< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/11/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ نجاسة أهل الكتاب
 كان الكلام في طهارة الكتابي ونجاسته وذكرنا الروايات الدالة على الطهارة والروايات الدالة على النجاسة وقلنا لابد من الجمع بينهما ومع إمكان الجمع لا تصل النوبة إلى التعارض والترجيح بمخالفة العامة ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - أنّ مقتضى الجمع العرفي حمل الروايات الناهية على الكراهة ، كما ذهب إليه جمع غفير من الأعلام ، منهم صاحب المدارك ، فالتشنيع عليه وعلى صاحب الذخيرة ، من صاحب الحدائق ، في غير محلَّه .
 قال في الحدائق: ( إنّه - أي الحمل على الكراهة - اجتهاد محض في مقابلة النصوص ، وجرأة تامَّة على أهل الخصوص ، لما عرفت من أنَّهم قد قرروا قواعد لاختلاف الأخبار ومهدوا ضوابط في هذا المضمار ، ومن جملتها العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه - إلى أن قال : - وليت شعري لِمَن وضع الأئمة هذه القواعد المستفيضة في غير خبر من أخبارهم إذا كانوا في جميع أبواب الفقه إنَّما عكفوا في الجمع بين الأخبار في مقام الاختلاف على هذه القاعدة وألغوا العرض على الكتاب العزيز ، والعرض على مذهب العامة ، كما عرفت هنا ؟! ، وهل وضعت لغير هذه الشريعة أو أنّ المخاطب بها غير العلماء الشيعة ؟! ، ما هذا إلا عجب عجاب من هؤلاء الفضلاء الأطياب ) .
  وفيه: أنّ هؤلاء الفُضلاء الأطياب لم يعلموا إلّا بالقواعد الصحيحة ولم يعدلوا عما رسمه لهم أئمتهم ع ، وذلك لأنّ العرض على أخبار العامة ، والأخذ بما خلاف العامة إنّما هو إذا لم يمكن الجمع العرفي مع استقرار التعارض بين الأخبار ، وأمَّا إذا أمكن ، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - فلا محيص عن الجمع بينهما بحمل أخبار النجاسة على الكراهة ، فأين المخالفة لأخبار أهل البيت ع ، وإن تُعجِّب فعجب قول صاحب الحدائق أنّ هؤلاء الأطياب عدلوا عما مهّد لهم أئمتهم ع .
 والخلاصة إلى هنا: أنه لا موجب للتقية .
  هذا ،وذكر بعضهم أنّ أخبار النجاسة مقدّمة ، لموافقتها الكتاب العزيز ، وهي قوله تعالى : {إنما المشركون نجس ... } .
 وفيه: ما ذكرناه سابقاً من أنّ الآية الشريفة لا تشمل أهل الكتاب ، لعدم صدق عنوان المشرك حقيقة عليهم .
 والإنصاف: أنّ أخبار الطهارة لو لم تكن نصّاً فلا أقلّ من كونها أظهر دلالة من أخبار النجاسة ، فتحمل حينئذٍ على الكراهة جمعاُ عرفيّاً لا سيّما أنّ أخبار النجاسة أغلبها غير دال على النجاسة لضعف الدلالة .
  إن قلت: إنّ المشهور أعرض عن أخبار الطهارة ، وإعراضه يوجب وهنا ، بل كلما ازدادت الرواية قوة من حيث السند ، والدلالة ، والسلامة من المعارِض المكافِئ ، كما فيما نحن فيه ، ازدادت وهناً بإعراضهم ، فيكون إعراضهم كاشفاً عن خَللٍ من حيث الصدور ، أو جهه الصدور ، أو الدلالة ، ونحو ذلك .
 قلت: فيه
 أوّلاً: أنّ إعراض المشهور - كما ذكرناه في أكثر من مناسبة - لا يوجب الوهن ، وكيف يوهنها سنداً وهي مستفيضة جدّاً ، وكثير منها صحيح ، وحسن ، وموثّق ، ونحو ذلك ، بل نقطع بصدور بعضها ، وكيف يوهنها من حيث الدلالة مع أنّ كثيراً منها لو لم يكن نصّاً ، فهو أظهر بكثير من أخبار النجاسة ، أم كيف يوهنها من حيث جهة الصدور ، وقد عرفت أنّ كونها تقيّة بعيداً جدّاً ، لا سيّما التقيّة في القول ، بمعنى كونه متقياً في مقام بيان الحكم ، فإنّ هذا بعيد عن مصبّ الأخبار .
  ثانيا: ثمّ إنّه ذكرنا في بعض المناسبات أنّه لو قلنا : بكون إعراض المشهور موجباً للوهن ، إلّا أنّ الصُغرى غيرُ متحقَّقة ، ومجرَّدُ عدمِ عملهم بالرواية لا يكشف عن إعراضهم ، إذ قد يكون عدم عملهم بها لترجيح الروايات المعارِضة لها ، ونحو ذلك .
  إن قلت: إنّ إعراض المشهور وإن لم يوجب الوهن في أخبار الطهارة ، ولكن نقل الإجماع على النجاسة مستفيضاً مع الشهرة بين الأعلام وشذوذ المخالِف ، ومعروفيّة النجاسة عند الناس قديماً وحديثاً ، بل السيرة قائمة على ذلك ، ونحو ذلك ، ممَّا يوجب الجزم بنجاسة أهل الكتاب حتّى أنّ صاحب الجواهر قال: ( فتطويل البحث في المقام تضييع للأيام في غير ما أعدّها له الملك العلَّام ... ).
  قلت: قد عرفت ما في الإجماع والشهرة ، لا سيّما أنّ هذا الإجماع قد حدث في العصر المتأخِّر عن عصر المعصومين ﭺ ، وكذا السيرة فإنَّها حدثت بعد عصرهم ع .
  والأقرب: أنّها نشأت من فتاوى الأعلام ، وتبعهم على ذلك العوام ، وممَّا يشهد على حدوثها بعد عصرهم ع أسئلة السائلين ، وهم من كِبار الأصحاب ، فترى أنّ أغلب أسئلتهم عن عدم تجنُّب أهل الكتاب عن النجاسة العرضيَّة ، من الخمر ولحم الخنزير والميتة ، ونحو ذلك ، بل لعلَّه لم يخطر في بال بعض السائلين النجاسة الذاتيَّة ، أَلَا ترى إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحِمْيَرِي ، وهو من العلماء الأجلَّاء ، كتب إلى صاحب الزمان ع عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة ، ولا يغتسلون من جنابة ، وينسجون لنا ثياباً ، فهل تجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل ، فكتب إليه في الجواب : ( لا بأس بالصلاة فيها ) [1]
 فكأنّهُ استَشكل في الصلاة في الثياب التي ينسجونها ، من أجل أنّ المجوسَ يأكلون الميتة، ولا يغتسلون من الجنابة ، فهذا يكشف عن عدم احتمال النجاسة الذاتيَّة في ذهنه .
  نعم الرواية ضعيفة بالإرسال.
  وقد تقدَّم أيضاً في صحيحة عبد الله بن سنان قال : ( سأل أبي عبد الله ع - وأنا حاضر - أني أعير الذمي ثوبي ، وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ، ويأكل الحم الخنزير ، ثم يرده لعي ، فأغسله قبل أن أصلي فيه ...) [2]
 السيرة المتأرة لا قيمة لها فنحن نمشي على القاعدة وهي حمل اخبار النجاسة على الكراهة والانصاف هي طهارة الكتابي الذاتية
 
 
 


[1] - الوسائل باب73 من أبواب أبواب النجاسات ح9
[2] - الوسائل باب74 من أبواب أبواب النجاسات ح1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo