الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/02/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ الحبوب المبتلة والخبز وغيرهما
كان الكلام فيما سبق أن الحبوب قابلة للتطهير بالكثير والقليل ولكن بعضهم استشكل بتطهير الباطن وقلنا أنها تطهر بالتبعية واستدللنا لذلك بمعتبرة السكونة
ومنها: رواية زكريا بن آدم المتقدِّمة أيضاً: قال: ( سألت أبا الحسن ع عن قطرةِ خمر ، أو نبيذ مسكر ، قطرت في قِدْر فيه لحم كثير ، ومرق كثير ، قال يُهراق المرَق ، أو يطعمه أهل الذمَّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكُلْه ... )
[1]
ولكنَّها ضعيفة بجهالة الحسين بن مبارك ، والموجود في الوسائل الحسن بن مبارك ، ولكنَّ الصحيح هو الحسين ، لأنّ الحسن غير معنون عند الرجاليين .
ومنها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ع : قال: ( سألته عن أكسية المرعزى والخفاف تنقع في البول أيُصلَّى عليها ؟ قال : إذا غسلت بالماء فلا بأس )
[2]
ولكنَّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن ، فإنّه مهمل .
ويُستفاد من إطلاق الأمر بغسل اللحم في الجواب عدم الفرق بين غسله بالماء القليل والكثير ، كما يُستفاد منها قبول اللحم للتطهير ، مع كونه غير قابل للعصر .
لا يُقال: بعد الطبخ يكون قابلًا للعصر .
فإنّه يُقال: إنَّ بعض اللحم المطبوخ وإن كان كذلك ولكن كثيراً منها ليس كذلك ، بل ربَّما تشتمل على رطوبات لَزِجَة يتعذَّر بواسطتها العصر .
ويستفاد أيضاً أنَّ النافذ في أعماقه يكون ماء ، وإلَّا لو كان رطوبة محضة لما أمكن تطهيره .
نعم ، إذا لُوحِظ هذا النافذ باستقلاله لا يسمَّى ماء ، إلَّا أنَّه لأجل تبعيته لغسل الظاهر يصدق عليه الماء عقلًا وعرفاً ، ولو بأقلّ مصاديقه .
إن قلت: إنَّه يُحتَمل عدم ظهور هذه الأخبار في طهارة الباطن تبعاً للظاهر ، بل هي ظاهرة طهارة الظاهر فقط
قلت: هذا الاحتمال ، وإن كان ممكناً عقلًا إلَّا أنَّه خلاف الظاهر ، بل لا يمكن قبوله ، لأنَّ الإمام ع أمر بأكله بعد تغسيله ، فلو بقي الباطن على نجاسته لما أمر الإمام بأكله .
لا يُقال: لعلَّ أَمْر الإمام ع بأكله يُستَكشف منه عدم نجاسة الباطن .
فإنَّه يُقال: إنَّ ظاهر السؤال في معتبرة السكوني : "كون الفأرة في القِدْر حين الطبخ" ، وإن كان الأمر كذلك فإنَّ الغليان ، أو شدَّة الحرارة ، موجب لرسوخ النجاسة في الباطن .
نعم ، الذي يَرِد في المقام : أنَّ الروايتَيْن الأخيرتَيْن ضعيفتا السند .
لا يُقال: إنَّ عمل المشهور جابر لضعفها .
فإنَّه يُقال: إنَّ الكبرى غير ثابتة كما تقدَّم في أكثر من مناسبة ، مضافاً إلى عدم العلم بثبوت الصغرى ، ولكن يكفينا الرواية الأولى ، وهي معتبرة ، كما عرفت .
والعجب من صاحب الحدائق: حيث يرى مثل هذه الأخبار قطعيَّة الصدور ، واعترف بعمل الأصحاب بها ، ومع ذلك أعرض عنها لمحض الاستبعاد ، قال - بعد نقل الروايتَيْن ، أي رواية السكوني ، ورواية زكريا: ( وظاهر الأصحاب من غير خلاف يُعرَف القول : بمضمونهما ، وعندي في ذلك على إطلاقه إشكال ، وذلك : فإنَّه إن كانت النجاسة قد وقعت بعد وقوعها ، بحيث لم تسرِ النجاسة إلَّا إلى المرَق ، وظاهر اللحم ، فلا إشكال ، وإن كانت قد بقيت في القِدْر مدّةً ، بحيث غلا بها في القدر ، وسرت نجاسة المرَق إلى باطن اللحم ، كما هو ظاهر عبارة العلَّامة المتقدَّمة ، فكيف يطهر بمجرد غسل ظاهره ، والنجاسة قد سرت إلى باطنه ، كما هو المفروض ؟! . نعم ، لو عُلِم وصول الماء المطهِّر إلى الباطن وكان في ماء كثير ، فالقول بالطهارة متجه )
وفيه: أنَّ هذا الكلام من صاحب الحدائق غريب ، وكيف يردُّ النصوص بمجرد الاستبعاد ؟! ، مع أنَّ دأبه العمل بالخبر وإن كان مخالفاً للقاعدة ، وكان يَحمِل بشدَّة على الأعلام إذا عملوا بقاعدة مُستَنبطة وكان في مقابلها خبر لم يعملوا به .
مهما يكن ، فما ذكرناه هو الصحيح .
ويؤيده: مرسلة الفقيه: قال: ( دخل أبو جعفر الباقر ع الخلا فوجد لُقمةَ خُبز في القذر ، فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه ، فقال : تكون معك لآكلها إذا خرجت ، فلما خرج قال للملوك : أين اللُقْمة ، فقال : أكلتها يا بن رسول الله ، فقال : إنَّها ما استقرت في جوف أحد إلَّا وجبت له الجنَّة ، فاذهب فأنت حرّ ، فإنِّي أكره أن أستخدم رجلًا من أهل الجنة )
[3]
وإنَّما جعلتها مؤيِّدة :
أوَّلًا: لضعفها بالإرسال .
وثانياً: يُحتَمل قَبول اللُقمة للعصر ، فتخرج عمَّا نحن فيه ، والله العالم بحقائق أحكامه .
[1] - الوسائل باب38 من أبواب النجاسات ح8
[2] - الوسائل باب71 من أبواب النجاسات ح2
[3] - الوسائل باب39 من أبواب أحكام الخلوة ح1