< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ الشمس
 كان الكلام في تطهير الشمس للحصر والبواري وذكرنا ثلاثة روايات تدل على ذلك نعيد ذكرها
 ومنها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ع قال: ( سألته عن البَوَاري ، يصيبها البول ، هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت ، من غير أن تغسل ؟ قال : نعم ، لا بأس ) [1]
 ومنها: صحيحه الآخر عن أخيه موسى بن جعفر ع قال: ( سألته عن البواري يُبلّ قصبها بماء قذر ، أيصلَّى عليه ؟ قال : إذا يبست فلا بأس ) [2]
 ومنها: موثَّقة عمَّار قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن البارية ، يُبلّ قصبها بماء قذر ، هل تجوز الصلاة عليها ؟ قال : إذا جفَّت فلا بأس بالصلاة عليها ) [3]
 وجه الاستدلال بهذه الروايات: هي أنَّها ظاهرة في جواز السجود على ذلك الموضع ، وقد اشترط الأعلام: أن يكون موضع السجود طاهراً .
 وعليه: فيُستفاد منهنا طهارة البواري وألحقوا بها الحُصْر إذ الأخبار خالية عنها .
 وقد يقال: إنَّ المراد بالبَوَاري في الأخبار ما يشمل الحُصْر ، قال الفاضل الأصبهاني في "كشف اللثام": ( إنِّي لم أعرف في اللغة فرقاً بين الحصر والبارية ، وفي "الصحاح" و"الديوان" و"المغرب" : أنَّ الحصير هو البارية ) .
 إن قلت: إنَّ هذه الروايات لم يُذكر فيها كون الجفاف بالشَّمس ، مع أنَّ هذا شرط أساسيّ في تطهير الشَّمس لها .
 قالوا: لا بدَّ من تقييده بذلك ، للتسالم بينهم على عدم الطهارة بمجرد الجفاف .
 أقول: لا يظهر من هذه الروايات إلَّا جواز الصلاة على الموضع النجس بعد الجفاف ، وهو لا يلازم الطهارة ، لأنَّ جواز الصلاة عليه لا يقتضي بالضرورة : كون السجود عليه ، حتَّى يُقال : إنَّ ذلك يقتضي طهارته ، إذ يمكن أن يصلي عليه ، ويضع شيئاً آخرَ طاهراً للسجود عليه ، كالتربة الحسينيَّة ، ونحوها .
 وممَّا يؤيِّد ذلك: ما ورد في صحيح زرارة عن أبي جعفر ع قال: ( سألته عن "الشَّاذَكُونَة" يكون عليه الجنابة ، أيُصلَّى عليها في الْمَحِمل ؟ قال : لا بأس ) [4]
 حيث فرض جواز الصلاة على "الشَّاذَكُونَة" مع كونها نجسة ، وهذا يدلّ على كون السجود على شيء آخر طاهر .
 وممَّا ذكرنا تعرف أنَّا لسنا بحاجة لتقييد الجفاف بكونه من الشَّمس ، لأنَّ الفرض أنَّ هذه الروايات لا يُستفاد منها طهارة الموضع .
 بقي في المقام شيء
 وهو أنَّه يظهر من فخر الإسلام عموم الحكم بالطهارة لكلِّ ما لا ينقل ، وإن عرض له النقل ، كالنباتات المنفصلة ، والآلات المتَّخذة من النباتات ، ونحو ذلك .
 وقد يُستدلّ له: بالاستصحاب التعليقي ، باعتبار أنَّ هذه الأمور كانت قبل قطعها ، وفصلها ، ممَّا يطهر بالشَّمس ، لكونها من النبات غير المنقول .
 وعليه ، فإذا شككنا بعد قطعها ، وفصلها ، في بقائها على الحالة السابقة ، فنستصحب بقاءها ، وبذلك نحكم بطهارتها .
 وفيه: أنَّ هذا الاستصحاب التعليقي قد عرفت الإشكال فيه .
 أضف إلى ذلك: أنَّه من استصحاب الحكم الكلي وفيه ما قد عرفت .
 ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على بعض الأمور :
 الأوَّل: المشهور بين الأعلام هو أنَّه يُشترط في مطهّريَّة الشَّمس استناد التجفيف إليها ، فلو كان الجفاف بغيرها ، أو بمعونة الريح ، فلا يكفي ، قال العلَّامة في "المنتهى" : ( لو جفَّ بغير الشمس لم يطهر عندنا ، قولًا واحداً خلافاً للخنفيَّة ) .
 ويظهر من الشيخ في موضع من "الخلاف" ، وفي "المبسوط" : أنَّه يكفي الجفاف بالريح ، قال في "الخلاف": ( الأرض إذا أصابها نجاسة ، مثل البول ، وما أشبهه ، وطلعت عليها الشَّمس ، أو هبَّت عليها الريح حتَّى زالت عين النجاسة ، فإنَّها تطهر ، ويجوز السجود عليها والتيمم بترابها ، وإن لم يطرح عليها الماء )
 وقال في موضع آخر من "الخلاف": ( إنَّ الأرض لو جفَّت بغير الشَّمس لم تطهر ... ) ، ولعلَّه عدول عن رأيه الأوَّل ، فلا تناقض .
 وأمَّا العلَّامة في "المختلف" فقد أوَّل كلام الشيخ بأنَّ مراده بهبوب الرياح : المزيلة للأجزاء ، الملاقية للنجاسة ، الممازجة لها ، وليس مراد الشيخ ذهاب الرطوبة عن الأجزاء ، كذهابها بحرارة الشمس .
 وقال صاحب المدارك: ( ولو حصل التجفيف بالشَّمس والريح معاً كان مطهِّراً ، لِصدق التجفيف بالشَّمس ، ولأنَّ الغالب تلازم الأمرين ...) .
 والإنصاف: أنَّ العمدة في مطهّريَّة الشَّمس هي صحيحة زرارة المتقدِّمة " إذا جفَّفته الشَّمس فصلِّ عليه فهو طاهر" ، وهي ظاهرة جدّاً في استناد الجفاف إلى الشَّمس بالاستقلال .
 نعم ، لمَّا كان الغالب وجود الريح الخفيفة فلا يضرّ حينئذٍ وجودها مع الشمس ، إذ يصدق عرفاً أنَّه استند التجفيف إلى الشَّمس ، وإن شاركتها الريح الخفيفة بمقدار قليل .
 وعلى ذلك ينزَّل ما ورد في صحيحة زرارة وحديد ، حيث قال ع : ( إن كان تصيبه الشَّمس والريح ، وكان جافّاً فلا بأس ...) ، حيث قلنا سابقاً : ( إنَّ ذِكْر الريح في الصحيحة إنَّما هو من باب أنَّ الغالب وجود الريح الخفيفة مع الشمس ، وهذا لا ينافي إسناد الجفاف حقيقة إلى الشمس ) .
  والذي يهوِّن الخطب أنَّ هذه الصحيحة لا تدلّ على طهارة ما يصيبه الشَّمس ، وإنَّما يُستفاد منها نفي البأس عن الصلاة في ذلك الموضع ، بعد أنَّ تجفَّفه الشَّمس .
 وممَّا ذكرنا يتضح لك: عدم صحة ما ذكره صاحب المدارك والمحقِّق الهمداني ، من كفاية حصول الجفاف بالشَّمس وبالريح ، على وجهٍ يستند التأثير إليهما ، على سبيل المشاركة .
 وجه عدم الصحة: هو أنَّ المستفاد من صحيحة زرارة - والتي هي العمدة - أنَّ المعتبر حصول الجفاف مستنداً إلى الشَّمس بالاستقلال ، نعم ، الريح الخفيفة لا تضرّ ، كما قلنا .
 وأمَّا مستند الشيخ - على ما ذهب إليه في "المبسوط" ، وموضع من "الخلاف" ، من الطهارة بتجفيف الريح - فلعلَّه إطلاق موثَّقة عمَّار ، حيث ورد فيها: " فأصابته الشَّمس ، ثمَّ يبس الموضع" ، حيث أطلق اليُبُوسَة فيها ، ولم يقيِّدها بكونها مستندة إلى الشمس ، فإذا جفَّفتها الريح فيصدق حينئذٍ أنَّ الأرض ممَّا أصابته الشَّمس ، ثمَّ يبُست .
 وفيه - مع قطع النظر عن صحة الإطلاق - : فإنَّ الموثَّقة لا تدلّ على مطهّريَّة الشَّمس ، كما بيَّنا سابقاً .
  ولعلّ مستنده أيضاً : صحيحتا علي بن جعفر المتقدِّمتان ، حيث أطلق فيهما الجفاف ، واليُبُوسة ، ولم يسندهما إلى الشَّمس .
 وفيه: ما عرفت ، من عدم دلالتهما على المطهّريَّة ، فراجع .


[1] - الوسائل باب29من أبواب النجاسات ح3
[2] - الوسائل باب30 من أبواب النجاسات ح2
[3] - الوسائل باب30 من أبواب النجاسات ح5
[4] - الوسائل باب30 من أبواب النجاسات ح3

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo