرها ، ويصلِّي ) [3]
 فقوله: ( فساخت رجله ...) صريح في أنَّ موردها القدم ، وهذه الصحيحة ظاهرة جدّاً في الطهارة .
 ومنها: صحيحة الأحول عن أبي عبد الله ع قَالَ: ( فِي الرَّجُلِ يَطَأُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَيْسَ بِنَظِيفٍ ، ثُمَّ يَطَأُ بَعْدَه مَكَاناً نَظِيفاً ، قَالَ : لَا بَأْسَ ، إِذَا كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ) [4]
 فقوله : " لا بأس " أي إنَّ الوطء على المكان النظيف يطهِّره ، هذا حسب ما يفهم عرفاً .
 نعم ، التقييد بـ " خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً " لا يضرّ ، لما سيأتي إن شاء الله ، من حمل ذلك على الاستحباب ، أو على ما إذا توقَّف زوال العين على هذا المقدار .
 ولا يخفى أنَّ مورده الوطء ، وهو مطلق ، فهل يبقى على إطلاقه ، ويشمل كلّ ما يُوطأ به ، سواء بالثلاث المتقدِّمة ، وغيرها ، أو يُقتَصر على الثلاثة فقط ، أو عليها ، وعلى ما يُتعارف المشي عليه ، يأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى آخر المطلب .
 ومنها: رواية الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ: ( سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه عَنِ الْخِنْزِيرِ ، يَخْرُجُ مِنَ الْمَاءِ ، فَيَمُرُّ عَلَى الطَّرِيقِ ، فَيَسِيلُ مِنْه الْمَاءُ ، أَمُرُّ عَلَيْه حَافِياً ، فَقَالَ ألَيْسَ وَرَاءَه شَيْءٌ جَافٌّ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : فَلَا بَأْسَ ، إِنَّ الأَرْضَ تُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً ) [5]
 وهي ظاهرة جدّاً في مطهّريَّة الأرض ، إلَّا أنَّ موردها القَدَم ، ولكنَّها ضعيفة بالْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قال النجاشي: ( إنَّه ضعيف جدّاً ، لا يعوَّل عليه ) .
 أقول: هناك روايات كثيرة وردت في مدحه ، إلَّا أنَّها محمولة على معنى آخر ، ويكون كلام النجاشي هو المعوَّل عليه .


[1] - كنز العمال : 5/88 ، رقم 1878
[2] - كنز العمال : 5/88 ، رقم 1879
[3] - الوسائل باب32 من أبواب النجاسات ح7
[4] - الوسائل باب32 من أبواب النجاسات ح1
[5] - الوسائل باب32 من أبواب النجاسات ح3

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo