< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ كفر ونجاسة المجبرة
 بقي الكلام في بعض الطوائف :- كالمجبِّرة ، والمفوِّضة ، والقائلين بوحدة الوجود ، والمخالفين للحق ، وبعض فرق الشيعة غير الإمامية - :
 أمَّا المجبرة: فعن الشيخ في "المبسوط": نجاستهم ، مال إليه الفاضل الأصبهاني في "كشف اللثام" ، واختاره الشيخ جعفر في كشف الغطاء .
 وقد يُستدل لِكفرهم بأمرَيْن :
 الأمر الأوَّل: إنكارهم لجملة من الضروريات، كإنكار الثواب والعقاب وإنكار التكاليف .
 وفيه: أنّ هذه الأمور لازمة لإنكار الاختيار ، حيث أسندوا الأفعال الصادرة عن المكلَّفين إلى الله ´ ، ونفوا قدرتهم عنها ، نظير حركة يد المرتعش .
 وبالجملة: فإنّ لازم إنكار الاختيار إنكار التكاليف ، والثواب ، والعقاب ، ونحوها ، وقد عرفت أنّ المدار على الإنكار صريحاً ، لا لازماً ، وهم لم يُنكِروا هذا اللازم ، أي التكاليف ، والثواب ، والعقاب ، بلِ اعترفوا بها .
  وأمّا نفس ما ذهبوا إليه من إنكار الاختيار فليس ضروري البطلان ، لموافقته لبعض ظواهر الكتاب والسنة ، قال تعالى : {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}
 وقد ورد في بعض الأخبار والأدعية أنّه خالق الخير والشر
 ففي صحيحة معاوية بن وهب قَالَ: ( سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه يَقُولُ : إِنَّ مِمَّا أَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى ، وأَنْزَلَ عَلَيْه فِي التَّوْرَاةِ : أَنِّي أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَلْقَ ، وخَلَقْتُ الْخَيْرَ وأَجْرَيْتُه عَلَى يَدَيْ مَنْ أُحِبُّ ، فَطُوبَى لِمَنْ أَجْرَيْتُه عَلَى يَدَيْه ، وأَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَلْقَ ، وخَلَقْتُ الشَّرَّ ، وأَجْرَيْتُه عَلَى يَدَيْ مَنْ أُرِيدُه ، فَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُه عَلَى يَدَيْه ) [1] .
 والحاصل: أنّ ما ذهبوا إليه وإن كان باطلًا عندنا إلّا أنّه ليس ضروري البطلان في الدين حتّى يوجب الكفر ، وأمَّا ما يلزمه من المفاسد فلم يعترفوا بها صريحاً ، بلِ اعترفوا بثبوت التكاليف ، والثواب ، والعقاب .
 الأمر الثاني: الذي استُدل به لِكفرهم بعض الأخبار :
 منها: خبر الحسين بن خالد المتقدِّم عن الرضا ع قال: ( مَن قال بالتشبيه ، والجبر ، فهو كافر مشرك ...) [2] .
  ولكنَّه ضعيف - كما عرفت - بجهالة كلٍّ من أحمد بن هارون الفامي ، وعلي بن معبد ، كما عرفت ضعف دلالته .
 ومنها: خبر يزيد بن عمر الشامي عن الرضا ع قال: ( مَن زعم أنَّ الله يفعل أفعالنا ، ثمَّ يعذبنا عليها ، فقد قال : بالجبر ، ومَن زعم أنَّ الله فوَّض أمر الخلق والرزق إلى حُجَجِه ، فقد قال : بالتفويض ، والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك ) [3] ، وهو ضعيف أيضًا بجهالة كلِّ رجال السند .
 أضف إلى ذلك أنّ المراد: بالكفر بعض مراتبه التي لا توجب الخروج من الإسلام ، أو المراد الكفر بالآخرة ، لا بالدنيا .
  وأمَّا الشِرك بالنسبة للقائل بالتفويض فيُراد منه أيضاً بعض مراتبه ، لا الشرك في الأولهية ، كما لا يخفى .
 ومنها: خبر حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله ع قال: ( الناس في القَدَر على ثلاثة أوجُه : رجل زعم أنّ الله أجبر الناس على المعاصي ، فهذا قد ظلم الله في حكمه ، فهو كافر ، ورجل يزعم أنّ الأمر مفوَّض إليهم ، فهذا قد وهن الله في سلطانه ، فهو كافر ...) [4] .
  وهو ضعيف أيضاً بمحمّد بن جعفر بن بطّة ، وبجهالة كلٍّ من أحمد بن هارون الفامي ، وجعفر بن محمد بن مسرور ، وأمّا دلالته فكدلالة الخبرين السابقين .
 وعليه: فلا دليل على كفرهم .
 ومن هنا ضعَّف القولَ بالنجاسة المصنّفُ في "الذكرى" ، والعلَّامة في "المنتهى" ، و"المحقق" الكركي في "جامع المقاصد" ، وقال صاحب الجواهر: (لم أجد موافقاً صريحاً للشيخ على ذلك ) .
 والإنصاف: هو القول بطهارتهم ويؤيِّده أنّ أكثر المخالفين من المجبِّرة ، بل قيل أنَّ غيرهم قدِ انقرض في بعض
 الأزمنة ، لِمَيل السَّلاطين إلى هذا المذهب ، وإعراضهم عن مذهب المعتزلة ، والناس على دين ملوكهم .
  وأمّا المُفوِّضَة :
 فقد يُستدلّ لِكفرهم بأمرَيْن أيضاً :
 الأمر الأوَّل: إنكارهم الضرورة في الدين ، وهو إعطاؤهم السلطة ، والقدرة ، للعبد في قِبال وعَرْض سلطانه تعالى .
 ولكنَّ الإنصاف: أنّ هذا لازم لقولهم بالتفويض ، وحسب ظاهر كلامهم أنَّهم لم يعترفوا به ، إذ من البعيد جدّاً اعتقادهمُ استقلال العبد في القدرة في قبال قدرته تعالى ، فإنّ كلَّ شيء تحت قدرته ، ومنه قدرة العبد .
  ومن هنا ، ترى أنّ أكثر الناس لا يمكنه تعقُّل "الأمر بين الأمرين" ، لأنَّه من العلوم الغامضة ، بل من الأسرار التي لا يصل إلى حقيقتها إلّا الأوحدي من الناس .
 ومن هنا ، قيل : إنّ ما ذُكِر في بيان حقيقة "الأمر بين الأمرين" يرجع إلى الجبر أو التفويض ، فترى كثيراً من الأعلام لَمَّا تصدى لإبطال الجبر والتفويض ، وبيان حقيقة "الأمر بين الأمرين" ،لم يقدر على التخطّي عن مرتبة التفويض ، وإن أنكره باللسان ، حيث ذكر في بيان حقيقة "الأمر بين الأمرين" : أنَّ منشأ عدم استقلال العبد في أفعاله كونها صادرة منه بواسطة أنَّ الله تعالى أقدره عليها .
  والقائل : بالتفويض - من المعتزلة - لا ينكر ذلك ، فإنّ كلَّ شيء تحت قدرته تعالى ، ومنهم قدرة العبد ، فكيف لعاقل مسلم أن يُنكِر ذلك ، إلا أن يكون أبله ؟! .
 الأمر الثاني: الروايات المتقدّمة الدّالة على كفرهم ، وأنَّهم مشركون .
 ولكنَّك عرفت المراد من ذلك ، فلا حاجة للإعادة .
 والخلاصة: أنّ القول بالتفويض وإن كان فاسداً جدّاً إلَّا أنّه لا يُوجِب الكفر .
 ومن هنا حُكيَ عن "شرح المفاتيح" : ( أنّ ظاهر الفقهاء طهارتهم ، يعني إسلامهم ) .


[1] - أصول الكافي 1/154 باب الخير والشر ح1
[2] - الوسائل باب10 من أبواب حدّ المرتدّ ح5
[3] - الوسائل باب10 من أبواب حدّ المرتدّ ح4
[4] - الوسائل باب10 من أبواب حدّ المرتدّ ح10

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo