< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/11/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ نجاسة أهل الكتاب
 كان الكلام في طهارة الكتابي ونجاسته وذكرنا الروايات الدالة على الطهارة والروايات الدالة على النجاسة وقلنا لابد من الجمع بينهما ومع إمكان الجمع لا تصل النوبة إلى التعارض والترجيح بمخالفة العامة ، وقلنا أن مقتضى الجمع هو بحمل الروايات الدالة على النجاسة على الكراهة
 ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على أمرين :
  أحدهما: أنّ الكفرَ لغةً هو الحجد والإنكار ، وهل هو كذلك شرعاً ، وعليه ، فالمسلِم إذا شكّ في الله ¸ ، أو في وحدانيته ، أو في رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يكون بذلك كافراً ، ما لم يجحد ، أم أنّه بمجرد الشكّ يخرج عن الإسلام ؟ .
  قد يُستدل على عدم كفره ، ما لم يجحد ، ببعض الأخبار:
 منها: خبر محمَّد بن مسلم قال: ( كنت عند أبي عبد الله جالساً عن يساره ، وزرارة عن يمينه ، فدخل عليه أبو بصير ، فقال: يا أبا عبد الله ، ما تقول فيمَن شكّ في الله ؟ ، فقال : كافر ، يا أبا محمّد ، قال : فشكَّ في رسول الله ، فقال : كافر ، ثمَّ التفت إلى زرارة ، فقال : إنّما يكفُر إذا جحد ) [1]
 وهو وإن كان واضح الدلالة إلّا أنّه ضعيف ، لأنّ خَلَف بن حمَّاد الواقع في السند مشترك بين الأسدي غير الموثق ، وبين ابن ياسر بن المسيّب الثقة ، ولا دليل على كون الأسدي متحداً مع ابن ياسر .
  ومنها: خبر زرارة عن أبي عبد الله ع قال: ( لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ، ولم يجحدوا لم يكفروا ) [2] ولكنّه ضعيف أيضاً بمحمّد بن سنان .
  ومنها: خبر عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله ع ( أنّه كتب إليه مع عبد الملك بن أعين : سألت رحمك الله عن الإيمان - إلى أن قال : - ولا يخرجه إلى الكفر إلّا الحجود ، والاستحلال أن يقول للحلال : هذا حرام ، وللحرام هذا حلال ، ودَانَ بذلك ، فعندها يكون خارجاً من الإسلام ، والإيمان ، وداخلاً في الكفر ...) [3] وهو أيضاً ضعيف ، لعدم وثاقة عبد الرحيم القصير .
  وقد يُستدل - على أنّه بمجرد الشكّ يكفر - بعدّة من الروايات المعتبرة :
  منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال: ( من شكّ في الله ، أو في رسوله صلى الله عليه وآله فهو كافر ) [4]
 رواها الكليني في "الكافي" ، والبرقي في "المحاسن" ، وهي صحيحة بكِلا طريقَيها .
  ومنها: حسنة منصور بن حازم قال: ( قلت لأبي عبد الله ع مَن شكّ في رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ، قال كافر ، قلت : فمَن شكّ في كفر الشاك فهو كافر ؟ ، فأمسك عني فرددت عليه ثلاث مرات فاستبنت في وجهه الغضب ) [5]
 ولكن لا بدّ من حمل الكفر على معنًى آخر غير المعنى الحقيقي ، وذلك لِمَا سيأتي في الأمر الثاني من أنّ الكافر إذا أقرّ بالشهادتَيْن ، وإن كان إقراراً صُوَرِيّاً ، ولم يكن معتقداً في حقيقتة ، فهو مسلم .
  وبناء عليه: فإذا شكّ المسلم في الله ¸ ، أو في الرسول لا يكفر ، إلّا إذا جحَد ، وأنكر .
 الأمر الثاني: هل يكفي في إسلام الكافر مجرد إظهار الشهادتين وإن لم يعتقد بهما حقيقة ، بأن علمنا نفاقه ، فيترتب عليه حينئذٍ آثار الإسلام من الطهارة ، والمناكحة ، والتوارث ، وعصمة الدم ، ونحو ذلك ، أم لا بد من الاعتقاد حقيقة ، بحيث يتطابق القول مع الاعتقاد ، أم يكفي إظهار الشهادتين ، بشرط عدم العلم بنفاقه ، وجوه ثلاث
  إلّا أنّ الإنصاف: أنّ الأوّل أقوى ، ويُستدَل لذلك بثلاثة أدلّةٍ :
  الأوَّل: سيرة النبي صلى الله عليه وآله مع الذين أسلموا ، فإنّ الملاحظ في هذه السيرة أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يقبل من كثير منهم مجرد إظهار الشهادتين ، مع أنَّه يُعلم يقيناً أنّ جماعة منهم منافقون لم يعتقدوا به ، ومع ذلك كان يرتّب آثار الإسلام عليهم ، من جواز المناكحة ، وعصمة الدماء ، والتوارث ، ونحو ذلك .
  الثاني: الكتاب العزيز ، قوله تعالى : {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} المنافقون 1 ، حيث أخبر الله ´ عن كذب المنافقين في اعترافهم بأنّه صلى الله عليه وآله رسول الله ، ومع ذلك عاملهم الرسول صلى الله عليه وآله معاملة المسلمين في ترتيب الآثار ؛ وقوله تعالى أيضاً : {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...} الحجرات 14.
  وعليه: فلم يُعتبر في الإسلام الاعتقاد القلبي ، وإنَّما يُعتَبر في ذلك الإيمان ، وهو أخصّ من الإسلام .
  الثالث: الروايات الكثيرة التي يظهر منها كفاية إظهار الشهادين من دونِ اشتراط الاعتقاد القلبي :
  منها: صحيحة عبد الله بن سنان قال: ( سألت أبا عبد الله بِمَ يكون الرجل مسلماً تحلّ مناكحته وموارثته ؟ ، وبِمَ يحرم دمه ؟ ، قال : يحرم دمه بالإسلام إذا ظهر ، وتحلّ مناكحته وموارثته ) [6] .
  ومنها: صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله ع قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيُّها الناس إنِّي أُمرت أن أقاتلكم حتّى تشهدوا أن لا إله إلا الله ، وإنِّي محمَّد رسول الله ، فإذا فعلتم ذلك حقنتم بها أموالكم ودماءكم إلّا بحقها ، وكان حسابكم على الله ) [7] .
  ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم قال: ( سألت أبا جعفر عن الإيمان ، فقال : الإيمان ما كان في القلب ، والإسلام ما كان عليه المناكح والمواريث ، وتُحقَن به الدماء ، والإيمان يشرك الإسلام ، والإسلام لا يشرك الإيمان ) [8]
 وكذا غيرها من الأخبار ، والله العالم .
 
 
 
 
 
 


[1] - الوسائل باب10 من أبواب أبواب حد المرتد ح56
[2] - الوسائل باب2 من أبواب أبواب مقدمات العبادة ح8
[3] - الوسائل باب10 من أبواب أبواب حد المرتد ح50
[4] - الوسائل باب10 من أبواب أبواب حد المرتد ح52
[5] - الوسائل باب10 من أبواب أبواب حد المرتد ح53
[6] - الوسائل باب10 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح17
[7] - الوسائل ص284 باب45 باب الإسلام والإيمان ح421
[8] - الوسائل ص285 باب45 باب الإسلام والإيمان ح424

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo