الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/03/24
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ الشمس
الأمر الثاني: هل تطهِّر الشَّمس باطن الأرض ، كما تطهِّر ظاهرها .
المشهور بين الأعلام المتأخرين ، ومتأخري المتأخرين : أنَّ الباطن يطهر مع الظاهر إذا جَفّ كلّ منهما بالشَّمس ، وكانت النجاسة الباطنيَّة متصلة بالظاهر ، فلو أصاب البول الأرض ، وسرت النجاسة إلى الباطن ، كما هو الغالب ، فأشرقت عليها الشَّمس , وجفَّفتها ، فيطهر الظاهر ، والباطن ، لأنَّ الباطن بنظر العرف ، المتصل بالظاهر ، يعدّ شيئاً واحداً ، هذا إذا جَفَّ الباطن مع الظاهر .
وأمَّا إذا اختص الظاهر بالجفاف فقط ، فلا يطهر الباطن ، كما أنَّه لا يطهر الباطن لو اختصَّ بالنجاسة ، وكان الظاهر طاهراً ، فأشرقت الشَّمس ، وجفَّفته ، إذ هذا الفرد غير ظاهر من صحيحة زرارة ، الدَّالة على مطهّريَّة الشَّمس
وممَّا ذكرنا يتضح حكم ما لو وضع حصيران نجسان ، أحدهما على الآخر ، وأشرقت الشَّمس على الأعلى ، فإنَّه هو الذي يطهر فقط ، ولا يطهر الآخر ، وإن جفَّ ، لأنَّ كلًا منهما - بحسب الظاهر - موضوع مستقلّ عند العرف .
وقدِ استند جفاف الآخر غير الأعلى إلى حرارة الشَّمس ، دونها ، وإنَّما تكفي حرارة الشَّمس لو كان عند العرف شيئاً واحداً ، كالباطن بالنسبة للظاهر .
وألحق جماعة من الأعلام ، منهم المحقِّق الهمداني: الجدار المتنجِّس إذا أشرقت الشمس على أحد جانبيه ، وجف الجانب الآخر به ، ألحقوه بالحصير الذي تحته آخر ، من حيث عدم طهارة الجانب الآخر ، باعتبار أنَّ العرف يرى أنَّ الجانب الآخر موضوع مستقلّ ، ومغاير للجانب الأول .
وعليه ، فإنَّ جفاف الجانب الآخر غير مستند عرفاً إلى إشراق الشمس .
والإنصاف: أنَّ الشَّمس إذا أشرقت على أحد جانبي الجدار فيطهر الجانب الآخر إذا جفَّ به ، بناء على أنَّ الشَّمس تطهِّر أصل الجدار ، ولا يرى العرف أنَّ الجانب الآخر موضوع مستقلّ ، بل هو تابع للجانب الأوّل ، كالباطن بالنسبة إلى الظاهر ، وكالحصير الواحد إذا أشرقت الشَّمس على أحد جانبيه فيطهر جانبه الآخر ، ولا فرق بينهما أصلا .
وأمَّا مجرد قابليَّة الجانب الآخر من الجدار لإشراق الشمس عليه فلا يخرجه عن التبعيَّة عرفاً ، كما لا يخرج أحد طرفي الحصير عن التبعيَّة عرفاً للطرف الآخر ، بمجرد قابليته لإشراق الشَّمس عليه .
الأمر الثالث: المعروف بين الأعلام أنَّ أجزاء الأرض كالحصى ، والتراب ، والأحجار ، ونحوها ، حكمها حكم الأرض ما دامت واقعة على الأرض ، وإن كانت بنفسها - لو لُوحظت مستقلَّة - قابلة للنقل .
وعليه ، فمتى أخذت هذه الأمور من الأرض لغرض من الأغراض ، كالتيمم مثلًا ،خرجت حينئذٍ عن التبعيَّة ، وحكمها حكم المنقول ، وإن أعيدت عاد حكمهما .
الأمر الرابع: المعروف بين الأعلام أنَّ النجاسة إذا كانت ذات جرم اعتبر زوال جرمها في التطهير بالشَّمس كالتطهير بالماء ، وقد ادَّعى صاحب المدارك الإجماع ، قال المصنِّف في الذكرى : ( ولا تطهر المجزرة ، والكنيف ، بالشَّمس ، لبقاء العين غالباً ، وكذا كلّ ما تبقى فيه العين ...) .
وقال ابن الجنيد: ( لا يطهر الكنيف والمجزرة بالشمس ... ) .
أقول: إنَّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام ، إذ كيف يطهر المحلّ ، مع كون جرم النجاسة مانعاً عن تحقّق الإشراق على المحلّ الذي هو الملاك في تحقُّق الطهارة ، وأمَّا النصوص المتقدِّمة فهي قاصرة عن إثبات الطهارة مع بقاء الجرم .
إن قلت: إنَّ مقتضى عموم خبر الحضرمي المتقدِّم : "كلَّما أشرقت عليه الشَّمس فقد طهر" عدم اعتبار هذا الشرط .
قلت
أوَّلًا: إنَّه ضعيف السند ، كما تقدَّم .
وثانياً: أنَّ المنسبق إلى الذهن من هذا الكلام ليس إلَّا إرادة الطهارة على تقدير زوال العين ، فليس عموم هذا الخبر إلَّا كعموم مرسلة الكاهلي: "كلَّ ما يراه ماء المطر فقد طهر" فكما لا يفهم من المرسلة طهارة الشيء الذي يصيبه ماء المطر إلَّا على تقدير زوال النجاسة ، أو استهلاكها ، فكذلك خبر الحضرمي ، والله العالم .