الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/02/10
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ الحبوب المبتلة والخبز
قال المصنف: ( وتطهر الحبوب المبتلة والخبز إذا علم الوصول في الكثير )
وقد وقع الخلاف في تطهير بعض الأمور ، كالصابون والفواكه والخبز والسُمسُم والحِنطة ، ونحوها من الحبوب، فيما إذا انتقعت في الماء المتنجِّس، بحيث نفذت النجاسة إلى باطنها .
أقول: لا إشكال في طهارة هذه الأمور بغسلها في الماء الكثير ، ووضعها فيه ، فيما إذا تنجَّس ظاهرها فقط ، ولم تنفذ النجاسة إلى أعماقها .
وهل تطهر بغسلها بالماء القليل ؟ .
فالمشهور بين متأخري المتأخرين : عدم حصول الطهارة بالماء القليل .
وقد يُستدلّ لعدم حصول الطهارة: بأنَّ مسمَّى الغسل بالقليل متوقِّف على العصر ، وما يقوم مقامه ، ومتوقف أيضاً على انفصال الغُسَالة عن المحلّ ، وكلٌّ منهما غير متحقّق في المقام .
وفيه: ما تقدَّم من أنَّه لا يُعتبر العصر ، وما يقوم مقامه ، في مفهوم الغسل ، كما أنَّه لا يُعتبر الانفصال .
أضف إلى ذلك: أنَّ الانفصال متحقِّق هنا ، لأنَّه بمجرد وضع الماء القليل عليها ، ومروره على سطحها الظاهر ، ولو يسيراً يتحقَّق الانفصال .
وأيضاً منِ اعتَبر العصر في مفهوم الغسل إنَّما اعتبره فيما لو أمكن ، لا فيما نحن فيه ، غير القابل له .
والإنصاف: أنَّ هذه الأمور تقبل التطهير بالماء القليل ، كما تقبله بالماء الكثير ، وذلك لصدق الغسل عليها ، سواء كان الغسل بالماء الكثير أو القليل .
هذا ، وقد استَدل صاحب المدارك ، وكذا صاحب الجواهر ، على إمكان تطهيرها بالقليل: بأنَّه لو لم تقبل التطهير بذلك للزم الضرر والعُسْر والحرج ، وهو ينافي سهولة الملَّة وسماحتها .
وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة ، من أنَّ أدلة نفي العسر والحرج والضرر إنَّما تنفي التكاليف الضرريّة والحرجيّة والعُسْريّة ، ولا تثبت الأحكام ، فلو لزم من عدم جعل الحكم الضرر والحرج والعسر فهذه الأدلّة لا تثبت الحكم .
وعليه: فلا تُثبِت تلك الأدلَّة طهارة هذه الأشياء بالماء القليل إذا لزم الحرج والضرر ، من عدم تطهيرها به ، هذا كلّه فيما إذا تنجس ظاهرها فقط .
وأمَّا إذا نفذت النجاسة إلى أعماقها فإنَّه تطهر أيضاً بوضعها في الماء الكثير ، حتَّى ينفذ في أعماقها ، ويزيل عين النجاسة ، أو يهلكها إن وجدت في باطنها ، وإلا اكتفى بإصابة الماء للمتنجِّس ، لصدق غسل الباطن بذلك ، من غير حاجة إلى انفصال وجريان من محل إلى آخر .
وكذا تطهر بالقليل أيضاً إذا نفذ الماء إلى باطنها ، إمَّا بصبِّ الماء القليل عليها ، أو بوضع المتنجِّس في الماء القليل ، لِمَا عرفت من أنَّه لا يُشترط في التطهير به ورود المطهِّر من القليل على المتنجِّس ، بل يكفي العكس .
وقد عرفت أنه لا يشترط العصر ، ولا الانفصال ، على أنَّ منِ اشترط ذلك إنَّما اشترطه في حال الإمكان ، لا فيما نحن فيه ، وهو غسل الباطن .
ثمَّ إنَّه قد استُشكل: في تطهير الباطن ، سواء كان بالماء الكثير أو القليل .
وحاصل الإشكال: أنَّ النافذ في أعماق تلك الأمثلة المتقدِّمة هو الرطوبة المحضة ، وهي ليست ماء حتَّى تتطهَّر ، ولا أقلّ من الشكِّ في كونها ماء .
وعليه: فلا يصدق غلبة الماء على الأجزاء الباطنية حتَّى يتحقَّق مسمَّى الغسل .
وفيه: أنَّ المِلاك في تحقّق التطهير هو صدق مسمّى الغسل عليها ، وهو حاصل في المقام ، بشهادة العقل والعرف ، فيصدق على الباطن أنَّه مغسول بالماء ، لتبعيته للطاهر ، فإنَّ العرف لا يفرِّق بينهما ، فإذا وضع الحنطة المنتجِّسة في الماء الطاهر حتَّى استنقعت فكما يطهر الظاهر يطهر الباطن بالتبعية ، ويصدق عرفاً وعقلًا أنَّ النافذ في أعماقها ماء ، ولا ينافيه عدم صدق اسم الماء على ما وصل إلى الأجزاء عند ملاحظته على سبيل الاستقلال .
وممَّا يدلّ على طهارة باطن تلك الأمور بعض الأخبار :
منها: معتبرة السكوني المتقدِّمة : ( أنَّ أمير المؤمنين ع سُئِل عن قِدْر طُبِخت ، وإذا في القِدْر فأرة ، فقال ع : يُهراق مرقها ، ويُغسل اللحم ، ويُؤكل )
[1]
هي ظاهرة في كون الفأرة واقعة حال الطبح ، أو قبله ، الموجب لسراية الرطوبة النجسة إلى أعماق اللحم .
[1] - الوسائل باب5 من أبواب الماء المضاف ح3